ستظــل الأزمـــات تلاحق اليمـــن بسبب الاقتصــــاد الجنــوبـــي !

> عياش علي محمد

> عندما نشبت الحرب في صيف 1994 بين الشمال والجنوب وانتهت تلك الحرب كانت مؤسسات القطاع العام للدولة في الجنوب أولى ضحايا تلك الحرب، واستولى المنتصر على ممتلكات ضحاياه، وانفرد بها طولاً وعرضاً، محولاً الجنوب إلى مساحات جغرافية خالية من أية معالم اقتصادية أو نشاطات بشرية منتجة.
لكن الاقتصاد الجنوبي المدمر ظل يلاحق نظام صنعاء حتى يومنا هذا، ويلحق به الأزمات السياسية والاقتصادية المرة تلو الأخرى، وما الأزمة الحالية التي يعيشها اليمن إلا نتاج لغياب أهم القطاعات المنتجة الكائنة في الجنوب.
لقد كانت فكرة اجتثاث الاقتصاد الجنوبي ناتجة عن لوثة عقلية سقيمة، ووعي قاصر لم ينضج بعد، على اعتبار أن استئصال قوة الجنوب في مؤسساته الصناعية والتجارية والخدماتية ستؤدي إلى محو الوظائف التي كانت ترتكز عليها الطبقة العاملة والطبقة الوسطى وإطارهما السياسي الذي يمثلهما.
وفي نفس الوقت تكون نظرية الفرع والأصل قد طبقت عملياً على الحياة الواقعية، فأصبح الجنوب سوقاً لمنتجات الشمال، وخالياً من أية قوى منتجة، تحسباً منه في حالة عودة الجنوب، يجد نفسه خالي الوفاض من قواه الحية، ويظل تابعاً اقتصادياً ثم سياسياً لهم.. يتحكمون فيه لمجرد أنه فرع لايزال واقعاً تحت رحمتهم الاقتصادية.
من يفكر بهذه الطريقة فإنه على الأرجح يكون في مستوى الجهل والأمية السياسية والاقتصادية، فإن مجرد خروج مؤسسات منتجة وتجارية وخدماتية عن وظيفتها ستؤدي لا محالة إلى انعكاسات سلبية على الطرف الآخر، وستلحق به الأزمات من يوم إلى آخر، وسوف تنتقل السلطة من يد إلى أخرى محاولة في كل مرة أن يستقر الوضع السياسي والاقتصادي، ولكن القانون الاقتصادي لا يتعامل بالطريقة نفسها، وله أسلوبه في خلق الأزمات في حالة التعدي على صلاحياته.
وعندما يقول السياسيون إن حل الأزمة اليمنية مرتبط بحل القضية الجنوبية فإنهم ربما يقصدون استعادة الدولة الجنوبية، وإعادة بناء ما تم نهبه من مؤسسات قطاع الدولة واقتصاد الجنوب، فاستعادة الجنوب (اسماً) دون اقتصاده ليس حلاً للقضية الجنوبية.
واليوم يعيش اليمن أزمة كبرى، تفوق ما مر به من أزمات، لأن الأزمة الحالية ليس لها طلب اقتصادي وحسب، بل تعداه إلى مطلب سياسي يفوق مطالب الأمس، فاليوم يرفع شعار إسقاط الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
فلماذا جاءت هذه المطالب الثلاثة في الوقت الحاضر؟ والجواب هو انعكاسات المؤشرات الاقتصادية على حياة الناس وارتفاع نسبة التضخم قادا إلى ارتفاع الأسعار، وضياع مدخرات الناس التي قلت مبالغها بسبب هذا التضخم، وكذا أضعفت القوة الشرائية عند الناس، وزادت نسبة البطالة، وقلت الإنتاجية، وضع الاستثمار والاقتصاد لم يحقق أي رقم تنموي.. وكان الفساد هو المتهم الأول، فوجدت القوى الصاعدة مبرراً منطقياً لتحقيق مطالبها.
وسواء انتصرت تلك القوى أم لم تنتصر فسوف يظل الاقتصاد اليمني مرتبطاً بالأزمات التي خلفها خروج مؤسسات الدولة الجنوبية عن التداول الحكومي.
"عياش علي محمد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى