المهـــن والحــــرف اليـــدويــة في عـــدن.. ثروة سياحيـة واقتصاديــة أهملت

> استطلاع / وليد الحيمدي:

> ازدهرت مدينة عدن منذ القدم بصناعة عدد من المهن الحرفية واليدوية يعود تاريخ بعضها إلى آلاف السنين، ومن أبرز هذه المهن التي اشتهرت بها هذه المدينة التاريخية صناعة الخزف والزجاج والأواني المنزلية وكذا مهنة العِطارة، لتشكل بذلك مصدر دخل ورافداً للاقتصاد، لما كانت تدره من أموال كبيرة بعد أن وصل الإتجار بها إلى عدد من الدول المجاورة، مستفيدة في ذلك من موقع مينائها الاستراتيجي.
حالياً شهدت هذه المهن تراجعاً كبيراً مع اختفاء مهن أخرى بالكامل من الأسواق لأسباب عدة أبرزها ضعف الإقبال عليها من قبل الزبائن والسياح نتيجة للانفلات الأمني وكذا الانتشار الكبير للمنتوجات الصينية مع عزوف الكثير من أصحاب هذه المهن إلى أعمال أخرى تواكب التطور والحداثة.
«الأيام» سلطت الضوء على هذه المهن لمعرفة أسباب اختفاء الكثير من الأسواق وذلك من خلال اللقاء بعدد ممن يمتهنون هذه المهن..
**صناعة قديمة**
تعد صناعة العزف في عدن لا سيما في عدن القديمة (كريتر) من أقدم الصناعات الحرفية في هذه المدينة العريقة، ويعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، والعزف يستخرج من شجرة النخيل أو جوز الهند ويشكل بحسب مهارة الصانع، ولهذا فصناعة العزف قديمة جداً، حيث أكد الحفر الذي قام به رجال الآثار في عام 1999 أن هذه الصناعة كانت معروفة لدى قدماء سكان هذه المدينة، وقد كان يتم توريده إلى الموانئ المجاورة لميناء عدن كموانئ القرن الأفريقي ومنطقة الخليج العربي.
**العطارة ومهارات الطب**
مهنة العطار مهنة اتخذها أبناء هذه المدينة منذ القدم، العطار عبد القادر أبوبكر الكشي أحد من امتهنوا هذه المهنة بالوراثة أوضح لـ"الأيام" جانبا من هذه المهنة بالقول: "بدأ جدي العمل في هذه المهنة منذ عام 1935م، وذلك ببيع البهارات والمكسرات ومهارات الطب العربي والهندي"، ويوضح: "كان جدي على دراية تامة بطب الأعشاب، حيث كان يستوردها من الهند لمعالجة العديد من الأمراض كأمراض الروماتيزم والسكري والضغط، وكذلك استيراد الأعشاب والبهارات من أكثر من دولة عربية كمصر، سورية، السودان، وجميعها تقع تحت بند الطب العربي والطب الهندي، بالإضافة إلى البهارات الخاصة بأمور الطبخ وتحضير الحلويات".

ويواصل الكشي حديثه بالقول: "بعد أن توفي جدي ـ رحمه الله في منتصف الخمسينات ـ قام والدي بالعمل وكان هو الآخر على دراية كبيرة، وحالياً أديرها أنا، إنها مهنة توارثناها أبا عن جد، ولا يمكن أن نتخلى عنها أو نتركها، فهذه المهنية تمثل أحد معالم الهوية في هذه المدينة والتي تعرض الكثير من معالمها وتراثها إلى الطمس، ولهذا أتمنى من الجميع المحافظة على ما تبقى من هذه المهن والحرف وحمايتها من الاندثار باعتبارها كنزا ثمينا وإرثا لهذه المدينة العريقة.. وكذا إحلال الأمن في هذه المدينة حتى يعود لهذه المحافظة نشاطها السياحي الكبير الذي غاب نتيجة الانفلات الأمني الذي تشهده منذ سنين".
**عزوف الجيل المعاصر**
ومن هذه المهن مهنة الحرف اليدوية (الأواني المنزلية) وهي صناعة يدوية بحتة شهدتها هذه المدينة منذ القدم، لكنها اختفت تريجياً مع مرور الوقت، وعزوف الجيل الجديد عنها.. محمد عبدالله المانا أحد ممتهني هذه المهنة بكريتر أوضح لـ«الأيام» علاقته الوطيدة بهذه المهنة منذ الصغر بالقول: "بدأت أمارس هذه الحرفة منذ طفولتي وعمري لا يتجاوز حينها أحد عشر عاما"، ويضيف: "كنا نصنع الكثير من الأواني المنزلية مثل كتالي الشاي، والطاوة الخاصة بصناعة الخبز، وغير ذلك من الأواني المنزلية"، ويرجع المانا بداية ممارسة جده لهذه المهنة إلى عام 1900م وهي الحقبة الزمنية التي انتشرت فيها المهن الحرفية بشكل كبير في هذه المدينة كالعزف والخزف والفخار والمنّجد والنجار وكلها صناعات تعتمد على مواد خام من اليمن الجنوبي حينها، بينما يتم جلب المواد غير المتوفرة من الهند أو من دول عربية أخرى عبر ميناء عدن الدولي والذي كان يلعب دوراً كبيرا في ازدهار هذه الحرف والمهن، وما لذلك من عوائد اقتصادية على الفرد والمجتمع.
ويختم بالقول: "والمؤسف اليوم أن هذه المهن والحرف تعاني اليوم ضعفاً وتراجعا كبيرين في مزاولتها، نتيجة لغياب الدعم من الحكومة والانفلات الأمني الذي تسبب في ضعف إقبال السياح عليها، وكذا عدم الاهتمام من قبل الجهات المعنية بالمحافظة على هذه المهن والتي تعد إرثاً حضارياً للبلاد".

**مهنة الأجداد**
عارف حسين المانا وهو حرفي زجاجي ورث مهنته من أجداده الذين بدأوا بامتهانها في العام 1930م قال عن هذه المهنة: "لقد بدأ جدي في عام 1930م بمعمل بدائي لصناعة وقص الزجاج وكذا عمل براويز من مرايات، وكذا الأبواب الزجاجية والقوارير والصحون الزجاجية والنوافذ الزجاجية". وعن وضع هذه المهن في المرحلة الحالية أجاب بالقول: "لقد قل الإنتاج في هذه المهن نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه أفراد المجتمع، ومع هذا لم نترك هذه المهنة التي اعتدنا عليها ومازلنا نمارسها ولكن في أشياء محددة كصنع المرايات والبراويز فقط، ولهذا نرجو من الجيل القادم المحافظة على هذه الصناعة التاريخية التي سادت قديما، فضلاً كونها تعد كنزا تاريخيا وثقافيا للمدينة وموردا اقتصاديا وسياحيا للفرد والمجتمع".

**الدعم غائب**
علي عبد الغني عمل منذ أواخر الخمسينات في بيع وصناعة العزف بكريتر عدن، وعن هذه المهنة قال: "أنا أعمل في هذه المهنة منذ أربعين سنة بعد أن ورثتها عن جدي الذي بدأها في 1945م وذلك لما كان لها من سوق وإقبال كبير عليها من قبل الزبائن فضلاً كونها صحية وتحافظ على المأكولات كجعبة الخبز وسلة الخضار والحصيرة والمروحة اليدوية وغيرها من المشغولات اليدوية (العزفية)"، وعن ما تشهده هذه المهنة حالياً من ضعف في الإقبال عليها، أشار عبدالغني إلى أن السبب هو انتشار المنتجات الصينية بكثرة في الأسواق، وكذا غياب الدعم لهذه المهن من الدولة، وعدم الاهتمام بها رغم ما تضفيه من روح تاريخي للمدينة.

**ختاما**
أفاد عدد من رجال الاقتصاد والآثار بمدينة عدن أن السبب الرئيس في تدمير وانقراض هذه الصناعة الاقتصادية يعود إلى عدم الاهتمام من قبل الدولة وغياب الدعم من رجال الأعمال، وكذا عزوف أصحاب المهن والحرف نفسها عن مزاولة هذه المهن والحرف نتيجة للوضع الاقتصادي والأمني الهش في هذه المدينة وعموم البلاد مما أثر سلباً على هذه المهن بشكل مباشر، وأدت إلى العزوف عنها، وقد تختفي تلك الأسباب بالكامل إذا ما تضافرت الجهود من الدولة ورجال الأعمال والمثقفين والمتخصصين في هذا المجال من خلال عقد ورش عمل تعليمية حول هذه المهن وتدريسها عبر أصحاب المهن أنفسهم، وذلك للمحافظة على ما تبقى من هؤلاء الحرفين في هذه المدينة التاريخية وذلك لما تضفيه تلك المهن من مسحة سياحية وتاريخية للمدينة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى