الشيطان في الأدب العربي والعالمي

> لؤي سالم البدري

> ظل موضوع الشيطان - كما هو معروف، وكما ورد في أدب الحضارات القديمة ونصوص الكتب المقدسة - مصدرًا مهمًا ومعينًا لا ينضب لإبداع وإلهام وخيال العديد من الشعراء والفلاسفة والفنانين والمفكرين والأدباء وكتاب المسرح لا في الأدب العربي (قديمه وحديثه) فحسب، وإنما في الموروث الشعبي والتراث الأدبي الإنساني على مر العصور.
وظل الخيال الإنساني يموج بالعديد من الأسئلة حوله: “من يكون؟! .. وكيف كان شكله بالضبط؟! .. وما الذي أشعل نار التمرد في نفسه الشَموس (المتمردة)؟!”، وظلت الأسئلة والطلاسم تحيط بطبيعته و(كفاحه) في الإغواء.
وقد ورد اسم آخر للشيطان في كتب التراث العربي: هو (الِشق)، وهو - كما ورد في بعض الأساطير - كائن خرافي نصفه إنسان.
وسيتناول هذا الموضوع العديد من عظام الشعراء والمبدعين، وقد أعطى كل واحد منهم للشيطان أبعادًا ومعاني متعددة وفقًا لمفاهيمهم وتصوراتهم، من هؤلاء - على سبيل المثال لا الحصر - ابن الجوزي في كتابه القيم (تلبيس إبليس)، وتناول فيه - من مفهومه - المآخذ و(الشطحات) التي وردت في كتابات وآراء وأقوال فرق وطوائف وجماعات دينية وفلسفية مختلفة، بحيث لم يستثن - في رأي العقاد - الحكماء والصوفية والفلاسفة والنساك، ومن أهم الكتب التي ذكرت وصورت الشيطان كتاب (التوابع والزوابع) لابن الشهيد الأندلسي، و(رسالة الغفران) للمعري، وكتاب (ألف ليلة وليلة) الخالد.
أما على صعيد الأدب العربي المعاصر نذكر: قصيدة العقاد (ترجمة شيطان) وكتابه الممتع (إبليس)، ونجيب محفوظ في رواية (ليالي ألف ليلة وليلة) ومسرحية (الشيطان يعظ) عام 1979 والتي نشرت ضمن مجموعة قصصية له بهذا العنوان، وهذه المسرحية مستوحاة من قصة (مدينة النحاس) في كتاب (ألف ليلة وليلة)، وتتحدث المسرحية عن توظيف أحد الخلفاء لعفاريت الجن لخدمة أغراضه السياسية.
وفي هذه المسرحية يقول (موسى بن نصير) للعفريت في القمقم: “إنك قوة لو استغلت للخير لجعلت دنيانا جنة”.. ويرد عليه العفريت قائلاً: “ما تسلط علي فرد إلا جعل مني نعمة له ولمن يحب، ونقمة على الملايين، صدقوني ما أحدث عفريت منَّا شرًا إلا تنفيذًا لمشيئة إنسان”.
وهذا الذي قاله محفوظ على لسان العفريت (الشيطان) يشبه رأي جميل صدقي الزهاوي في هذا الشأن، وخلاصته إن الشيطان هو الإنسان الذي يخدع غيره لغاية من غاياته؛ إذ يقول:
لا يخدع المرء أنسانًا لغايته إلا
إذا كان ذاك المرء شيطانا
ونذكر أيضًا مسرحية الدكتور مصطفى محمود (الشيطان في بيتنا) عام 1972.
أما في مجال الآداب الأجنبية فلا يمكن للمرء تجاوز الشاعر الألماني العظيم (جوثيه) (1749 - 1832) في ملحمته الشعرية الخالدة (فاوست)، وبودلير في ديوان (أزهار الشر)، وبرناردشو في مسرحية (تلميذ الشيطان)، والأمريكي (آرثر ميللر) في مسرحية (البودقة)، وملتون في ملحمة (الفردوس المفقود) و(دانتي) الإيطالي في ملحمة (الكوميديا الإلهية) والقصصي المجري البارع (كارجيال) المتوفى سنة 1911 في قصته القصيرة (الاختراع الأعظم) ويقصد - بالعنوان - اختراع المطبعة والمخاوف والهواجس التي انتابت الكثيرين الذين رأوا فيها سلاحًا ذا حدين، وكان (الشيطان) هو الاسم الذي تلقفه بعض المتعصبين في قدحهم لهذا الاختراع آنذاك.
كذلك تناولت السينما والتلفزيون الموضوع ذاته - ولحقتها السينما المصرية - بعد ذلك بأسلوب أقرب إلى الإثارة والتهويل منه إلى الإنارة والتحليل لسبب بسيط هو إن هذه الأجهزة تخاطب أهواء وغرائز المتفرجين العاديين في الغالب وليس من همها إرضاء النخبة والصفوة.
نذكر هنا فيلم (موعد مع إبليس) سنة 1954 بطولة العملاقين: محمود المليجي وزكي رستم والمسلسل الأجنبي الشهير (الحسناء والوحش)، كما أعاد الكاتب المسرحي المصري الكبير الراحل (محمود دياب) صياغة رواية (الأب غوريو) للكاتب الفرنسي (بلزاك) سينمائيًا في فيلم (إبليس في المدينة) سنة 1977.
وفي مجال الفكر السياسي، كان للشيطان نصيب وافر، وفي كتاب (الأمير) للإيطالي (مكيافيللي) 1467 - 1527 نقرأ - تلميحًا لا تصريحًا - عن (الشر الشرعي) إذا صح التعبير في عبارته الشهيرة البليغة “ليس للأنبياء العزل مكان في غاية السياسة”، وفي هذا المعنى قال (ونستون تشرشل) عند تحالفه مع (ستالين) أثناء الحرب العالمية الثانية “في سبيل مصلحة بلادي أتحالف مع الشيطان”.
ومما صدر عن المكتبات الأجنبية من كتب سياسية حول هذا الشأن كتاب (لعبة الشيطان) سنة 2005 تأليف (روبرت درايفوس)، وقد أضاف (درايفوس) في كتابه هذا معاني أخرى للشيطان، فقد أضاف: “شيطان كبرياء الكبار من القوى العظمى أو ما يسمى بالتعبير الإنجليزي (غطرسة القوة)”.
وشيطان التعصب الديني، وشيطان الاستعمار والاستبداد والاستعباد، ومثال ذلك توظيف الولايات المتحدة والقوى الغربية للدين عامة، والإسلام خاصة ضد الاتحاد السوفيتي في حقب الحرب الباردة كواجهة مضيئة لامعة لإخفاء بضاعة رديئة خادعة.
وضمن هذا السياق (شيطان التعصب الديني)، وفي تعليق عقلاني على هذه النقطة وإشكالية احتماء كثير من الحركات والفرق والأحزاب بلافتة واسم (الله) واحتكارها لهذه اللافتة في مقالة له، يقول المفكر فهمي هويدي: “تشكل هذه اللافتة واحدة من أكثر الصياغات خطورة في العمل السياسي الإسلامي قديمه وحديثه، لأن احتماء أي فريق بها، يصنف الآخر الإسلامي، الواقف في الساحة نفسها، بحسبانه مغايرًا أو نقيضًا، ممن ينطبق عليهم (حزب الشيطان)”.
وهو التوظيف ذاته للدين من قبل محاكم التفتيش في العصور الوسطى الأوروبية - كواجهة مضيئة لامعة لإخفاء بضاعة رديئة خادعة - ضد العلماء والأحرار المفكرين بإغراق الجماهير في غيبوبة وغياهب غيبيات لا أول لها ولا آخر.
وأخيرًا ليس من هاجسنا - هنا - أن نستقصي بإسهاب كافة التطورات والمفاهيم المختلفة التي تناول بها المبدعون هذا الموضوع، فهذا - بحد ذاته - بحث شيق وشاق في آن واحد، وهذا الموضوع - في تشعبه وسعته - أقرب إلى الأدب المقارن ضمن الدراسات الأكاديمية منه إلى المقالة الواحدة.
* بتصرف من محرر الصفحة الأدبية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى