جثث نال منها الدود قبل إن توارى الثرى(2) جثث أودعت في ثلاجة الموتى لحفظها فتحولت إلى مواد دسمة للديدان

> استطلاع / فردوس العلمي:

> الإنسان له كرامة وقيمة عظيمة حيا وميتا، جسده ديننا الإسلامي بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “كرامة الميت دفنه”، فالإنسان قيمته الفعلية تنتهي بموته وتبقى قيمته المعنوية والإنسانية كإنسان له احترامه حين يفارق الحياة، ليدفن كما شرع ديننا الإسلامي الحنيف، لذا وجب على الأحياء مواراة جسد الميت التراب، لا أن يبقى ذلك الجسد على لوح حديدي بارد أيام أو أشهر أوربما سنوات مجرد جسد ينتظر في ثلاجة حفظ الموتى مع مجموعة بقايا جثث تبعثرت أشلاؤها في ثلاجة عاطلة، لتبقى من ذلك الإنسان (الجثة) فقط مجرد رائحة كريهه وعفن لا يطاق، ويصبح جسده مرتعا خصبا للديدان، نتيجة عطل أصاب الثلاجة المتهرئة وأصبحت لا تقوم بوظيفتها الحقيقية.
«الأيام» بدورها توجهت إلى مدير وحدة الطب الشرعي بنيابة استئناف محافظة عدن صلاح محمد حسين لمعرفة المزيد عن طبيعة عملهم وكذا الإجراءات المتبعة في عملية استلام وتسليم الجثث وإيداعها ثلاجة الموتى، وفيها أوضح جانبا من مهامه بالقول: “تقوم آلية وطبيعة عملنا على استلام كافة القضايا الجنائية بأنواعها المختلفة كالقتل والاغتصاب وهتك الأعراض والقيام بفحصها لمعرفة النتائج لرفعها إلى النيابة المختصة لاتخاذ اللازم وفقاً للقانون”.
وعن الإجراءات المتبعة في إدخال وإخراج الجثث أوضح حسين أن “عملية الاستلام للجثث كانت تتم في الماضي من قبل مندوبي البحث، ثم ترسل مباشرة بعد ذلك إلى الثلاجة”، ويتابع بالقول: “غير أن محاضر جمع الاستدلالات تتأخر ولا ترفع في الوقت نفسه إلى النيابة، وأحيانا لا ترفع أساسا، لهذا تبقى الجثث متراكمة في الثلاجة فترة طويلة”.
وفيما يخص عطل الثلاجة وما نتج عنها من مشكلات أجاب بالقول: “للأسف عطل الثلاجة ليس بالجديد، إذ أن هذه الثلاجة قد تعرضت للعطل أكثر من مرة، وتم على إثرها التخاطب مع مدير المستشفى ومدير الصحة في عدن لإيجاد حل لهذا العطل وإصلاحه، كما حدث في شهر شعبان الماضي من تعطلها، وتم حينها التواصل مع الجهات الخاصة وإصلاحها، غير أن عملها لم يستمر آنذاك سوى ساعات قليلة، ليعاود الخلل مرة أخرى في الشهر التالي (رمضان المنصرم)، وبدأت الجثث بالتعفن والتحلل الشديدين وأصبحت غير صالحة للكشف عليها.. فلماذا لا يتم وضع معالجات لهذه المشكلة بإصلاح الثلاجات لتبقى الجثث سليمة؟!!”.
وعن مطالبة مدير مستشفى الجمهورية بضرورة توفير مشرحة وثلاجة منفصلة للوفيات الطبيعية قال حسين: “الأمر ذاته يتحدث عنه رئيس النيابة، ولكن من حيث الصالح العام لدينا الآن مشرحة واحدة ويجب أن تكون شغالة لـ 24 ساعة خدمة، حتى يحل هذا الموضوع مع الجهات ذات العلاقة”.
**الثلاجة تتبع المشفى لا النيابة**
صلاح محمد حسين
صلاح محمد حسين
وعن الجهة التي تتبعها هذه الثلاجة أجاب مدير وحدة الطب الشرعي بنيابة استئناف محافظة عدن صلاح محمد حسين: “إن المشرحة والثلاجات الخاصة بحفظ الموتى بمستشفى الجمهورية تعتبران من أقسام المستشفى وتابعتين له مالياً وإدارياً، في حين تقتصر مسؤولية الطب الشرعي على الرقابة والإشراف على عملية إدخال الجثث ذات القضايا الجنائية وكذا إخرجها”.
حسين أوضح أيضاً في سياق حديثه الإشكالات التي تواجه الطب الشرعي كعدم توفر ثلاجة خاصة بالقسم لتفادي تعفن الجثث بالقول: “الطب الشرعي حالياً يتبع النيابة، وهناك قرار صدر بإنشاء وحدة طب شرعي متكاملة منفصلة تتبع وزارة العدل، وحين ينفذ سيكون لكل حدث حديث، ولهذا نتمنى أن ينفذ هذا القرار الذي من شأنه أن يوفر مشرحة وثلاجات تضمن سلامة الجثث المرتبطة بقضايا جنائية وتحفظها من التعفن”.
وأشار حسين إلى أنه في الفترة الماضية “صدر قرار قضى بدفن كل الجثث التي تحللت في ثلاجة المستشفى والتي زادت عن (65) جثة، دفنت على ثلاث دفع مع تصفية الثلاجات من كافة الجثث القديمة، وحينها كنا نأمل أن تصلح الثلاجة في ذلك الوقت”.
**آلية عمل جديدة**
مدير الطب الشرعي حسين أشار في ختام حديثه إلى أنه “تم حالياً وضع آلية عمل جديدة تندرج ضمن المعالجات التي تمت من قبل رئيس النيابة”. ويضيف: “لقد تم الجلوس معنا ومع مدير المستشفى بهذا الخصوص وتم على إثر ذلك وضع آلية عمل خاصة بإدخال وإخراج الجثث، وذلك بأن يقوم مركز الشرطة بإحضارها، وكذا عدم السماح بإدخال الجثة إلا ببلاغ رسمي، الأمر الذي من شأنه أن يمكننا من متابعة النيابة المختصة”.
ويتابع: “هذا البلاغ يوضح فيه رقم البلاغ واسم مودع الجثة ومركز البلاغ والشرطة وموقع الحادث والشخص المعني (المحقق)، بالإضافة إلى كافة أرقام الهواتف للتواصل معهم، وبهذه الإجراءات يتم التصرف بالجثة بشكل سريع وسليم”.
قاهر مصطفى
قاهر مصطفى
رئيس النيابة العامة القاضي قاهر مصطفى علي أوضح لـ«الأيام» دور النيابة في هذا الموضوع بخصوص تعفن الجثامين المودعة في ثلاجة مستشفى الجمهورية بالقول: “عادة يتم إرسال الجثة إلى هيئة مستشفى الجمهورية لعدم وجود طب شرعي يتبع وزارة العدل”.. وأضاف: “هناك تعاون من مكتب النائب العام الذي تكفل بمهامها بشكل مؤقت حتى يتم إصلاح العمل القضائي والذي كان يفترض أن يتبع الطب الشرعي بوزارة العدل وتكون له إمكانيات مستقلة”.
وعن حفظ الجثامين يقول مصطفى: “نقوم بواجبنا في حفظ هذه الجثامين وفق الإجراءات القانونية والمتابعة اليومية، ومع هذا نلاقي اعتراضًا من بعض الجهات في المحافظات الأخرى، حيث مايزالون يعتقدون أن عدن هي المركز الرئيس كعهدها في السابق إبان التشطير، حيث كان يؤتى بالجثث إلى المشفى دون علم النيابة”.
ويضيف: “بعض الأجهزة الأمنية تدخل جثثاً إلى الثلاجة ليس عليها بلاغات وهو ما يخلق صعوبة لدى النيابة في القيام بمهامها واتخاذ الإجراءات بعد البلاغات الرسمية وإحالة محاضرها للنيابة”.
مبنى الإذله الأجنائية
مبنى الإذله الأجنائية
ويضيف: “مع الأسف لا توجد محاضر استدلال للنيابة ولا بلاغات، ولهذا لا يمكن أن تقوم النيابة بإجراءات الدفن كونها قضايا جنائية، أما فيما يخص الجثث التي قضاياها محالة للنيابة فنتخذ إجراءاتها وفق القانون ولا نتأخر بدفنها، إذ تم خلال عامين دفن أكثر من (120) جثة كانت متراكمة من السنوات السابقة، ضف إلى ذلك أنه في رمضان الماضي تعرضت الثلاجة للعطل ولعدم توفر القطعة العاطلة في اليمن سيتم إحضارها من الخارج، ولهذا نحن منتظرون، وذلك لكون الجانب الفني يتبع هيئة مستشفى الجمهورية ولا يتبعنا، فمازالت الثلاجة تحت عهدة إدارة المستشفى وليس النيابة، ولهذا عملنا يقتصر على الجانب الإشرافي من الناحية القانونية”.
وعن دورهم في مسألة إيجاد حلول لهذه المشكلة أوضح مصطفى: “لقد حاولنا أن نسهم من جانبنا ووجهنا مذكرتين للنائب العام ومحافظ عدن بخصوص هذا الموضوع ومازلنا نتابع”.
ويضيف: “حاليا وزارة العدل تسعى إلى ضم وحدة الطب الشرعي إلى وزارة العدل، ولكن الإمكانيات تقف عائقا حيالها”.
وفيما يخص الفترة القانونية لبقاء الجثة في الثلاجة قال رئيس النيابة: “بعض الجثث يعود أمر تأخر دفنها إلى أولياء الدم الذين يرفضون استلامها كنوع من الضغط على الجهات الأخرى لأمر أو لآخر”.
ويشير مصطفى في ختام حديثه إلى أن لائحة مجلس الوزراء تقول إنه لا يتعدى تواجد الجثة (15 يوما) فقط، ولهذا يجب أخذ الجثة بعد تصويرها واستكمال كافة الإجراءات لدفنها إلا أننا نصادف في كثير من الأحيان من يرفض استلام الجثة من قبل الأهالي”.
ويوضح مصطفى أن “أغلب هذه المشاكل تكون من أبناء المناطق المجاورة، كما حدث لنا قبل حوالي شهرين من الآن حيث تم دفن جثث أودعت في الثلاجة عام 2008م من أبناء المناطق المجاورة، وقد تم دفنها بعد متابعات مضنية مع أسرهم، وكانت الحجة في ذلك التأخير وأن القضية لم تنته بعد”.
وعن ما يحدث من تأخر في القضايا وبالتالي تأخر دفن الجثث قال: “القضاء غير ملتزم بفترة محددة، ولهذا فالقانون لم يلزم القضاء ولم يحدد فترة كل قضية، وبالتالي المسألة مفتوحة، ولكن النيابة العامة خلال شهرين أو ثلاثة لابد أن ترسل القضية للمحكمة إلا إذا كانت قضايا صعبة تأخذ فترة ستة أشهر”.
**ختاماً**
لكل ثلاجة مميزات تميزها عن غيرها من مثيلاتها، لذا ما يميز ثلاجة الموتى في هيئة مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن روائحها الكريهة الصادرة مصدرها الجثث المتحللة فيها، فإذا لكم أعزائي القراء عزيزاً غاب عنكم أياما وليالي طويلة تعدت عشر أيام أو أكثر وبحثتم عنه وقالوا لكم في ثلاجة الموتى ولا تعرف موقعها لا تقلقوا فرائحة الموتى ستجذبك.. ولكن نصيحة لوجه الله لا تذهبوا حتى تبقى صورة فقيدكم جميلة في عيونكم، فأصعب شيء في فراق إنسان عزيز النظرة الأخيرة.. فلا تجعلها تكون منظر جثة متورمة ينهش فيها الدود.
إلى هنا وصلت نهاية هذا التحقيق وتركت أمر المشرحة والثلاجة في أيادي الجهات المعنية لإيجاد الحلول اللازمة لها، ولكن لم تتركني روائح منتنة لا تطاق أحسست أنها تلتصق بملابسي، ويعتصرني الألم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى