اليمن: خيار زائف للعدل.. الطبقة السياسية في اليمن ساعدت في إحداث عدم الاستقرار

> بلقيس ويل

> أزاد الاضطراب العالمي الحالي النقاش حول ما إذا كان السعي وراء العدالة في البلدان الهشة والانتقالية يؤدي إلى عدم الاستقرار. إلا أن اليمن يقترب من حافة الانهيار جزئياً على الأقل بإخفاقه في الالتفات إلى مطالب العدالة. قد تكون الطبقة السياسية في اليمن، بدعم ضمني من الجهات الإقليمية الرئيسة، ساعدت في إحداث عدم الاستقرار والفوضى والعنف المتصاعد في البلاد.
قام الحوثيون بانقلاب في اليمن يبدو أنه ناجح بعد أشهر من العمل الأساسي الدقيق. إن المجموعة الزيدية الشيعية في الشمال والتي كانت ذات حين مهمشة، وهي الآن على رأس تمرد جيد التنظيم وسريع التوسع، تفضل أن يطلق عليها اسم أنصار الله. اقتحم مقاتلو أنصار الله القصر الرئاسي في 20 يناير من دون إراقة كبيرة للدماء. في 22 يناير استقالت حكومة الرئيس عبده ربه منصور هادي ، تاركة أنصار الله في موقع السيطرة الفعلية.

لعب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي أُجبر على التنحي بعد أكثر من ثلاثة عقود في السلطة نتيجة للثورة اليمنية 2011، دورا حيويا في تأمين التحالفات القبلية التي سمحت لمقاتلي أنصار الله بترك صعدة، معقلهم الشمالي، واحتلال العاصمة صنعاء، في سبتمبر الماضي. لقد أفضى لي أشخاص مقربون من الأحداث أن صالح كان أيضا محوريا في ضمان أن لا تعارض القوات المسلحة اليمنية أنصار الله عند استيلائها على صنعاء في سبتمبر أو محاصرتها للقصر الرئاسي في يناير.
انتهت ثورة 2011 عندما، سلم صالح السلطة إلى نائب الرئيس، هادي، في مبادرة لدول مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل، تحصّل صالح على حصانة شاملة من الملاحقة القضائية على الجرائم المرتكبة خلال فترة حكمه الممتدة على مدار 33 عاما. كما حمى الاتفاق مساعديه من المحاكمة بتهمة ارتكاب «جرائم سياسية» لم تشكل أعمالاً إرهابية.
وعلى الرغم من الاتفاق، المصادق عليه في القانون في سبتمبر2012، أصدر هادي مرسوما بإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوقية مزعومة ارتكبت إبان الثورة، عندما قتلت قوات الأمن الحكومية عشرات المحتجين. أزمعت اللجنة أن توصي باتخاذ التدابير لمحاسبة المسؤولين والتوصية بتعويض الضحايا، إلا أنها لم تُنشأ مطلقاً.
ثورة 2011 عندما سلم صالح السلطة إلى نائب الرئيس هادي في مبادرة لدول مجلس التعاون الخليجي
ثورة 2011 عندما سلم صالح السلطة إلى نائب الرئيس هادي في مبادرة لدول مجلس التعاون الخليجي

خلال الفترة الانتقالية اللاحقة لتنحي صالح، اشترطت الأمم المتحدة أنه يتعين على الحكومة اتخاذ «خطوات ترمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان أن لا تحدث انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في المستقبل». واستجابة لذلك وضع الوزير السابق للشؤون القانونية في حكومة هادي مشروع قانون العدالة الانتقالية، ولكن من غير المرجح أن تتم المصادقة عليه في أي وقت قريب.
لم تكن الحكومة وحيدة في التهرب من العدالة. فقد عقد اليمن، كجزء من العملية الانتقالية، مؤتمر الحوار الوطني الذي امتد لعشرة أشهر والذي جمع العديد من شرائح المجتمع، إضافة لتسع مجموعات عمل، بما في ذلك واحدة عنيت بالعدالة الانتقالية. بيد أن المؤتمر لم يتفق سوى على إعلان ضعيف بسبب تأثير حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح. أفضل ما أمكن مؤتمر الحوار أن يأتي به كان: «يجب أن لا يفلت منتهكو حقوق الإنسان من المساءلة وفقا للآليات التي يحددها قانون العدالة الانتقالية» – والذي بالكاد يعد مطلباً مجلجلاً للعدالة.
وعلاوة على ذلك، فقد ذكر التقرير النهائي لمؤتمر الحوار، المنشور في يناير 2014، أن توصياته «لا يمكن أن تتعارض مع مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية ومبادئها، ولا يمكن أن تتعارض مع قراراي مجلس الأمن الدولي 2014 و2051» – اللذين من المفترض أن يشملا الحصانة من الملاحقة القضائية لصالح وأعوانه.
لم يتم اتخاذ مزيد من الخطوات في 2014 والتي تُعنى بالانتهاكات السابقة - أو المستمرة - لحقوق الإنسان، فمذ تخلى عن الرئاسة في 2011، ظل صالح قادرا على البقاء في صنعاء وقيادة حزبه، الذي ما يزال يتمتع بأغلبية المقاعد البرلمانية ويتمتع بسلطة كبيرة. دفع تدخل صالح في الترتيبات الانتقالية مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات عليه، فضلا عن اثنين من قادة أنصار الله، في شهر نوفمبر، بما في ذلك حظر السفر الدولي وتجميد الأصول. نقل هادي بعض أقارب صالح المرتبطين بانتهاكات من مناصبهم السابقة، ولكنه عينهم في أخرى جديدة.
لو كان ثمة مزيد من الخطوات من أجل العدالة، بما في ذلك التحقيقات الجنائية المحلية، لكانت قد وصمت صالح وجردته من شرعيته. ففي بلدان أخرى، نجحت خطوات نحو الملاحقة القضائية للقادة الحاليين أو السابقين المتورطين في انتهاكات واسعة النطاق في تقليص نفوذهم السياسي بشدة.
في الوقت الذي أعرب فيه المجتمع الدبلوماسي كلامياً عن الحاجة للعدالة والمساءلة والشفافية، إلا أنه وعلى الجانب الخفي، أولى معظم المبعوثين الأجانب الأولوية لمفاهيم قصيرة النظر في المصالح الوطنية والاستقرار على حساب النقاش العام حول الحقوق الفردية. حظيتُ باجتماع تلو الآخر مع دبلوماسيين أجانب أصروا على أن انتقادات هيومن رايتس ووتش المستمرة لقانون الحصانة ودعواتها للمساءلة، كما وصفها أحدهم، كانت تعني طلب «إقحام اليمن في النار».
الحقيقة المحزنة الآن هي أن اليمن أصبح «مقحماً في النار» – وأن الأمور قد تتفاقم. فلو أن صالح ورفاقه أُرغموا على الوقوف أمام المحكمة بسبب أخطائهم المزعومة، بدلا من منحهم «بطاقة الخروج المجاني من السجن» المنفرة، لكان من الصعب التصديق أنه كان ليحتفظ برأس المال السياسي الذي استخدمه لهذا التأثير المزعزع للاستقرار. بطبيعة الحال، لا يعد الإخفاق في عرض أهم متنفذي اليمن المنتهكين لحقوق الإنسان على العدالة المسبب الوحيد لعدم الاستقرار والصراع، إذ كانت هناك العديد من العوامل المساهمة الأخرى. ولكن غالباً ما يُمنح الأثر الإيجابي لمتابعة العدالة اهتماما قليلا لدى زنة العوامل المتنافسة في حل النزاعات. على الأقل، وبقدر ما يهم اليمن، يبدو أن ثمة بعض الشك في أن صالح كان المستفيد الرئيس من إخفاق الحكومة اليمنية - بدعم من الحلفاء المؤثرين – في التعامل مع ظاهرة الإفلات من العقاب.
ضمن صالح للحوثيين أن لا يعترضهم الجيش عند استيلائهم على صنعاء أو محاصرتهم للقصر الرئاسي
ضمن صالح للحوثيين أن لا يعترضهم الجيش عند استيلائهم على صنعاء أو محاصرتهم للقصر الرئاسي

ليست اليمن بالتأكيد أول دولة يعزز فيها تجاهل الفظائع ثقافة الإفلات من العقاب. فأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والبوسنة والهرسك وسيراليون وأنغولا والسودان، هي مجرد أمثلة قليلة. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش التداعيات غير المرغوب فيها والتي يمكن أن تنجم عن قرار التغاضي عن الجرائم الدولية الخطيرة وتشمل المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في هياكل السلطة الحكومية الجديدة في محاولة لتوطيد السلام. ويمكن لها أن تشمل تشجيع جو من عدم الثقة والانتقام والذي يمكن للقادة التلاعب به في وقت لاحق بغية إثارة العنف لأغراض سياسية خاصة بهم. وبصرف النظر عن الحجة السياسية لصالح آليات المساءلة الانتقالية الفعالة، يجب على المرء ألا يَسلَى الأمر الأهم، ألا وهو أن العدالة مهمة كمسألة مبدأ، وهي عنصر أساسي لسيادة القانون.
ومن السهل على المدى المنظور، أن نفهم الإغراء في التخلي عن العدالة في محاولة لإنهاء الصراع المسلح. ويجادل بعض السياسيين في أن الطريق إلى السلام يعد أكثر واقعية وفورية إن لم نعرض المنتهكين للمساءلة. ومع ذلك، فما اليمن إلا تذكرة أخرى بأن قرار تجاهل الفظائع وتعزيز ثقافة الإفلات من العقاب قد يكلفان ثمناً نفيساً...
عن هيومن رايس ووتش 6فبراير 2015.
**بلقيس ويل**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى