هند والحجاج

> محمد حسين الدَبَاء

> إنها هند.. امرأة غلب كيدها كيد الحجاج بن يوسف الثقفي وجاوزته دهاءً وسرعة وذكاءً وبديهة.. إليكم أحداث هذه القصة العجيبة:
أراد الحجاج أن يتزوج من هند رغمًا عنها وعن أبيها.. وتحقق للحجاج ما أراد، فتزوجها.. وذات يوم بعد مرور سنة جلست هند أمام المرآة تندب حظها، وهي تقول:
وما هندٌ إلا مهرةٌ عربية ٌ
سليلةُ أفراسٍ تحلّلها بغلُ
فإنْ ولدتْ فحلا ًفللَّهِ درّها
وإن ولدتْ بغلا ً فجاء به البغلُ
وقيل إنها قالت:
لله دري مهرة عربية
عُمِيت بليل إذ تَفخذها بغلُ
فإن ولدت مهرًا فلله درها
وإن ولدت بغلاً فقد جاد به البغل ُ
فسمعها الحجاج فغضب غضبًا شديدًا فذهب إلى خادمه، وقال له: “اذهب إليها وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط لو زدت ثالثة قطعت عنك لسانك، وأعطها هذه العشرين ألف دينار”.

فذهب إليها الخادم وكان فصيحًا، فقال: “كنتِ، فبنتِ” - (كنتِ) يعني كنتِ زوجته، (فبنتِ) يعني أصبحتِ طليقته - ولكنها كانت أفصح من الخادم فقالت: “كنا فما فرحنا، فبنا فما حزنا، وهذه العشرون ألف دينار لك بالبشرى التي جئت بها”.
وقيل إنها بعد طلاقها من الحجاج لم يجرؤ أحد على خطبتها، وهي لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج.. فأغرت بعض الشعراء بالمال فامتدحوها، وامتدحوا جمالها عند عبدالملك بن مروان.. فأعجب بها وطلب الزواج منها.
وأرسل إلى عامله على الحجاز ليَخبرها ويصفها له.. فأرسل له يقول: إنها لا عيب فيها.. فلما خطبها وافقت وبعثت إليه برسالة تقول: “أوافق شرط أن يسوق الجمل من مكاني هذا إليك في بغداد الحجاج نفسه”، فوافق الخليفة.
فبينما الحجاج يسوق الراحلة إذا بها توقع من يدها دينارا، فقالت للحجاج: “يا غلام لقد وقع مني درهم فخذه”، فقال الحجاج: “إنه دينار يا سيدتي”.. فنظرت إليه، وقالت: “الحمد لله الذي أبدلني بدل الدرهم دينارًا”، ففهمها الحجاج وأسرها في نفسه.
ويقال إنه عند وصولهم تأخر الحجاج في الإسطبل، بينما الناس يتجهزون للأكل، فإذا بالحجاج لم يكن حاضرًا، فأرسل إليه الخليفة ليطلب حضوره للأكل فرد عليه نحن قوم لا نأكل فضلات بعضنا.. وقيل إنه قال ربتني أمي على ألا آكل فضلات الرجال!!.
ففهم الخليفة وأمر أن تدخل زوجته الجديدة هند في أحد القصور، ولم يقربها إلا أنه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر.. فعلمت هي بسبب عدم دخوله عليها، فاحتالت لذلك، وأمرت الجواري أن يخبرنها بقدومه لأنها أرسلت إليه أنها بحاجة له في أمر ما، فتعمدت قطع عقد اللؤلؤ عند دخوله، ورفعت ثوبها لتجمع فيه اللآليء... فلما رآها عبد الملك أثارته روعتها وحسنها، فقهر لعدم دخوله بها لكلمة قالها الحجاج.
فقالت وهي تنظم حبات اللؤلؤ: “سبحان الله !”.
فقال عبدالملك مستفهمًا: “لم تقولين سبحان الله !”.
فقالت: “إن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك”.
قال: “نعم”.
قالت: “ولكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر”.
فقال: متهللاً: “نعم.. والله صدقتِ، فقبح الله مَن لا مني فيكِ”.. ودخل بها من يومه ذاك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى