بعد غياب فيصل علوي .. (3 - 4) هل غدا الخطر يحدق بمصير الأغنية اللحجية.. إلى أي مدى؟

> د. علي سالمين

> غنى فيصل لشعراء غير لحوج، بألحان هو واضعها.. لكن عند تلحينها، غالباً ما يحرص على منحها هوية وإيقاعاً لحجياً.. غنى فيصل أغاني غير لحجية، أغاني لشعراء كبار غير لحوج في مقام القمندان، أغاني ليست قديمة لها لحنها، تكاد تدخل في تراث بيئات محلية.. أغاني قوية جميلة، لكن على قوتها وجمالها - كلمة ولحنا - تكاد تكون غير معروفة غير ذائعة، مجهولة مثل كنز ثمين دفين، لعدم توفر أسباب ذيعها وانتشارها.. كما من حضرموت، وكذا حين تغنى فيصل لشاعر الصومال والمهجر الأستاذ الشاعر والملحن المرحوم خميس الكندي، أغنية: “قال كندي رعى الله ليالي في حمروين* متسلسل .. لا ذكرتها سر حالي ...”، الأغنية من ألحان الكندي أيضاً (جميع أغاني الكندي من ألحانه).. فهو شاعر وملحن، أسهم في أول نشيد وطني لجمهورية الصومال بعد الاستقلال، لحنا وكلمات.. فحين غناها فيصل علوي، منحها ذلك الانتشار الذي تستحق، وذاع صيتها واستقبلها جمهور لحج بتذوق وإعجاب وتقدير.. تعد من أغاني فيصل الشهيرة ومشهورة عند اللحوج.. والأمثلة عديدة.
اليوم يتعذّر يوم بغير أغنية لفيصل علوي.. يتعذّر خميس بغير أغنية لفيصل علوي.. وكذلك على الإذاعة والتلفزيون المحلي بقنواته والعرس.. لأن الأغنية اللحجية تعني فيصل علوي، أو لأن فيصل علوي هو الأغنية اللحجية.
فالعرس، الخميس، المخدرة، المقيل، الرحلة والسفر براً، والإذاعة والتلفزيون، جميعها وغيرها تعني فيصل علوي.
فيصل علوي ضرورة يتعذر غيابه أو الامتناع عنه.. فيصل علوي ملح كل طرب محلي.. مدرسة يحرص على ارتيادها كل فنان مغنٍ صاعد، ينشد الحضور في عالم الغناء.. معلم يتوجب التتلمذ على نتاجه، على حضور فصوله عند البدء في الغناء وقبله.. روضة حسينية لابد من زيارتها، والتلذذ بألوانها.. إنه فيصل علوي.. إنه الأغنية اللحجية.. إنه فيصل علوي بلا منافس، بلا نزاع باعتراف وإجماع.
**الأغنية اللحجية.. والأصوات الشابة اللحجية بعد فيصل علوي**
مات فيصل علوي في 7 فبراير2010م بعدن .. خلف تراثا فنياً يتعذّر فصل اسمه - فيصل - عن لون غنائه (لحجي) .. وتراث فيصل اللحجي في الغناء.
خلف جماهير يحصون بالملايين، من جميع الأجيال والمدن والبلدان.. ما يزال فيصل يشكل فنان الأجيال المطلوب والمرغوب والسائد.. يعشقه الصغير والكبير الأمّي والمثقف.... لقد صنع اسماً حاضراً باستمرار.. بصبر بجهد بتفان بتفنن.. كل ما خلفه هو من صُنعه، ملك له، ملكه الأدبي والفني والتاريخي... إلخ.
وإذا كان القمندان زمانه ونتاجه وإسهاماته الفنية اللحجية الغنائية يعبر عن مرحلة زمنية فنية لحجية، فإن فيصل يشكل المرحلة الثانية الاستثنائية، التي تفوقت على سابقتها، ومازالت تسيطر على الساحة الغنائية إلى حاضر اليوم، إلى مرحلة ما بعد فيصل، التي تبدأ بيوم وعام رحيله 7 فبراير 2010م.
ولكن.. أين هي المرحلة الثالثة؟.. مَن مغنيها؟.. من يمثلها غنائياً؟ .. ما اسمه؟ .. ما هي إسهاماته؟.
بمعنى آخر.. ماذا بعد فيصل علوي؟.. من بعد فيصل علوي؟. نخشى أن السؤال يثير إشكالية مؤلمة؟.. أو نخشى الإجابة فيها ما يجعلنا في حرج وحيرة؟.. ولكنها الحقيقة، التي لابد من الاعتراف بها ومن تقبلها!!.
**الأصوات الشابة اللحجية**
بعد فيصل ظهرت في الأغنية اللحجية أصوات شابة لحجية.. أصوات بديعة جميلة.. لديها قدرة في الأداء، في عزف العود، في تقديم الأغنية اللحجية بنجاح.. انتشرت هذه الأصوات وذاع اسمها.. لكن هذه الأسماء الشابة على روعتها وجودتها - غناء وعزفا وصوتا- ظهرت حين ظهرت، واشتهرت حين اشتهرت، على تراث فيصل علوي تحديداً.. لديها قدرة على تقديم فيصل علوي كما فيصل علوي تماماً، تقلّده تقليداً فنياً عجيباً، تتقمص أداءه أسلوبه، طريقته في العزف، في الغناء، في كل شيء تقريباً.. لاشك معجبة بفيصل (ومن لا يعجبه فيصل؟!) .. لاشك متذوقة لونه، نهجه، صوته، عزفه، وأسلوبه في الأداء إلخ.
جل هذه الأصوات الشابة نتنفسها فنياً وشهرتها جماهيرياً على نتاج فيصل الغنائي.. لم تحاول الجهد، الصبر، التفاني لتكّون لنفسها هويتها الغنائية المستقلة، تتميز بها وتميزها.. كانت الشهرة همّها.. كانت تبحث عن الشهرة قبل أن تبذل وتنضج.. اجتهدت في بحثها تستكشف أقصر طريق للشهرة.. وقد اكتشفتها.. لم تكتشف وتراً آخر تضيفه إلى أوتار العود العربي، على نحو ما فعل فيصل، حين اكتشف وتراً ليزيد من نغمات العود العربي، وليزيد بنغمة اكتشافه من جمال نغمة الأغنية اللحجية.. ليحسب اكتشافه هذا اختراعا علميا في فن الموسيقى، إضافة لفن الموسيقى العربي عامة تسهم به لحج إسهاما لحجيا يدخل في تراثها، فخر يسجل لصالح فنها ومبدعيها من خلال فيصل علوي.
لقد اكتشفت هذه الأصوات الشابة طريق قصيرة إلى الشهرة.. لعلها أقصر طريق للشهرة.. وجدتها من خلال فيصل علوي.. من خلال ترديد أغانيه وتقليده في كل شيء.. تجتر أغانيه وتنهج أسلوبه.
وقد نجحت.. حقّقت شهرة سريعة.. في سرعة الصوت أو الضوء .. شهرة غير مكلّفة، بغير جهد.. بتراث فيصل.. انجذب جمهور فيصل إليها، لكنه انجذاب إلى فيصل وتراثه، في حقيقة الأمر، وليس لتراث هذه الأصوات.
صاروا مشهورين.. يتنقلون بين الأعراس والحفلات والمناسبات والبرامج التلفزيونية، وبين مدن البلاد، وبلدان كثيرة أخرى.. يتقاضون أجورا عالية، لهم عقود ورقية يسيطرون على شروطها، يشترطون الأجر والخدمات والامتيازات.. إن أجر حفلة واحدة من حفلاتهم يمكن أن تعادل ما قد تقاضاه فيصل أجر عن مجموعة حفلات في أعوام! (الله يفتح عليهم).
لا نظن أن لحج تخلو من شعراء، ومن ملحنين.. بالضرورة، بلد مثل لحج بذلك التاريخ والجمال الفني، يوجد فيها من الشعراء والملحنين، ما تشبع حاجة الفنان الشاب، وما تقدّم الأغنية اللحجية كلمة وإيقاعا.. لطالما تعامل فيصل مع شعراء وملحنين شباب لحوج.. لم يأخذ به الفخر، بل كان يدرك أن لحج غنية بالأسماء، شعراء وملحنين.. كان يعمل بإيمان تجاه المحافظة على تراث بلده وناسه، حريصا على إثرائه واستمراره.. واستمراره لا يعني الاكتفاء بما قدمه لشعراء وملحني لحج الأوائل.. بل باستمرار التعامل مع كل شاعر وملحن لحجي قادر على تقديم اللون اللحجي في كلمته ولحنه.
لقد حقّق مغنو لحج الشباب النجاح والشهرة، في وقت قياسي وبمنهجية غنائية سهلة غير مجهدة.. بالاعتماد على تراث جاهز.. بالاعتماد على تراث فيصل علوي، وعلى ألوان غنائية أخرى، (ليست موضوع حديث المقام واهتمامه).
**د. علي سالمين**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى