الدكتــور سالــم عبد الخالــق طبيب نابغة يعالـــج مرضـــاه ويتحسس معانــاتــهم

> نجيب محمد يابلي:

> **الولادة والنشأة:
كانت وثائق حكومة عدن المؤسسية هي مرجعي الوحيد في المعلومات المطلوبة عن أوائل الأطباء العدنيين الخريجين من الجامعات البريطانية أو الجامعات المعترف بها، مثل الجامعة الأمريكية في بيروت أو القاهرة أو جامعة القاهرة أو جامعة بغداد، ومن أولئك الدكاترة: سالم عبد الخالق وعبد الله صالح عفارة ومحمد عبد القادر محيرز وجعفر علي عزيز وخالد علي قاسم.
تشير وثائق حكومة عدن إلى أن الدكتور سالم عبد الخالق من مواليد 2 سبتمبر 1930م، وأنه التحق بخدمة القطاع الصحي في 13 مايو 1959م، والدكتور سالم من مواليد كريتر (عدن)، ولا تزال أطلال عمارتهم قائمة قبالة مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية في طريق العيدروس.
**سالم في عداد المتفوقين**
تلقى سالم عبد الخالق مراحل دراسته في عدن وأنهاها بالجلوس لشهادة كيمبردج العالية SENIOR CAMBRIDGE عام 1952م (عام افتتاح كلية عدن العطرة الذكر)، وحصد سالم عبد الخالق تفوقا لا نظير له في كل المواضيع (Subjects)، وسطرت عبارة (Distinction) على شهادته (أي التميز في التفوق)، وكان - رحمه الله - في كنف عمه السير محمد سالم علي، نائب السكرتير العام البريطاني، وكان بذلك أرفع منصب يصل إليه العدني، وكان المنصب موازيًا لنائب رئيس الوزراء، لأن مجلس الوزراء كان يعرف بالسكرتارية (SECRETARIAT)، ولكون السير محمد سالم علي كان متكاملاً في مواصفاته في الخدمة، ولكونه -رحمه الله - كان مولعًا بـ(المداع) (Habble - babble)، فقد كان المستثنى من سائر الموظفين باستخدامها أثناء ساعات عمله، التي كانت كل دقيقة منها لصالح العمل باستثناء دقائق الراحة مع الشاي (Tea Break).
**سالم في المستشفى الأهلي قبل المغادرة إلى بريطانيا**
كان سالم عبد الخالق نسخة مصغرة من البرت انشتاين، فقد كان - رحمه الله - واسع الاطلاع في مجاله العلمي، وفي مجال الثقافة والسياسة دون ابتذال، رسي عليه الاختيار كطالب متفوق واستوعبته إدارة الصحة العامة في المستشفى الأهلي بكريتر (أقيم مركز شرطة كريتر على أرضه بعد انتقال المستشفى إلى مقره الجديد) مستشفى الملكة إليزابيث الثانية بخور مكسر (مستشفى الجمهورية المهملة حالياً).
عند مراجعة وثائق حكومة عدن يتبين للباحث أن الكوكبة اللامعة من الأطباء العدنيين القادمين من بريطانيا كانوا على النحو التالي:
د. سالم عبد الخالق مايو 1959م، و د. محمد عبد القادر محيرز مايو 1960م و د. عبد الله صالح عفارة يوليو 1960م و د. جعفر علي عزيز أغسطس 1959م و د. خالد علي قاسم سبتمبر 1961م.
**قامات طبية في ذاكرة السفير عبد الوكيل السروري:
ورد في كتاب قراءة موجزة في تاريخ مستشفى الجمهورية التعليمي وواقع تطور مهنة التحريض في اليمن خلال الفترة 1958م - 2000م للأخ والصديق العزيز العطر الذكر السفير عبد الوكيل إسماعيل السروري بطاقة تعريف لمستشفى الملكة إليزابيث الثانية بخور مكسر (وأصبح اسمها بعد الاستقلال مستشفى الجمهورية)، وسبقت بطاقة التعريف صورة للملكة إليزابيث، كما نشرت في الكتيب المكرس لزيارتها لعدن في 27 أبريل 1954م، حيث افتتحت مصافي عدن ووضعت حجر الأساس لمستشفى الملكة الذي افتتح في أغسطس 1958م ومن ضمن ما ورد في بطاقة التعريف:
1-السعة السريرية عند الافتتاح 500 سريراً
2-السعة الحالية 521 سريراً
أول طبيب يمني عمل في مستشفى الملكة إليزابيث هو الدكتور سالم عبد الخالق استشاري الأمراض العقلية والعصبية، ويعمل حاليًا في العاصمة البريطانية لندن.
أول مدير لمستشفى الملكة الدكتور أسكلتن براون، ثم الدكتور فار .. الخ.
أول مديرة للتمريض الآنسة كوين فالآنسة باتسي، فالآنسة برونفلد .. الخ
أول سكرتير للمستشفى السيد عبد المجيد حسب الله.
أول مدير للمستشفى قبل الاستقلال بشهور كان الدكتور محمد البار تلاه بعد الاستقلال الدكتور سالم أحمد يافعي (الأخ الأكبر للوزير سلمان والدكاترة علي وعبد الناصر وعبد الرحمن)، ثم الدكتور عبد الله صالح عفارة (شقيق محمد صالح عفارة وحسن صالح عفارة)، ثم الدكتور أمين ناشر فالدكتور عبد الله عبد الولي والقائمة طويلة.
أول رئيس لهيئة التمريض الأستاذ محسن شيباني (الشقيق الأكبر للرياضيين خالد شيباني وأبو بكر شيباني)، ثم علي كليب وعمر حريري ومحمود سعيد علي وعبد الحميد عبد المجيد.
أول سكرتير للمستشفى بعد الاستقلال كان إبراهيم صعيدي ثم محمد عبده سالم وأحمد السيد وحسن علي الأصبحي وعبد السلام ..الخ.
**السفير السروري في استطراد عن الرواد**
يدخل السفير عبد الوكيل السروري في استطراد جميل عن الرواد الأوائل للأطباء، وبدأه بقائمة الأطباء الأجانب الذين سكنوا ذاكرة عدن، وأورد بعد ذلك قائمتين الأولى للرواد والثانية لأطباء من السبعينات، وسأكتفي بالرواد:
د. سالم عبد الخالق
د. محمد مهيوب سلطان
د. محمد البار
د. أحمد عرمان
د. قيس محمد عبده غانم
د. جعفر علي عزيز
د. أحمد عبد الله باصهي
د. أحمد البار
د. خالد علي قاسم
د. عبد القادر البار
د. محمد عبد القادر محيرز
د. سعيد باجنيد
د. قيس حاتم
د. علي مغيتي
د. حافظ لقمان
**سالم عبد الخالق .. الطبيب والإنسان**
محمد باشرين
محمد باشرين
أفادني المناضل الوطني والنقابي الجليل محمد سعيد باشرين، وهو أحد أصدقاء عمر الدكتور سالم عبد الخالق بأن الدكتور سالم فتح عيادة تخصصية للأمراض النفسية والعقلية في جزء من مسكن العائلة الكبير أمام مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية، وقد تجلى سمو أخلاق هذا الطبيب الإنسان بأنه كان خبيرًا في تخصصه وعطوفًا على مرضاه الفقراء.
كان الدكتور سالم يسهم في تحمل تكاليف أدوية المريض الفقير، أو يعطيه مبلغًا من المال للعودة إلى منطقته، كان رحمه الله رقيقًا في تعامله مع مرضاه، ولم يضع المال ضمن أولويات رسالته، وكما كان كريمًا مع مرضاه كان الله كريمًا معه.
**الدكتور سالم ورسالته مع حزب الشعب الاشتراكي في بريطانيا:
عبد الله الأصنج
عبد الله الأصنج
قال لي المناضل الوطني والنقابي البارز باشرين بأن الدكتور سالم عبد الخالق ارتبط بعلاقة صداقة حميمية معه ومع الرجلين الكبيرين الأستاذ عبد الله عبد المجيد الأصنج والأستاذ علي سالم علي، وبقياديين آخرين من حزب الشعب الاشتراكي الذي تأسس في يوليو 1962م، بل وحمل الدكتور سالم رسالته الوطنية قبل تأسيس الحزب عندما ارتبط العمل النقابي بالعمل الوطني والسياسي.
قال باشرين: كنَّا نحول للدكتور سالم عبد الخالق مائة جنيه إسترليني شهريًا (أي 2000 شلن - ألفين)، وهي كلفة إيجار الكتب وأعمال السكرتارية، وكان المؤتمر العمالي وحزب الشعب يزودانه بالصحف التي تصدر في عدن، ومنها صحيفة «الأيام» و“العمال” وصحف عدنية أخرى، وكان الدكتور سالم يعد نشرة مكونة من (20) صفحة يوزعها على منظمات نقابية وسياسية.
يفيد باشرين بأن الدكتور سالم سبب إزعاجاً للسلطة البريطانية، لكثرة تواصله مع أعضاء مجلس العموم البريطاني، ومجلس اللوردات ومنظمات حزبية ونقابية.
*الدكتور سالم في مفترق طريق عدن أم لندن؟
اتخذت الأمور طابعًا دمويًا حادًا وشهدت عدن أعمالا عسكرية لا تتناسب مع طبيعتها الجغرافية والبشرية، وإفساد المناخ السياسي والديمقراطي القائم على منظمات المجتمع المدني، وصار الإرهاب العملة السائدة، وشكلت عملية قنبلة المطار ظهر الثلاثاء 10 ديسمبر 1963م، واستهدفت الوفد الذي رأسه المندوب السامي مع الوفد الاتحادي إلى مؤتمر لندن الدستوري، وراح ضحية العملية هندرسن مستشار المندوب السامي وسيدة هندية، وأصيب عدد كبير من أعضاء الوفد بجراح طفيفة.
كما شهدت عدن انعطافات سياسية حادة منها إقدام المندوب السامي ترنبل على تعطيل الدستور، وإقالة حكومة عبد القوي مكاوي في 25 سبتمبر 1965م، وكان شهر مايو من نفس العام قد شهد قيام منظمة التحرير لجنوب اليمن المحتل.
وفي 13 يناير 1966م، تم دمج منظمة التحرير مع الجبهة القومية تحت مُسمى (جبهة التحرير) (FLOSY)، وفي 14 أكتوبر من نفس العام انسحبت الجبهة القومية من التشكيل الجديد، وفي أكتوبر من نفس العام شهدت عدن قيام التنظيم الشعبي للقوى الثورية.
إلا أن نفس العام 1966م شهدت عدن تصفيات جسدية واسعة النطاق امتدت حتى عام 1967م، وشهد هذا العام اقتتالين أهليين، وفي هذا المناخ الفاسد كان على الدكتور سالم عبد الخالق أن يختار أحد
أمرين البقاء في عدن (وهي وطنه) أو الانتقال إلى لندن التي قضى فيها معظم سني حياته، وجاء القرار أن لا استقرار في عدن لينهي مع زميله الدكتور محمد عبد القادر محيرز مشوارهما في العمل الوطني مع صديقهما الأستاذ عبد الله عبد المجيد الأصبح، ورفاق دربه في الجبهة الوطنية المتحدة، ثم مؤتمر عدن للنقابات ثم حزب الشعب الاشتراكي.
**الدكتور سالم يقول وداعًا لعدن الحبيبة**
عادالدكتور سالم عبد الخالق إلى لندن والعود أحمد، واستقر هناك ومارس عمله كاختصاصي أمراض نفسية وعقلية، ثم استشاريًا في سجون لندن، وعالج أصعب وأعقد الحالات، وذلك منذُ مغادرته عدن في العام 1967م.
**الدكتور سالم يودع الحياة في دار المسنين بلندن**
لم يتزوج الدكتور الفاضل سالم عبدالخالق، وبالتالي لم ينعم بذرية تهيئ سبل الاستقرار له، ولذلك نعم بالاستقرار في دار للمسنين بلندن، ومثل هذا الدار في المجتمعات المتقدمة هو وسيلة لتحقيق الاندماج الاجتماعي والثقافي، ودار المسنين في تلك المجتمعات دار متكاملة: سكني ومكتبة وعيادة ومنشآت رياضية تتناسب مع قدراتهم الجسمانية.
المسن في تلك المجتمعات لا ينسجم مع أحفاده في المنزل أو الشباب، وإنما يبحث عن وسيلة تجمعه بأفراد من جيله تجمعهم قواسم مشتركة ويمارسون الرياضة ليست على طريقة الشباب، فالشطرنج أحجاره خشبية وضعيفة وكبيرة الحجم فيلعبونها وقوفًا.
عاش الدكتور سالم عبد الخالق حياته في دار السنين طولاً وعرضًا، ولم يتسرب إليه الملل لأن كل شيء متوفر هناك في قاعات وساحات حتى وفاته هناك فجر الثلاثاء 22 يوليو 2014م عن عمر ناهز الـ 84 عامًا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى