بعد رحيل فيصل علوي.. (4-2) هل غدا الخطر يحدق بمصير الأغنية اللحجية.. إلى أي مدى؟

> د. علي سالمين

> **رواد الأغنية اللحجية**
الرّيادة لغةً: (ريادة، رائد، من الفعل “راد”: الأول أو من في المقدمة ).. و في الأدب اصطلاح له بُعد تاريخي وفني. مثال: (السبق التاريخي أو الفني، أو التنوع والإكثار والتميز والتجديد الفني، الأول تاريخاً أو فناً).. “الريادة” درجة تمنح لأديب أو فنان لأغراض تمييزه أو تكريمه لسبقه التاريخي أو الفني وغيرهما.
و “رائد” صفة تطلق على الأديب أو الفنان لإسهامه في جانب من هذه الجوانب.
للأغنية اللحجية روادها من أصحاب السبق أو التنوع أو الإكثار أو التميز أوالتجديد، تاريخاً و فناً.. وهم كُثر، لاشك، شعراء، مغنون، ملحنون، موسيقيون، وغيرهم .. على أن أهل لحج - بالإجماع مؤرخين وكتَّابا ونقادا ومجتمعا - يرون الريادة في أميرها فضل القمندان، فهو رائد السباق، المؤسس، المنوّع، المجدّد، المبدع والبداية.. فبداية الأغنية اللحجية المعاصرة من عنده، وإليه يرجعون التجديد في شكلها: كلماتها، إيقاعها، لحنها، وفي صورها واستعاراتها، (حين جعل الفل، الكاذي، العمبا، المشمش، العنبروت، من استعاراته و تشبيهاته صورة جمالية لجمال وحلاوة الحبيبة اللحجية، وليقدم من خلالها، في المقابل، صورة جمالية عن لحج الخضراء بلد الزهور والفاكهة).. وفي إسهامه في نشرها في لحج.. صاحب الفضل الأول في التنوّع والارتقاء والتغيير والنشر، والأهم أنه كان مقنعاً بإسهاماته.
الأسماء الريادية في الأغنية اللحجية كثيرة وكبيرة، كلمة، لحنا غناء، شاعرا، ملحنا، مغنيا، منهم عاصر القمندان في حياته، ولاحقون بعد القمندان، وأخرى ظهرت واستمرت، يعرفهم أهل لحج، ويسجل لهم مؤرخو لحج ونقادها كلماتهم أو ألحانهم أو أغانيهم، تغنى بها مغنون من لحج، ومغنون غير لحوج من خارجها، جيلا بعد جيل.
ولكن في الريادة و الرواد يظل فيصل علوي باعتراف وإجماع الاسم الذي يطغى على كل الأسماء في الأغنية اللحجية في لحج، من السابقين واللاحقين وما بينهما، شعراء وملحنين ومغنيين.
**فيصل علوي (1949م لحج - 7 فبراير 2010م عدن)**
إذا ذكرت الأغنية اللحجية ذكر فيصل علوي، وإذا ذكر فيصل علوي ذكرت الأغنية اللحجية.. لا يمكن الفصل بين الاثنين.. وجهان لحجيان جميلان في صك فني لحجي، الأول: فيصل علوي، والثاني: الأغنية اللحجية.. أو العكس!.
نجح الرجل في نشر الأغنية اللحجية ذلك النجاح المشهود، ما لم يستطع السابقون الأوائل، ومن أترابه شعراء، ملحنين، مغنين.. لقد اجتهد الرجل منذ بدأ الغناء على تميزه وفي تمييز الأغنية اللحجية من خلاله.. شكّل لنفسه نهجاً فنياً، لم يسبقه إليه أحد أو من يأتي من بعده يأتي بأفضل منه، وإن حاول أحدهم، غالباً، مقلداً لفيصل وليس مجدداً، و هو ما حدث و ما يحدث إلى اليوم.. ما أكثر مقلدي فيصل علوي!.
فيصل علوي جعل لنفسه أسلوبه - الفيصلي العلوي - في أداء الأغنية اللحجية: غناء لحنا وعزفا، حتى الأغاني القمندانية التي تغنى بها مغنون سابقون ولاحقون قدمها فيصل بأسلوب لو أن صاحبها (القمندان) شهده أو سمعه، لأشار قائلاً: “هذا ما كنت أقصده وأريده لأغنيتي وللأغنية اللحجية”.. لا يكمن سر تميز فيصل علوي في العود، و لكن الرجل أدرك سحر جمال تراثه الغنائي اللحجي وجماله، فسخّر العود لإبراز ذلك الجمال.

أسماه محمد مرشد ناجي زرياب العصر، لإسهام فيصل في إضافة وتر إلى أوتار العود التقليدية المعروفة، و يعمل بها منذ عصر زرياب، وعليها يقام السلم الموسيقي ونغماته القديمة.. بهذا الوتر أضاف فيصل جديداً وبعداً إلى السلم الموسيقي وإلى النغمة، لم يسبقه أحد، (وإن لم يكترث إلى اختراعه وإبداعه، إلى اليوم، لم يمنح براءة اختراع).
تمكن فيصل علوي من تذوق الأغنية اللحجية بشكل صحيح، فقدمها كما يجب أن تقدّم وتستحق، فزاد الإعجاب وزاد المعجبون بها وشرعت تنتشر إلى أبعد من لحج.. واهتم له الإعلام المحلي، وصار يطلب على مستوى الإعلام المحلي، تلفزيون وإذاعة عدن.. وصار يشكل طلبا في الأعراس والمهرجانات الرسمية، تجاوز لحج وعدن إلى بقية مدن ومحافظات الجنوب سابقاً.. صار فيصل معروفا و مرغوبا ومحبوبا في حضرموت وشبوة وأبين والمهرة حتى سقطرة.
صارت أشرطته الغنائية (التي تضم مجموعات أغانيه ونتاجه الغنائي اللحجي) يروّج لها وتسوّقها (محلات بيع وتسجيل الأشرطة الغنائية) في عدن وحضرموت والمدن الأخرى.. صارت أغانيه المسجلة في أشرطة تصل الريف الذي لم تصله الكهرباء في المسجلات التي تعمل بالبطارية العادية، وفي مسجلات السيارات تسمع صوت فيصل حاضراً.. كان هذا فوزاً للرجل في حقل الغناء، كان فوزاً له مغنيا متفرّدا، وكان فوزاً لاسمه اللحجي.
وفي المقابل كان فوزاً للأغنية اللحجية، التي لم تبلغ ذلك البعد من الانتشار والحضور قبل ذاك لولا فيصل.. إسهام فيصل علوي في نشر الأغنية اللحجية لم يبلغه أحد منذ القمندان ومعاصريه واللاحقين، ومعاصري فيصل نفسه.
كثير من المغنيين اللحوج الذين سبقوا فيصل أو عاصروه تراجعت شهرتهم، وتراجعوا عن الاستمرار في الغناء، وآخرون نالهم الإرباك والفتور بفعل عجز عن منافسة فيصل، فانغلق على نفسه، تاركاً الزمان والمكان ووو.. والأغنية اللحجية لفيصل علوي.. معترفاً بفيصل علوي خير من يغني وخير من يمثل الأغنية اللحجية على الإطلاق.. لم يكن القمندان من منح الأغنية اللحجية ذلك الفوز وذلك الاعتراف، على الصعيد المحلي، أبعد من لحج، أو على الصعيد العربي.
لاشك، عظيمة هي إسهامات الأمير القمندان، ولكن إسهامات فيصل كانت استحقت فخر وشكر وثناء وتصفيق الأمير القمندان لو أن الأمير عاش ليشهد فيصل.. ربما حقق فيصل بإسهاماته ما كان يأمله الأمير القمندان للأغنية اللحجية من ذياع وانتشار وتعدد جماهيرها.. ربما تجاوزت إسهامات فيصل أو تجاوز فيصل بإسهاماته حد توقعات وآمال الأمير، وربما هذا ما فعل فيصل!.. ولو كانت هناك عملية استفتاء محدودة أو مفتوحة تقيس رواد الأغنية اللحجية جماهيرياً، لفاز فيصل، جماهيرياً، باكتساح واستحقاق منصف، ولن يكون هناك ظلم في حق من في الاستفتاء ينافس فيصل جماهيرياً.
ليس في ما ذكر أعلى إنكار لإسهامات تلك الأسماء اللحجية في الأغنية اللحجية من شاعر وملحن ومغني وغيرهم.. التاريخ - من خلال المؤرخين والنقاد والكتاب وكذلك الجمهور - بالتأكيد سيمنح كلٍ إسهامه بإنصاف وعدل.
ولكن يظل من العدل والإنصاف تمييز فيصل، فهو من ميّز الأغنية اللحجية، وهو من نشرها إلى أبعد من لحجها، وهو من نوّع جمهورها، وهو من جعل فنان الكويت الأول في السابقين عوض الدوخي يتغنى بأغاني لحجية، وهو من جعل فنان الكويت الأول في اللاحقين الشاب عبدالله الرويشد يردد من أغاني فيصل، تلك الأغنية اللحجية: “يعيبوا على الناس والعيب فيهم”.
* أستاذ مشارك دكتور - كلية التربية عدن - جامعة عدن*
**د. علي سالمين**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى