رجـــــــــــــال في ذاكـــــــــــرة التـــاريـــــــــــخ : بو سراجين: 109 أعوام عطاءات خاتمتها (سلام لك يا لغيل)

> نجيب محمد يابلي

> **الولادة والنشأة**
*غيل باوزير:
ورد في كتاب (مدينة العرفان غيل باوزير) لمؤلفه د. محمد عبدالله بن هاوي باوزير و أ.عبدالله سعيد عبدالله بن دحمان (ص15):
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي

غيل باوزير مدينة صغيرة هادئة تقع وراء الهضبة المرجانية على طول الشاطئ، أي تقع ضمن نطاق الشريط الساحلي لمحافظة حضرموت، وبذلك نجدها تحتل موقعًا قريبًا من الطريق الحيوي الذي يربط مدينتي المكلا والشحر، حيث تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة المكلا، وتبعد عنها بنحو (43 كلم) وعن مدينة الشحر بحوالي (29 كلم) بالإضافة إلى قربها من ميناء حضرموت الجوي (مطار الريان) مما سهل حركة التواصل بينها وبين كافة المدن داخل الجمهورية من ناحية والتواصل الخارجي من ناحية أخرى، وتقع الآن بالقرب من ميناء تصدير النفط (ميناء الضبة) وربما يجعلها ذلك ـ مستقبلاً ـ أكثر حيوية.
الشاعر الموسوعي المخضرم محمد بن أحمد بن هاوي باوزير (بو سراجين) من مواليد غيل باوزير (حضرموت) حوالي عام 1888م من أسرة متوسطة لها مكانتها الاجتماعية، وهي أسرة محبة للعلم والأدب والتصوف، وقد توارث أفرادها التجارة والأسفار بين عدن ولحج والصومال والحبشة لارتباطاتهم الأسرية والعملية والمعيشية بتلك الأصقاع (راجع كتاب بو سراجين محمد بن أحمد بن هاوي باوزير 1888م - 1997م شيخ الموارة) لمؤلفيه د. محمد عبدالله بن هاوي باوزير و أ.عبدالله سعيد عبدالله بن دحمان.
تلقى الراحل الكبير بو سراجين تعليمه الأول في الكتَّاب (المعلامة) وفي العام 1912م رحل مع والده إلى عدن ومنها إلى لحج ثم الحبشة. اضطر بو سراجين إلى مغادرة لحج عند دخول القوات التركية بقيادة القائد العسكري التركي الشهير سعيد باشا إبان الحرب العالمية الأولى ليستقر في مسقط رأسه غيل باوزير.
**بو سراجين يخرج من حرب عالمية إلى حرب عالمية أخرى**
لم تنقطع صلة بو سراجين بلحج لأن لحج مثلت لوالده أحمد بن هاوي موئل سكنه ومصدر رزقه في محل تجاري زاول النشاط فيه حتى وفاته، إلا أن بو سراجين عمل في دكان والده في الحوطة لفترة ثم انتقل إلى عدن وتنقل بين المحجفة وعمران وفقم وخور العميرة لارتباطه بالعمل البحري، وشد الرحال إلى الصومال وجاب معظم مناطقها وزاول التجارة هناك لخمس سنوات.
ارتبط محمد بن أحمد بن هاوي باوزير (بو سراجين) بعدن مكانًا وزمنًا، عملاً ووجدانًا، وعشق عدن لأنه أقام فيها مدة (36) عامًا من عام 1912م وحتى 1948م، حيث عمل حينها في التجارة وحينًا آخر في الخياطة أو البحر أو تجارة التمباك أو العمل العضلي أو عاملاً بحريًا في سنبوك اسمه (المستهل) تابع لرجل الأعمال الفرنسي الشهير (توني بس)، ومن زملائه في العمل الشاعر بن سبيتي.
القمندان و محمد بامطرف و حسين المحضار و عمر الجاوي
القمندان و محمد بامطرف و حسين المحضار و عمر الجاوي

إلا أن قيام الحرب الكونية الثانية (1939م - 1945م) عكرت مزاج الشاعر بو سراجين وأقلقت أمنه فاضطر إلى مغادرتها أثناء اشتعال الحرب.
**وطنية (بو سراجين) في وقت مبكر**
تميز راحلنا الكبير بو سراجين (ابن غيل باوزير وسائر المناطق المجاورة) بالحس الوطني المبكر، ومن ذلك أنه اعتبر شركة “بان أمريكان” متآمرة على حضرموت عندما أعلنت فشل نتائج التنقيب بالتواطؤ مع بريطانيا، وسطر قصيدة *طويلة في سياق مطولاته الشعرية وأنشد يقول:
وين سكان المدن أهل المعاني والفكر
وقلهم خلوا المخالع تختلس فوق الزبر
أين الميازر أين بدو النيل حلان الجبل
أين الذين قتلوا و قالوا من يشاور ما قتل
أين سكان الصحاري لي تحامي عالحدود
خاب الأمل يالحضرمي ماحصلوا شيء في ثمود
أين التميمي والعرب اللي يعتزوا يابو حمود
خاب الأمل يالجفري ماحصلوا شيء في ثمود
أين النميري والشنن والمشجري وبني هلال
والكازمي وبني البريكي هم جهاديم الرجال
أين الذي هو ما يهاب الموت لا الباري استقل
أين الكثيري أين كندة لي يضربون المثل
أين الهبيلي والخليفي حلها يا أهل النكف
يامردع الوادي إذا ما السيل في الوديان ردف
أين الذي قال نحن عوالق من علق
نحن شرارة من جهنم من دخل فينا احترق
**القصيدة طويلة ذكر فيها المناهيل والعوامر وشيبان والدنيمي وباقروان والشنافر وأهل الحيق والعوبثاني والديني والشماسي والعمودي والعكبري والحامدي والجوهي والشفيني والنعيري والمشقاص والثعيلي والعجيلي والعلي والديب والحموم، ومثل ما ذكر العوالق ذكر المهرة ويافع بن مالك وذكر عبدالله السلال، والقصيدة بحاجة إلى قراءة مشتركة من بعض النقاد الحصيفين الذين يجمعون بين السياسة والأدب.
**بو سراجين قومي حتى النخاع**
*ارتقى محمد بن هاوي باوزير (بو سراجين) إلى مستوى المسؤولية وكان شاعرًا ملتزمًا لقضية شعبه على المستويين القطري والقومي المشبع بالنزعة الإسلامية، وفي العام 1948م بل وما قبل ذلك أشعل حماس الشعب العربي وكتب عدة قصائد منها هذه القصيدة:
شرفنا والعروبة يا بني العم
وناموس العرب هو في فلسطين
وكل مسلم بهذا الأمر مهتم
وبايفدي بردحه عافلسطين
وحرف الميم لي آخر وقدم
ولي دس الدسائس عافلسطين
**وفي قصيدة يقول:
شوفوا فلسطين عاتنادي برفع الصوت
وتقول أين العرب لي ماتهاب الموت
بايحولوا الهزلي هو منه المشروب
الأصل والدم واحد واللغة وحدة
نحن عرب كلنا في ساعة الشدة
بالعزم والجزم باتخلي العدو مغلوب
**مشوار وطني وقومي في الكويت**
تحت وطأة ظروف صعبة رحل بو سراجين إلى الكويت في العام 1959م وأقام فيها سبع سنوات نشط خلالها بو سراجين حيث أسهم في جمع كلمة المغتربين وربطهم بقضايا وطنهم ووظف مع قوى خيرة تجمعات أبناء بلده في نشاطات متنوعة سواء من خلال أندية رياضية أو فرق فنية.
وأبدعت قريحة الشاعر “بو سراجين” أثناء إقامته في الكويت، وقال الشيء الكثير والجميل في قضايا وطنية وقومية نشر بعض منها في صحف محلية كالرائد والرأي العام عامة والطليعة خاصة، كما أذيع بعض منها في إذاعة صوت العرب بالقاهرة (متمثلة برمزيها أحمد سعيد ومحمد عروق) أو إذاعة صنعاء.
وفي أجواء العام 1963م ارتبط بو سراجين بحركة القوميين العرب (الجبهة القومية) وكان في طليعة المنخرطين في صفوفها وأسهم في جمع التبرعات والمهرجانات والمنشورات، وكانت غرفته بمحل إقامته مكان للتجمع والعمل السري.
**بو سراجين وسجالات وعطاءات شعرية منها مع القمندان**
أثناء إقامة محمد بن هاوي باوزير (بو سراجين) في لحج جمعته عدة لقاءات بالأمير أحمد فضل القمندان، رائد نهضة لحج الفنية وقائد جيش السلطنة، ومن هنا جاء اللقب (COMMANDANT)، حيث تساجل معه مرارًا واستمرت لقاءاتهما (1930م - 1937م)، واحتفظ بو سراجين بتلك المساجلات.
أبلى بو سراجين بلاء حسنًا في كل شيء ومن ذلك الأغنية الشعبية على نطاق محدود، حيث غنى من إشعاره فنانون أمثال فيصل علوي ومحمد سالم بن شامخ وسعيد عبدالمعين وعبدالله مخرج وعمر غابة، كما أجاد بو سراجين كتابة وتلحين الأصوات الغنائية للشروحات النسائية منذ ما يقارب نصف القرن، حيث غنت له فنانات حضرميات بارزات أمثال عائشة نصير وقمر بامثقال وبازومح وبركة بامقاشم وملوك جرمل وزليخة وغنية سالم وفاطمة باهديلة وزنوبة وفاطمة عوض.
استحق بو سراجين لقب (شيخ المدارة) وهو مؤشر على طول باعه في فنون الشعر، وقد أورد الباحثان د. محمد بن عبدالله بن هاوي باوزير والأستاذ عبدالله سعيد بن دحمان في كتابهما عن (بو سراجين) قائمة بـ (92) أغنية كتبها بو سراجين ومنها:
1 - لاتخيب الظن ظني فيك شفه زين
2 - عاشق وربك بايعين
3 - لا تعادي زمانك بايعاديك الزمان
4 - تشفق بالمحب ياقرة العين
5 - حطنا في عدن والا في الشيخ عثمان
6 - وراك ياصاحبي تلعب بقلبي وراك
7 - كذاب من قال عاشق سلى واستراح
8 - لا نوم نتهنى ولا نهاري نهار
9 - وراك اليوم لاشفتنا رديت وجهك قفاك
10 - الصبر قالوا دواء للعاشق المشتاق
**بو سراجين في سجال مع عمر مدي قبل 80 عامًا**
وفي كتاب (مدينة العرفان غيل باوزير) للكاتبين السالف ذكرهما (باوزير وبن دحمان) وفي الصفحة 282 و 283 ورد سجال عنوانه (جلسة عدن) دارت في عدن بين محمد بن أحمد بن هاوي باوزير والشاعر عمر مدي في العام 1935 ورد في مطلع السجال:
بن هاوي: خرج دا فصل والثاني معزز
معزز في الهوى لما التلابيس
ومالك اللي في الفر منه محير
كتب له باص وكتب له منافيس
مدي: ونا في حلها ما با تصدر
عسى لا قرش يبقى داخل الكيس
**بو سراجين شخصية موسوعية ومرجعية**
كان بو سراجين محور تواصل مع باحثين وأصدقاء من داخل حضرموت وخارجها، وكانت زيارة الباحث أو الصديق للغيل لا تعتبر مكتملة إلا بزيارة الشاعر والكاتب والباحث (بو سراجين) وكان معطاء للمعلومات والبيانات لمن سأل عنها، وأشار البعض في مؤلفاتهم إلى ذلك ومنهم راحلون كبار أمثال: محمد عبدالقادر بامطرف، وأحمد عوض باوزير، وعبدالله الملاحي، وحسن مجلي وجعفر السقاف، وعلي عقيل بن يحيى، وعبدالقادر الصبان، وعمر باني، وعبدالرحمن الملاحي، وحسن صالح شهاب، والجيلاني وحداد وغيرهم.
من الذين ترددوا على بيته أصحاب منتدى الخيصة ومنتدى المحضار وكتاب وباحثون بارزون أمثال: محمد عوض باوزير وأحمد باوزير والشاعر حسين المحضار وحسين باصديق وعمر الجاوي وعدد من الصحافيين أمثال: الثعالبي والكثيري، والقائمة طويلة.
اتسعت دائرة العلم من خلال التجربة مع شاعرية بو سراجين التي اتسعت كثيرًا لتتناول عددًا من المواضيع في كتب منها:
1 - منظومة السفينة والدرك وأنواع السمك واصف المعالم والتضاريس البحرية والاهتداء بالنجوم.
2 - ديوان بالقصائد الشعبية في ثلاثة أجزاء.
3 - المنظومة الشعرية باللهجة الحضرمية عن العادات.
4 - القاموس الشعبي بالألفاظ المحلية في عدة أجزاء.
5 - مجموعة من الدراسات والأبحاث في النقل البري وعادات الري والزراعة وتقسيم الماء بدون ساعة والطب الشعبي.
**بو سراجين يودع محبوبته غيل باوزير**
كتب بو سراجين قصيدة مطولة في 25 سبتمبر 1997م عنوانها (سلام لك يالغيل) وهي قصيدة عصماء، وذكر فيها أهل الغيل وغير أهل الغيل، واستعرض فيها مشوار عمره المديد والمحطات التي مر بها.
بعد عمر مديد دام قرنًا واحدًا وتسع سنوات انتقل محمد بن أحمد بن هاوي باوزير إلى رحمته تعالى في 7 ديسمبر 1997م وخلف وراءه إرثًا كبيرًا وأربعة أولاد الذكور منهم اثنان: عثمان وسعيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى