ملاحم عدن ..غياب للرقابة وتجاوزات يدفع ضريبتها المواطن

> استطلاع/ هبة محمد المريسي

> تحولت كثير من الملاحم والمسالخ في محافظة عدن من نعمة إلى نقمة على كثير من المواطنين لعدم التزامها بالشروط الصحية والنظافة، فعلى الرغم من التزام بعض هذه الملاحم بالنظم والقوانين الصحية وغيرها.
ظهر مؤخراً من يمارس هذه المهنة في الشوارع وبطريقة عشوائية بعد أن غاب دور الجهات الرقابية والمتخصصة في هذا المجال، وهو ما شجع الكثيرون على امتهانها بطريقة مخالفة للقانون، الأمر الذي عرض المواطنين لكثير من المشكلات الصحية وغيرها لعدم التزام هؤلاء الباعة بالشروط الصحية التي يجب أتباعها.
«الأيام» سلطت الضوء على هذه المشكلة التي باتت منتشرة في عدن من خلال هذا الاستطلاع وخلصت إلى الآتي:
لطالما كان أول وأهم شيء يسعى الإنسان للحصول عليه وتوفيره هو الغذاء لأنه المقوم الأساسي للحياة، ولهذا نراه يحرص على انتقاء غذائه بعناية ويحرص أن يكون مفيدا له.. واللحوم جزء مهم من هذا الغذاء، فهو مصدر للبروتين والنشويات، ولكن المصيبة إذا تحول هذا الغذاء من عنصر مفيد لجسم الأنسان ومساعد له في مقاومة الأمراض إلى عنصر ناقل للأمراض، وهذه حقيقة مثبتة علميا والدراسات أكدت أنه إذا تناول الإنسان لحم حيوان مصاب ينقل إليه المرض والأمراض التي تنتقل للإنسان منها ما يظهر ومنها ما لا يمكن الكشف عنه مبكرا ولا يظهر إلا مستقبلا ولهذا يصعب علاجه والواقع الذي نعيشه يبين أنه لا تتوفر أية مراعاة لسلامة اللحوم ولا لنظافة المكان الذي تذبح فيه لأنه لا يوجد حسيب ولا رقيب على من يبيع هذه اللحوم، وفي النهاية يقع المواطن ضحية لتجار لا يشغل بالهم سوى الربح.
لمعرفة المزيد عن هذه المشكلة توجهنا إلى أصحاب ومالكي الملاحم وكذا بعض المواطنين لنتعرف عنها بشكل أوضح وعن كثب.
الحاج محمد اليمني - صاحب ملحمة “المدينة” تحدث لـ«الأيام» عن طبيعة عمله وما إذا كانت هناك إجراءات لفتح ملاحم قال: “ليس هناك من مشكلة فمن الممكن لأي أحد أن يفتح ملحمة فكل ما يحتاجه هو بعض المال ومكان، أما عن كيفية ذبح الأغنام فعادة تتم هنا في المحل وبعض الأحيان في مسلخ المؤسسة، وفيما يتعلق بالترخيص نقوم بدفع مبلغ معين كل سنة للمؤسسة في حين أن هناك ملاحم تمارس هذا العمل دون أن تمتلك الترخيص الخاص بذلك العمل ودون أن تقوم المؤسسة بمساءلتهم ومحاسبتهم، ومن المشكلات التي يواجهها المواطن أيضا في بعض الملاحم هي عدم وجود تسعيرة محددة لأسعار اللحوم فهناك من يبيع الكيلو بـ 2100، وآخرون بـ 2500 أو 2700 ريال”.

أما الحاج موسى صاحب إحدى المسالخ في منطقة السيلة بالشيخ عثمان فقد كان له رأي مختلف تماما عن من سبقه، حيث يرى أن فتح محل لبيع اللحوم مسألة ليست بالصعبة ولكنها تتطلب عدة إجراءات قانونية وصحية مختلفة، وعن عملية فحص الأغنام قال: “عادة هذه العملية تتم من قبل متخصصين بيطريين قبل الذبح، وذلك لمعرفة الأغنام المريضة، وهناك أيضاً عملية فحص أخرى تتم بعد الذبح”.
مضيفاً: “وتعد أبرز الأسواق والمناطق التي يتم شراء المواشي منها كالأغنام، الأبقار، الإبل هي: سوق اللحوم في دار سعد، ومن محافظة أبين ومديرية لودر، ودمنة خدير بتعز والمراوعة في الحديدة، بالإضافة إلى الأغنام المستوردة”.
**مهمتنا تقتصر في النزول الميداني**
رئيس مصلحة البيئة بالشيخ عثمان جميل قائد علي تحدث لـ«الأيام» عن بعض المشكلات التي تواجههم في هذا الموضوع بالقول: “حالياً الملاحم تتبع المؤسسة العامة للمسالخ وليس لنا علاقة في هذا الموضوع”، مضيفاً: “لقد كان هناك تنسيق بيننا وبين المؤسسة في هذا الجانب ونقوم بعمل مشترك ونزول ميداني لهذه الملاحم ومحال الدواجن، مصطحبين في ذلك المفتش الخاص، بالإضافة إلى طبيب بيطري من كلا الطرفين وكانت العملية تدار وفقاً للقانون وكان من أبرز المخالفات التي كنا نرصدها تتمثل في عملية الذبح والتي كثير منها يتم ذبحها في حمامات المطاعم، أما في الوقت الحالي وتحدداً بعد أزمة 2011م تم أخذ محال الدواجن والملاحم والتي كانت تابعة لنا، أما في الوقت الحالي فأرى أن الواقع أصبح مختلفاً عما كان عليه في الماضي، هذا هي حقيقة الواقع المعاش حاليا”.
وقال أيضا: “إن مهمة المؤسسة أضحت في وقتنا الحاضر محصورة في النزول الميداني لحصي عدد الرؤوس المذبوحة فقط ويتم جراؤها صرف السندات وهي عبارة عن رسوم يتم دفعها من قبل الجزارين، مع أنه من المفترض أن يجري فحص شامل للمواشي قبل وبعد الذبح وهذا ما كان يحصل في السابق حيث يقوم أصحاب المحلات بإحضار المواشي ليلا ويتم تفتيشهم قبل الذبح وبعد الذبح يتم بعدها تختيم تلك اللحوم بالختم الخاص بالمؤسسة، بعكس ما هو حاصل اليوم حيث الجهات المعنية غائبة والأطباء البيطريون لايقومون بواجبهم وعند إخبارهم بتلك المخالفات يرفضون القيام بواجبهم بذريعة أنهم غير مسؤولين عن أي لحوم لا تذبح في المسلخ”.
مضيفا: “إن الملاحم التي يتم الإشراف عليها من قبل مصلحة البيئة في الشيخ عثمان هي ست ملاحم أربع في الممدارة واثنتان في الشيخ عثمان، ولم تسجل أية إحصائيات مؤكدة للمخالفات قبل أزمة 2011م”.
وعن رأيه حول استمرارية كثير من أفراد المجتمع في شراء اللحوم من هذه الملاحم في ظل عدم التزامها بالنظافة وما إلى ذلك من الأمور أجاب علي بالقول: “هذا الأمر يعود برأيي إلى ظروف الحالة المادية والاقتصادية لدى الناس، فعادة المواطن يأخذ ما هو مناسب لحالته المادية، بالإضافة إلى نقص التوعية لديهم بما قد تسببه هذه اللحوم التي لا يلتزم أصحابها بشروط الواجب اتباعها كالنظافة وما إلى ذلك، ولهذا نقول إن مسؤولية التوعية في هذا الجانب تقع على عاتق وسائل الإعلام والإعلاميين، الأمر الذي نفتقره في مجتمعنا مع الأسف”.
**آراء مواطنين**
تختلف وجهات النظر لدى المواطنين في هذه الملاحم ومدى التزامها بالشروط المطلوبة كالالتزام بالجانب الصحي وغيره، يقول الحاج مطهر اليافعي: “حقيقة أنا لا أثق بشراء اللحوم من الملاحم أو أي مكان آخر، ومتى ما أردت الحصول على اللحوم أشتري رأس من الغنم وأذبحه بنفسي”.
ويرأى عبدالرحمن مسرج أن اللحوم التي تباع في المولات غير مضمونة وذلك لأنها تظل لفترات كبيرة بعكس اللحوم التي تباع في المسالخ فهي طازجة وبشكل يومي”.
**اتساخ السوق ناتج عن انقطاع المياه**

مسئول النظافة والنظام بسوق الشيخ عثمان خالد علي عبده أعاد سوء النظافة في السوق وخاصة في المسالخ إلى الانقطاع المستمر لخدمة المياه، والذي يصل انقطاعه في بعض الأحيان إلى أكثر من ثلاث أيام وفي حال استمرت هذه المشكلة نلجأ بطلب توفير بوز ماء (صهاريج) من مدير عام النظافة في المديرية قائد راشد لهذا السوق لا سيما سوق الأسماك”، موضحاً: “لقد كانت تتوفر لهذا السوق خزانات خاصة بالمياه ولكن مع الأسف تم سرقة بعضها وما تبقى منها تم تخريب الأنابيب التابعة لها دون أن تعرف الجهة المخربة، ومع هذا هناك أعمال نظافة يشهدها السوق بشكل يومي”.
وعن المخالفات التي يشهدها هذا السوق قال عبده: “إن المخالفات التي تحدث في السوق خاصة فيما يتعلق باللحوم عادة تندرج ضمن اختصاصات الطبيب البيطري التابع لإدارة المسالخ الذي يقوم بواجبه في السوق تحت إشراف إدارته كون هذا الموضوع من اختصاص قسم صحة البيئة، أما مسؤليتي أنا فتكمن في الحفاظ على النظام والنظافة داخل الأسواق”.
**أمراض عدة تصيب الإنسان**
من جهته أوضح الدكتور أحمد مقبل ناجي وهو طبيب بيطري بعضا من الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة لتناوله لحوم حيوانات مصابة بالأمراض والتي بات يتعرض لها المواطنون في المرحلة الأخيرة لعدم التزام المسالخ بشروط الذبح الصحية وكذا غياب الجهات ذات العلاقة في هذا الجانب”.. وبحسب ناجي فإن هناك أكثر من مئتي مرض ينتقل من الحيوان إلى الإنسان عن طريق تناول لحومها ومن هذه الأمراض التي تصيب الحيوانات منها ما يكتشف قبل الذبح كالأمراض الوبائية مثل جدري الضأن والماعز والطاعون يدعى طاعون بيبي آر وهي أمراض منتشرة حاليا في اليمن، بالإضافة إلى أمرض أخرى وعادة تكتشف بعد الذبح كالالتهاب الرئوي وبعض الأمراض الكبدية والمعوية ومن أبرز الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان الديدان الشريطية في حال لم يطه اللحم جيداً”، موضحاً “هناك أمراض أخرى تنتقل من الحيوان إلى الإنسان أيضاً ومن هذه الأمراض الجديدة مرض عرف بمرض وادي الرت والذي أكتشف أول حالة له في محافظة الحديدة مؤخراً وهو مرض منتشر في القارة الأفريقية”.
وعن اللحوم التي تباع في السوق وما إذا كانت يلتزم أصحابها بالشروط الصحية أم لا قال: “مع الأسف الطبيب البيطري في السوق وجودة كعدمه، ولهذا رفضت العمل في مسلخ السوق وذلك لغياب الجدية في هذا العمل رغم وجود الأطباء والفنيين، والأمر الذي شجع على تردي الوضع في هذا السوق هو غياب الإشراف الحقيقي أثناء عملية الذبح به والتي عادة تتم في ظل غياب الطبيب المتخصص”.
ويضيف: “إن مسألة عدم التفاني في العمل من قبل الأطباء تعود للأسباب عده من أبرزها أن الأطباء والفنيين أصبحوا تابعين للمسلخ ويتحصلون على مرتباتهم من المسالخ نفسها، في الوقت الذي يفترض فيه أن يكونوا تابعين لإدارة البيطرة التابعة للثروة الحيوانية، ولهذا نجد هؤلاء الأطباء والفنيين لايقومون بواجباتهم الحقيقية حفاظاً على مصادر دخلهم”.
**غياب الوعي الصحي**
بدوره أوضح الدكتور رياض حسين استشاري أمراض باطنية لـ«الأيام» بأن أكثر الأمراض التي صادفها أثناء عمله تتمثل في مرض السنمونلا والذي يكون عادة من أعراضه الإسهال والتسمم الغذائي، وأمراض أخرى تتكاثر في الغالب بالمناطق الريفية، ومن ضمن الأمراض التي قد يصاب بها الإنسان مستقبلياً ولكن غير أمراض منقولة من الحيوان نفسه كداء النقرس (داء الملوك) والذي عادة يكون ناتجا عن زيادة البروتين الحيواني والنباتي كالفول والفاصوليا وكذا الأملاح المتراكمة في جسم الإنسان وذلك لتناولها بكمية كبيرة جداً والناتج من عدم الوعي لدى كثير من المواطنين”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى