قيادة الأطفال للسيارات.. ظاهرة سلبية تحصد أرواح الناس في ظل غياب الوعي بمخاطرها

> تحقيق/ وليد الحيمدي

> قيادة الأطفال للسيارت في مدينة عدن باتت في المرحلة الأخيرة تشكل ظاهرة سلبية تهدد حياة الناس.
ظاهرة يتحمل مسؤليتها بدرجة رئيسة أولياء أمور أولئك الأطفال والذين تركوا لأبنائهم زمام هذا الأمر بدافع التشجيع أو لكسب قوت العائلة دون أن يدركوا خطوة ما يقدم عليه أطفالهم الذين لم يصلوا بعد إلى امتلاك القدرات الجسمانية والعقلية والنفسية، والتي من شأنها أن تمكنهم من قيادة وسائل المواصلات تلك بطريقة صحيحة، الأمر الذي يجعلهم في مواجهة مباشرة مع الحوادث المرورية، التي عادة لا تخلو من الوفاة أو الإعاقة المزمنة.
تتنوع الأسباب في قيادة الأطفال لوسائل المواصلات ما بين أمر تشجيعي للطفل وزرع الثقة في نفسه وبين كفالة وإعالة الأسر، وأسباب أخرى كثيرة.
المواطنة سعاد سالم محمد ـ معلمة في إحدى ثانويات المعلا ـ بررت إعطائها وزوجها السيارة لابنهما الذي لا يتجاوز عمره 12 عاما هو بسبب انشغالات زوجها المستمرة في عمله خارج المنزل، وكذا لازدياد احتياجات المنزل والأسرة وذلك لغرض قضاء حاجيات المنزل.. مؤكدة أنه على الرغم من صغر سن ابنها إلا أنه ماهر جداً في القيادة.
وتضيف: “لقد صار رجلاً يعتمد عليه في قضاء متطلبات المنزل دون الحاجة إلى الآخرين”.
**الفقر والبطالة**
الإعلامية رندا عكبور
الإعلامية رندا عكبور
من جهتها عبرت الإعلامية رندا عكبور حول هذه الظاهرة لـ«الأيام» بالقول: “في الحقيقة أنا غير راضية عن قيادة الأطفال للسيارات تحت عمر عشرين عاماً”.
وأعادت عكبور استفحال هذه المشكلة إلى الفقر الذي يعاني منه أبناء المجتمع اليمني وخصوصاً بمدينة عدن “الذي عادة يجبر تلك الأسر على توفير سيارة لابنها حتى وإن كان طفلاً ليعمل على توفير متطلبات واحتياجات الأسرة، بالإضافة إلى أن كثيرا من هذه الأسر ترى أن هذا الأمر يجعل منه رجلاً وغيرها من المفاهيم والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى ترك أولئك الأطفال لمدارسهم، وهو ما ينتج عنه خلل في المجتمع وزيادة شريحة الأطفال الأميين”.
وتضيف: “ولقيادة الأطفال لوسائل المواصلات سواء أكانت الخصوصية أو الأجرة وغيرها عواقب سلبية تؤدي في أحايين كثيرة إلى وقوع الحوادث المرورية وما ينتج عنها من الوفيات والإعاقات وغيرها من الأضرار”.
**ظاهرة عامة**

الباحثة في عالم الاجتماع سهى سمير علي يحيى علقت عن هذه الظاهرة بالقول: “لقد أضحت قيادة الأطفال للسيارات في المجتمع العدني تشكل ظاهرة عامة رغم محاولات المرور اليائسة للقضاء عليها”.
وأعادت سهى انتشار هذه الظاهرة إلى غياب الوعي لدى الكثير من الأسر عن خطورة هذه المشكلة على أولادهم وكذا عدم التزام السائقين بالقوانين المرورية الأمر الذي أدى إلى انتشار هذه الظاهرة.
وأكدت سهى أن “المزج بين معنى قيادة السيارة وحسن التصرف والسلوك في القيادة هو أحد أسباب هذه الظاهرة، حيث إن الأهل يعتبرون قدرة ابنهم على القيادة دليلا كافياً لمنحه سيارة في حين ينسون أن القيادة فن ومهارة، فمن السهل أن يقود الولد السيارة، ولكن هل نضمن له الطريق فمن الصعب على الصغار إدراك خطورة الطريق ومن المستحيل أن يحسنوا التصرف عند تعرضهم لحادث أو تجاوز وما إلى ذلك من الأمور المرتبطة ارتباطا وثيقا بالقيادة”.
وتشير سهى إلى أن “إعطاء الابن صلاحيات ليس مؤهلا لها له آثاره السلبية عليه، حيث يشعر بالاستقلالية المبكرة، ويفقد حاجته لوالديه فيبيح لنفسه كثيراً من التصرفات والسلوكيات الخاطئة كما أنهما يفقدان السيطرة عليه وعلى سلوكياته، مما يدفعه إلى إهمال دراسته وتدهور مستواه التعليمي بعد أن تصبح الدراسة التي لا يجد لها وقتا آخر من اهتماماته”.
**اضطراب نفسي**

الباحثة سهى سمير أوضحت بعضاً من الأضرارالنفسية على الطفل في هذا المجال بالقول: “إن قيادة الطفل في هذه المرحلة من عمره لها أسباب كثيرة منها اضطراب شخصيته التي تكون في طور التكوين ونموه النفسي والاجتماعي، وتحرمه القيادة من أن يأخذ وقته الكافي بمرحلة الطفولة والمراهقة التي ينبغي أن يعيشها بكاملها حتى لا يحدث خلل ولا يتعرض لاضطراب فيما بعد”.. وتوضح: “إننا عندما نتجاهل خطورة قيادة أبنائنا الصغار للسيارة على أرواح الناس نعلم أبناءنا الأنانية والسلبية وعدم الإحساس بالغير أو تقدير العواقب”.
كما أكدت في سياق حديثها عن سلبيات هذه الظاهرة بالقول: “إن هذه الظاهرة تمثل جريمة في حق أبنائنا الذين قد تزهق أرواحهم في لحظة جراء تهورنا في سياستنا التربوية لهم، كما أنها جريمة بحق الناس الذين لا ذنب لهم في انحراف فكرنا التربوي”.
**مسلسل الحوادث مستمر**
رائد محمود
رائد محمود
التربوي رائد محمود عبدالله حميد اقترح في سبيل حل هذه الظاهرة وضع عدد من القوانين المرورية الصارمة، وكذا فرض غرامة مالية رادعة على الآباء الذين يمنحون أبناءهم الصغار سيارات يلهون بها على الطرقات دون وعي.
وطالب حميد في سياق حديثه لـ«الأيام» رجال المرور في عدن بضرورة تسليط الضوء على هذه الظاهرة، ومحاربتها بقوة لاجتثاثها من جذورها وذلك للحدّ من مسلسل الحوادث المرورية الذي لا يتوقف.
ويضيف: “هناك مصادر من مرور عدن تشير إلى أن نسبة الحوادث للسيارات التي يقودها من لم يبلغوا السن القانونية للقيادة تتراوح ما بين خمسة إلى عشر حوادث يومياً في المحافظة فقط”.
وأعاد حميد انتشار هذه الظاهرة إلى أسباب عدة أبرزها الدلال المفرط الذي يتعامل به بعض الآباء مع أبنائهم وكذا التساهل في الأمر من قبل الآباء وغيرها من الأسباب التي تكون نتائجها سلبية جداً.
**احتياجات وحوادث**
أم ماهر اليافعي تقول “إني اضطررت للسماح لابني قيادة السيارة نتيجة لمرض زوجي الذي أضحى غير قادر على الحركة لقضاء حاجيات المنزل”.
وتضيف: “السماح لولدي بقيادة السيارة خطأ، ولكنني حريصة على توعيته باستمرار بتجنب السرعة وكذا عدم استخدام السيارة إلا في قضاء حاجيات المنزل”.
**أسرتي من شجعتني**
عماد تنوير
عماد تنوير
الشاب عماد تنوير جعفر (16عاما) تحدث عن وجهة نظره حول السماح للأطفال بقيادة السيارات بالقول: “ليس هناك مانع من قيادة السيارات في حال توفرت لدى الشاب المهارات المطلوبة، كالجسم وغيره ولهذا فقد ساعدني جسمي في قيادة السيارة حيث بدأت القيادة وأنا في الصف الخامس الابتدائي بعلم أسرتي وذلك لتوصيل إخوتي إلى المدرسة، وعندما كان رجال المرور يعترضونني أعطيهم مائة ريال حينها يسمحون لي بالسير”.
**تغاضي الأهل**
من ناحيتها أكدت الاختصاصية الاجتماعية أميرة حسين الحيمدي لـ«الأيام» بأن ظاهرة قيادة الأطفال للسيارات التي باتت منتشرة في المجتمع ناتجة عن تعقيدات الحياة، ومتطلبات العصر التي عادة تؤثرعلى رب الأسرة وتجعله يشعر بالضغط المستمر فيضطر حينها إلى السماح لابنه بقيادة السيارة لقضاء احتياجات الأسرة للتخفيف من الأعباء المالية والحياتية التي أثقلت كاهله.
وتشير أميرة إلى أن أحد الأسباب المشجعة على انتشار هذه الظاهرة هي الأسرة حيث تقوم بعض الأسر في أحايين كثيرة بالتغاضي عن أبنائها في قيادة السيارة وهو ما قد يعرضهم إلى الحوادث المرورية لا سمح الله.
**تجاوز للقوانين**
محمد أحمد البَاجلي
محمد أحمد البَاجلي
من جهته أوضح محمد أحمد البَاجلي مسؤول في إدارة المرور بكريتر عدن أن قوانين المرور لا تسمح لمن هم دون سن الـ 18 بالقيادة حفاظاً على حياتهم وحياة الناس، وإن كانت هناك رخص مؤقتة لمن هم دون ذلك بعام أو عامين تبعا لظرف من يحتاج إلى ذلك بشرط اجتيازه اختبارا في القيادة وتمسكه بقوانين المرور، ومن يخالف ماطرح يتعرض للمساءلة القانونية، أما بخصوص مالكي سيارات الأجرة فقد سجلت إحصائيات الحوادث المرورية ارتفاع نسبة الضحايا من الشباب وخصوصاً صغار السن في كل المدن والمحافظات اليمنية.
وأعاد الباجلي انتشار هذه الظاهرة إلى أسباب عدة أبرزها عدم اهتمام الأسر الغنية التي عادة تقوم بتوفير سيارات لأبنائها كنوع من التشجيع أو الدلال وغيرها، بالإضافة إلى فقر بعض الأسر والتي تضطر إلى السماح لأبنائها بقيادة السيارات كوسيلة لتوفير لقمة العيش، وأسباب أخرى كثيرة.
**المراهقة سبب رئيس**
محمود رشاد
محمود رشاد
بدوره رأى المواطن محمود رشاد بن عطية أن مرحلة المراهقة التي يمر بها الطفل لها دور كبير في انتشار هذه الظاهرة، حيث يشرع فيها المراهقون في هذه المرحلة بالبلوغ والثقة المفرطة بالنفس، الأمر الذي يدفعهم عادة إلى الخروج عن المألوف بدوافع مرتبطة فسيولوجيا (عقلية) ونفسيا بهذا العمر.. ومع الأسف هذه الظاهرة تلقى تشجيعاً من الأسر”.
واقترح ابن عطية ضرورة تفعيل دور المرور السري ورصد السيارات التي يقودها الأطفال في وجود العائلات ومن ثم الوصول إلى صاحب السيارة وأولياء الأمر والقيام بمحاسبتهم بالإضافة إلى ضرورة نشر التوعية في هذا المجال وإبراز مخاطرها.
**تشجيع الأهل**
 منذر نعمان
منذر نعمان
بدوره أكد منذر نعمان على أهمية القيام بالتوعية للأطفال في المدارس وغيرها من الأماكن بمخاطر هذه الظاهرة على حياتهم وحياة الآخرين.. وحمل نعمان المسؤولية الرئيسة في هذا الجانب الوالدين اللذين يقومان في كثير من الأحيان بتشجيع أطفالهما والسماح لهم بالقيادة كنوع من التشجيع وغيره، وكذا الفقر وأسباب أخرى كثيرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى