الشاعـــرة نازك المــلائكــة.. بين خيارين: التجــديد أو الارتــداد عن التجــديد

> ماجد صالح السامرائي

> للجاحظ عبارة وردت في الجزء الرابع من (البيان والتبيين) يتمثل فيها المظهر الأخلاقي من المعرفة، وقد سماه بـ”تعمير الصدور وإصلاحها من الفساد القديم”.. لنجد في هذه العبارة أساسا لاستراتيجية التفكير النقدي عند الشاعرة نازك الملائكة في مرحلتين، مختلفتين، بما لهذا التفكير من معطيات شعرية، وبما رسم من توجهات نقدية.
تعود المرحلة الأولى إلى ديوانها الثاني (شظايا ورماد) (1949). وبمقدمتها التي حملت فيها على القديم، رافضة كل موروث يشكل حالة اتباع.. وداعية إلى “تعمير الصدور وإصلاحها من الفساد القديم” وذلك باعتماد الجديد الذي يحمل روح المغايرة، ويؤكد التغاير، ومنه إلى إحداث التغيير في واقع الشعر العربي المعاصر.. وكان نذير ذلك ما توقعت للقصيدة “الحرة” من “تطور جارف عاصف لن يُبقي من الأساليب القديمة شيئاً”، مطالبة الشاعر في عصرها بتجاوز الموروث، وتحقيق التغيير الجذري في بنية القصيدة العربية بتخطي مسألة “الأوزان والقوافي والأساليب والمذاهب”. منذرة بتزعزع “قواعدها جميعًا” وداعية، في عملية التجديد هذه، إلى الأخذ بمقولة برناردشو: “اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية”. ونؤرخ للمرحلة الثانية بصدور كتابها “قضايا الشعر المعاصر” (1962) الذي حملت فيه على كثير من المعايير الجديدة، داعية إلى اعتماد ما دعت إلى اعتماده من معايير شعرية قديمة وإحلالها محل الحداثة التي كانت في هذا الوقت قد أخذت بعدها الفعلي في الشعر الحديث.. مكرسة بحثها/ نقدها للكشف عما رأت فيه من أخطاء لاتغتفر لهذه الحداثة التي رفضتها جملة وتفصيلاً، مؤشر ما وقع لها من مزالق ينبغي عدم غض النظر عنها، ففي كتابها هذا وفي ما كتبته من بعده من ردود على نقادها، بدت كمن يستعيد ذاكرته الأولى من خلال استدعاء التراث وإرهاف السمع لما كان قد أتى به من قول وذهب فيه من محددات كانت في مرحلتها الأولى قد وجدت فيها قيوداً ينبغي كسرها.. فإذا بها تستنطق هذا التراث بكل ما يدعم أطروحاتها هذه وأصبح الموروث، بقوانينه وإلزاماته، هو المتحكم في ذائقتها النقدية والشعرية في آن معاً.. لنجد في نقدها نماذج من الشعر الجديد تنطلق من وتبني موقفها على “منطق تراثي” فارضة وجوده منطقاً على النص المقروء، غير عابئة بما قيل عنها من أنها تقرأ النص بأداة نقدية مغايرة لجوهره الفني، ومن خلال ذلك وفي ضوء قراءتها هذه تحدث عندها أو حددت معايير القبول والرفض.. لنجدها في ما تقرأ تعتمد استراتيجية نقدية تقوم على “تغييب المستقبل”.
إلا أن كلاً من “المقدمة” و“الكتابة” جاءا معبرين عن فردية واضحة.. فهي في كل منهما تتقدم بـ“رأي مغاير” لما سلف، أو استجد من رأي، وتريد لهذا الرأي موقعاً فعلياً في الحياة الشعرية، النقدية، وهذا بذاته ما سيكون موضع مفارقة.
فإذا كانت في أطروحتها الأولى “مقدمة شظايا ورماد” قد وجدت جواً مهيأ لقبول أطروحتها التجديدية والتفاعل إيجابياً معها، فإنها في أطروحتها الثانية “قضايا الشعر المعاصر” لم يكن ما تقدمت به كافيا، أو قادراً على أن يجعل الحركة الشعرية الجديدة تتراجع بمنجزها الحداثي لمصلحة “معرفة” شعرية ونقدية كانت هي بنفسها قد دعت إلى تجاوزها، وقد تحقق ذلك في المنجزين الشعري والنقدي لحركة التجديد، وهنا كان جوهر الاختلاف.
ففي الوقت الذي جاءت “المقدمة” بمنزلة بيان شعري للتجديد والجديد، بما وضعت فيها من أسس لحداثة شعرية عربية، فاتحة أفقاً جديداً أمام الشعر العربي والشاعر العربي، جاء كتاب “قضايا الشعر المعاصر” ليُحكم على الحركة الشعرية الجديدة بقواعد ليست منها.. فقد اتخذت في مباحثه رؤية نقدية محكومة بـ“صيرورات” كانت الحركة الجديدة بمنجزها قد تجاوزتها.. فإذا هي أقرب إلى “الوضعية في ما تقول وإلى ما تدعو، وإذا النظر منها في القصيدة يأخذها بكونها “نظاما من الحقائق” أكثر من كونها “عملاً فنياً”، فإذا بنقدها يقوم على “المصادرة، وليس على القراءة وهو نقد حاصر نفسه بـ“العروض الشعري” وما هو “عروضي” أكثر من أي شيء آخر.
يندرج في هذا السياق الذي ركز على “الشكل” ما يتصل بلغة الشاعر الحديث التي يتخذها هي الأخرى لمعايير معجمية من شأنها أن تحول بين القصيدة وأي تطور فعلي للغتها.. وهو ما سعى الشاعر الحديث إلى اعتماده متمثلاً بمعايير التداول التواصلي في لغة القصيدة الجديدة. ونجدها في هذا المنحى قد أسرفت في اعتماد مبادئ القدامى حين تابعت، في هذا الجانب، ما يدخل في نطاق “المعنى” الذي احتكمت إلى “دلالته المباشرة” أكثر من سواها (كالرمز والأسطورة وما لهما من دلالات تأويلية)، رافضة كل ما يأتي “بما ليس في العادة والطبع” - على حد تعبير قدامة بين جعفر - فإذا هي بنزعتها المعيارية هذه تضع ما يمكن عده “شكلاً جامعاً” لما تقبله مما هو منجز، أو لما تريده أن ينجز، وبذلك كان أن جعلت “أفق الانتظار” أفقاً مقيداً يحول بين الشاعر وما يمكن أن يرتاد من آفاق جديدة (كانت هي نفسها قد دعته إليها في مقدمتها لعملها الشعري الثاني).. جاعلة منه “أفق مواضعة” يعتمد النمطية، ويتخذ من السائد نهجاً، ولعل أخطر ما في موقفها هذا تحديدها البنية الشاملة والكلية للقصيدة الجديدة بما راحت تفرض عليها من عناصر التقليد وليس من فتوحات الجديد.
وكما في مرحلتها الأولى التي ربطت التجديد فيها بما “ابتكرت” له من نمط، سنجدها في مرحلتها الثانية تربط التجديد الشعري والقصيدة التي تنتسب إليه بالمعايير التي عادت إليها بعد أن كانت قد هجرتها، فتعمد نقدياً إلى استنطاق هذا النموذج (الذي عُد نمطاً ارتدادياً على / وعن التجديد والجديد)، معتمدة ما يمكن أن ندعوه بـ“استراتيجية المتقبل” لنص الآخر، و(هي استراتيجية قائمة على “حضورها الفردي” كما في الشعر، فتفرض هذا الحضور على النص المقروء من قبلها، والذي تفرضه على الكتابة الشعرية: معايير يجب اتباعها، ونهجاً يجب اتخاذه مسلكاً للشاعر والشعر).. فهي هنا تتخذ دور “المتقبل الضمني” بما يفرض من مقاييس ويتخذ من معايير ويُملي من طرائق تجد أن على الشاعر والشعر الامتثال لها، مصادرة دور الشاعر نفسه كونه مبدعاً لنصه، غير أن ما يثار هنا هو السؤال عن الوعي الشعري والنقدي عندها الذي يُحرك هذا التوجه، ويُحدد طريقه على هذا النحو التعسفي، لتقبل ما تجده متوافقاً مع نظرتها هذه، وتُخرج من دائرة الشعر ما يخرج عليها، أو يختلف ومنطقها.
ليست المعايير النقدية هي ما يُحرك هذا الموقف عند نازك بالدرجة الأساس، وإنما هناك “الذوق” و“التذوق”، إن “الذائقة الشخصية” أكثر من المعايير الفنية، هي ما يحدث مسألة التقبل والقبول عندها، فالذوق والتذوق وحدهما اللذان حددا موقفها الشعري، ومن ثم النقدي، فهي مرحلتها الأولى التي انبنت على التمسك بالجديد ورفض القديم، لتتغاير عكسياً في المرحلة الثانية التي بدت فيها كمن يُعيد الحديث أو يجدده، في المسألة الخلافية الأولى بين القديم والجديد فتنتصر للقديم الذي كانت هي نفسها قد دعت إلى تخطيه وتخطته سواء في موقفها النقدي أو في نصها الشعري، وستذهب إلى ما هو أبعد، معيدة المسائل الخلافية الأولى، وخصوصاً في باب “الموازنة” في ما نشأ من خلاف بين قائلي الشعر بكلام “أشبه بالزمان” على حد تعبير الصولي، ومرتدين إلى “كلام الأوائل” الذي أخذت به في المستويين: الشعري، والنقدي، ولعل الانغمار في “مشكلات الشكل” من قبلها هو ما جعلها تهمل إهمالاً شبه تام موضوع “شعرية القصيدة الجديدة” من حيث صلتها باللحظة الزمانية لكتابتها، وبالأخص ما يتصل من ذلك بالرؤية واللغة.. والسبب في هذا يعود إلى ما يمكن التعبير عنه بـ“السنة الشعرية” التي اتبعتها، منطقاً وتقاليد.. فكانت من قوة التأثير فيها والتأثر بها بحيث غلبت “أعرافها” على كل ما يمكن أن يعد خروجا عليها.
ونجد هذا واضحا في قراءتها للنصوص الجديدة التي أنكرت على الشاعر ما قاله هنا، وخالفته بما ذهب فيه هناك من قول، حتى بدت وكأنها تستعير مواقف التقليديين من القدامى في احتجاجاتهم على جديد عصورهم، كما قال “الآمدي” محتجا على بعض ما قرئ: “لأني ما علمت أحدا من شعراء الجاهلية والإسلام قال كهذا، أو وصف كذا بكذا”. بل سنجد موقفها يقود إلى تماثل أكبر وهي تنعى على من أراد أن “يبتدع” فوقع في ما تراه هي خطأ.. حتى لأكاد أقول إن الكثير من هذا الذي ذهبت فيه لم يكن حرصا منها على التراث وما هو منه، أو مما يمكن أن يجري مجرى “تخريب قواعده” وإنما هي في هذا الذي قالت به قالته محكومة بوضعها الذي انتهت إليه شاعرة، فاحتكمت إلى هذا الوضع بمنطق يعززه، ومن هنا فهي إذ تقرأ نصا جديدا قراءة نقدية نجدها تغلب معيار الحكم الذاتي على القراءة الموضوعية (وإن كانت تعتمد منطقها في كون القصيدة تمثل بناء موضوعيا ذا معنى).. فهي تأخذ بما يروقها، وتعاين النص، في قراءتها له، معاينة ذاتية - شأنها في هذا شأن الرومانسيين - التي هي الوريث الحقيقي لسننهم.
**ختلاف الخطاب ووحدة المرسل**
اتخذت نازك في ما كتبت شعراً وما هو في إطار الشعر “موقف المرسل”، فهناك دائماً خطاب هي صانعته أو واضعة حدوده، وهناك مخاطب تفترض فيه على الدوام موقف المتقبل لما تقول أو تأتي به، وذلك من خلال رؤية افتراصية له بـ“تصدير” ذاتها، بكل ما تحمل إليه من دون أن يكون لها ذلك التمييز المفترض حصوله بين “النص الشعري” مكتوباً من قبلها، والذي يقوم على تجربة شخصية تنحو فيها منحى ذاتيا صرفاً، وبكل ما تعتمد من رؤية، وتخييل ولغة، وأسلوب تعبير، وطريقة بناء.. و“العمل النقدي” الذي هو “نص” يقوم على “قراءة الآخر” بعرضه على العقل (الذي نسميه العقل النقدي)، ومن خلال موقف ثقافي تتداخل فيه النظرية، والثقافة، والخبرة، التي يبحث الناقد من خلالها في “مكونات النص” محدداً توجهاته الموضوعية، وبنيته الفنية، وكاشفا عن قيمته الحقيقية، ومعيناً موقعه من الزمان الثقافي الذي أنتج فيه.. وفي ضوء الراهن وراهنيته الإبداعية.
فإذا ما قلنا هنا تأكيداً: إن الخطاب يقوم على افتراض وجود مخاطب يتوجه إليه، فيتلقاه.. فسنجد نازك تفرض على هذا المخاطب ضمن ما تفرض من “صياغة” له، رؤية وموقفاً، ما تراه وتفكر فيه.. أي أنه “خطاب موجه” و “قاصر” يُصدر عن/ ويلحق بنصها الشعري، من حيث الأساس التكويني له، بما في ذلك الموجهات البنائية المقومة له.. (وهي التي جعلت خطابها الشعري يستجيب لـ“الشكل” الذي حددته نقدياً، وبالصيغة التي تشدد عليها.. ليشمل ذلك “موقفها النقدي” في عملية التلقي للنص الآخر..) حتى ليمكن القول: إن ما يهيمن على تفكيرها، ويستبد برؤيتها الشعرية، ويوجه معاييرها النقدية (التي تسعى فيها إلى أن تجعل المتلقي لها يسلك ما تسلك، ويلتزم بما تلتزم من قيم ومعايير قائمة أساسا على إعادة إنتاج المعايير والقيم السابقة، وإن تضمنت ما من شأنه أن يحد من قدرات الشاعر على اختراق مجاهل التجربة والتمكن من ممكنات الحياة غير المتحققة، متجاوزاً الرؤية السائدة).
فهي في معظم ما كتبت في مرحلتها الثانية، عمدت إلى تكريس ضرب من ضروب المحافظة، معربة عن التزام واضح وصريح بما هو “فكر أخلاقي” وإن كان في ما يخص الشعر والنظرية الشعرية، كاشفة عن / وآخذة بتصور قائم على “التمثل” و“التمثيل” الذي من شأنه أن يكرس التساؤلات القديمة أكثر من قيامه على إثارة تساؤلات جديدة، في محاولة إقناع المتلقي لخطابها بالمشترك الذي يجمع الجديد والقديم في مستوى إبداعي واحد، وأن الجديد إنما يولد من رحم القديم، بما يحاصر التجديد، والجديد، بقيم قبلية مخضعة هذا الجديد لـ“نظام متبع” تحيل إليه، وترفض كل ما لا يتطابق ومعاييره.. وهو ما يعني الرفض لكل جديد مُحدث.. حتى ليمكن القول إن “نظريتها النقدية” في “الشعر الحر” جاءت مفصلة على قدر ما اتسعت له عيناها من فضاء الرؤية لجسد القصيدة، وطاقة سمعها على الاستيعاب الصوتي، وذوقها للقبول، وقد بدت في مرحلتها الثانية وكأنها ترتاب من كل اكتشاف، وتتوجس من السير نحو مجهول بقصد اكتشافه، وتأنس لكل ما يشعرها بالألفة بحكم المعرفة المسبقة أو الإدراك المتيقن.. ولو أخذ الشاعر الحديث بما ترى وإليه تدعو لتعطلت حركة التجديد، بل وتراجعت عما قالت به من قيمها الأولى.
وقد نستقصي ما هو أبعد من التأثيرات التي ستنعكس على موقفها هذا، وتتدخل، وإن من طريق اللا وعي، في صياغته، ونعني: ارتباط الشعر عندها بالمشافهة أكثر من قراءته مكتوباً، فهي تذكر في ما كتبت في “سيرتها” ما كان يدور في إطار العائلة من قراءات سمعية متبادلة، وما يستدعي ذلك من مواقف وردود، ما يعني فاعلية “السمع” وحضور “المسموع” أكثر من فاعلية “العين” وحضور “المقروء” متأملاً.. هذا إلى جانب ممارستها المهنية: التدريس، الذي يستدعي الإلقاء، والتلقي (الصوت، والسماع).. لذلك فإن التعاطي الشفاهي للشعر، والمشافهة في القراءة والاستقبال عندها هما ما جعلاها تركز على الموسيقى في الشعر، وعلى المحافظة على الجانب العروضي الذي سيكون تأكيدها عليه كبيراً في مرحلتها الثانية.
**نازك والنقد المعياري**
إن أحكام نازك النقدية أحكام معيارية تقوم على حدين: التذوق الذي تغيب معه علة التقويم.. والقياس الذي يأخذ الحاضر بالغائب، إي أن استراتيجية القراءة التي تعتمدها تقوم على التأثير من جانب النص، والاستجابة من جانب المتلقي، وهو ما يُحدد “أفق الانتظار” بالنسبة لها (ويمكن ملاحظة هذا على نحو كبير الوضوح في قراءتها شاعرها الأثير علي محمود طه).
فهي تخضع النص الذي تقرأ لمعايير الكتابة الشعرية عندها، لذلك يمكن القول: إن أفق الانتظار عندها “أفق موجه” سلفا، ومحدد بُعدا فنيا ومقصداً موضوعيًا، وهو يتحدد بمحددين: العروض واللغة.
وأما خطابها النقدي فقائم على قراءة اكتسبت موجهاتها من تكوينها الثقافي والشعري الأول، والأساس: التكوين الرومانسي، ومعه التكوين التراثي، وكلاهما ملتزم بـ“عمود الشعر” ولذلك جاءت قراءاتها قراءات معيارية، تعتمد ما يمكن تعيينه، تعريفا بالإحالة إلى نموذج أو نمط معرف يقاس عليه، وتجري الاستجابة لشروطه.
من خلال هذا وبالعودة إلى أطروحتها التجديدية التي أثارتها في مرحلتها الأولى (في مقدمة “شظايا ورماد”) نجد ما تبنته في المرحلة الثانية يمثل تعديلاً كليًا على تلك الأطروحة.
فقد انقلبت على التجديد بتبني التقليد، فضلا عن الإجابة بالموقف السلبي عن أسئلة الحداثة، متجاوزة نصح بعض نقادنا القدامى الذين قالوا إن على قارئ “الشعر المحدث” أن يُنحي ذاكرته في هذه القراءة، لأن الذاكرة لا تُسلم إلا إلى الألفة والعادة، وذلك بفعل ما تحتشد به من أحكام تقويمية تدخلت في تكوينها تجارب سابقة، مختلفة ومغايرة. فإن تدخلت الذاكرة في القراءة وجرى التقويم النقدي في ضوء ذلك فإنها قد تخيب توقع المتلقي، ذلك أن “شعر المحدثين” كما رآه أسلافنا “لا يشبه شعر الأوائل”، ولذلك رأوا أن على قارئه أن “يستن” لا أن “يتشبه”.
ولعل الأكثر سلبًا في اتخاذها مثل هذه الوجهة هو ما تمثل في تحولها إلى ما يمكن تسميته بـ“اللغة المستعارة” مما هو تراثي مستقر في حافظتها (وإن كانت قد بدأت ذلك مع النمط الرومانسي، وبقراءة إبداعية ذاتية). كما جاء في قصيدة لها تُعد من أسوأ ما كتبت وقد وضعتها تحت عنوان “أغنية إلى الأطلال العربية”.
من الجِذْع، من قلب سِقْط اللوى
ووادي الغمار، وبرقة ثَهْمَد
ومن رَبْع نُعم عَفَتْه الرياح
فاقفر من أهله.. وتبدد... إلخ.
نقلا عن مجلة (العربي) العدد 668 - يوليو 2014

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى