هدم القصور التاريخية وسرقة الآثار وإغلاق المتاحف

> استطلاع / ناصر محمد المشجري

> في محافظة حضرموت التاريخ والثقافة والحضارة كل شيء طاله العبث والتخريب والإهمال، معالم تاريخية طمست، وآثار سرقت، ومتاحف أغلقت في وجه الزائرين بعد تعرضها لعمليات سرقة، ليصل الأمر إلى هدم قصور قديمة تمثل جزءا من تاريخ هذه المحافظة منذ مئات السنين، في ظل تجاهل وصمت وغياب لدور الجهات المعنية.
«الأيام» استطلعت أوضاع بعض المعالم التاريخية والأثرية وما نالها من هدم وإهمال وخلصت للآتي.

تعرّض المتحف الوطني الوحيد والواقع في مبنى قصر السلطان القعيطي بحي السّلام في مدينة المكلا مطلع العام 2013م للسرقة من قبل لصوص الآثار نتيجة لغياب الحماية والإشراف عليه من قبل الجهات المعنية، وطالت عملية السرقة معظم القطع الأثرية والقيمة فيه، في حين التزمت السلطات المعنية الصّمت، ولم تقم بواجبها في تعقب اللصوص لضبطهم واستعادة المسروقات، ليصل الأمر إلى إغلاقه في وجه الزائرين من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف والحفاظ على المدن التاريخية وما يزال مغلقاً حتى اليوم.

** قائمة بالقطع المفقودة **
وبحسب كشف بقائمة القطع الأثرية المنهوبة، أعلنت الجهات المتخصصة أنها تسعى لاستعادة تلك القطع بواسطة التعاون مع شرطة الإنتربول الدولية.
وبين الكشف المعمد من وزارة الداخلية بعد عملية الجرد للمنهوبات بأنها تعد أكبر عملية سرقة تطال المتحف منذ تأسيسه، وشملت عملية السرقة هذه مقتنيات وأشياء ثمينة جداً منها: مبخرة من النحاس، حجم كبير، غالية الثمن، صقر مصنوع من النحاس مهم وذو قيمة عالية، رأس نمر مصنوع من الفضة، أجزاء من فراش السلطان مغطّى بالفضة، عدد من الصولجانات السلطانية، رماح بطول متر من الفضة، أحذية قبقاب بلون الفضة، علم الدولة القعيطية برموزه ونياشينه، تمثال نحاسي صغير للرئيس المصري الرّاحل جمال عبدالناصر، قواقع بحرية مكتوب عليها خطوط للدولة القعيطية، مدفع نحاسي غالي الثمن، وتماثيل نحاسية لملوك صينيين، مزهريات من النحاس، صحون نحاسية للمطبخ السلطاني.
‎حصون أثرية طالها العبث وتواجه الاندثار
‎حصون أثرية طالها العبث وتواجه الاندثار

** القصر السلطاني يتهاوى **
يعتبر قصر الحكم لسلطان السلطنة القعيطية التي أسست في بداية القرن التاسع عشر الميلادي على يد مؤسسها السلطان عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي من أهم وأجمل المواقع الأثرية في مدينة المكلا، وبرغم أهميته كونه يحوي تحفة من الفن المعماري المستوحى من قصور الهند الشهيرة، ويقع فيه المتحف العام، إلا أنه ترك يندثر، وقد بدأت أجزاء منه تتساقط والتشققات تظهر فيه من جوانبه المختلفة، الأمر الذي يؤكد قرب تهدمه إذا لم تقم الجهات المعنية بتداركه وترميمه، إلى ذلك طالت معاول الهدم قصرا أثريا كان يتخذ منه “هارولد إنجرامس” المندوب السّامي لحكومة الاستعمار البريطانية في حضرموت مقراً له في مدينة المكلا، ويعرف بقصر “المستشارية”، وشيّد من الطّين والنورة المحلية، وحاولت السلطة نفسها تهديمه بحجة بناء مجمع حكومي على أنقاضه، إلا أنها واجهت رفضا شعبيا قاده مهتمون بالتراث الشعبي، وترك مهملا حتى أصبح أشبه بالخرابة.

** المعوقات جمّة والحالة بائسة **
كثيرة هي المعالم التاريخية والأثرية التي تعرضت للهدم والخراب في ساحل حضرموت، وعن هذه المعالم وما تتعرض له قال لـ«الأيام» مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف والحفاظ على المخطوطات في حضرموت الأخ عدنان باوزير: “هناك مع الأسف تجاهل وعدم إدراك لأهمية ما تعنيه الآثار للشعوب، وضرورة الاحتفاظ بها وصيانتها من قبل مسؤولي السلطة والمجتمع، وهو ما أنتج هذا الواقع البائس الذي نواجهه في فرع الهيئة، كعدم قدرتنا على توفير الحماية، وتنصل السلطة، الأمر الذي أفقدنا كثيرا من المقتنيات الأثرية في إثر تعرض المتحف (المتحف الوطني بالمكلا) لعمليتي سرقة، كما أن مكتبنا يفتقر لوسيلة مواصلات، وهو ما أعاقنا من الإشراف على المواقع والمدن الأثرية المعتمدة والتابعة لنا”، مضيفاً “هناك بلاغات تصلنا عن تعرض بعض المواقع للعبث أو التهديد بذلك للضغط علينا بتوظيف عاطلين عن العمل كحرّاس لها، ونرفع بذلك للجهات المعنية، ولكنها لا تلقي بالا لما يصلها في هذا الجانب”.
ومن المشكلات التي تواجهنا أيضاً المخصصات، حيث إن مخصص الهيئة الشهري 30 ألف ريال فقط، وهو ما تسبب في خلق مشكلات كثيرة ولتجاوزها عمدنا إلى تأجير جزء من مساحة القصر السلطاني لمستثمر محلي بمبلغ 150 ألف ريال لتكون حديقة لترفيه الأطفال والعائلات، ومن خلال هذا الإيراد القليل استطعنا توفير حماية للمكان الذي يحوي القصر السلطاني بما فيه من مكاتب ومتحف وملحقات أخرى”.
الأخ عدنان باوزير مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالمكلا
الأخ عدنان باوزير مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالمكلا

وعما تعرض له المتحف من نهب وسطو على مقتنياته قبل عامين قال مدير الهيئة: “لقد توصلنا إلى معرفة الجهة التي بيعت لها المقتنيات، وبعض المعلومات المهمة والمتوفرة لدى السلطات الأمنية، لكنها لم تعطنا أية نتيجة عما توصلت إليه وتسودنا مخاوف من تمييع القضية”.
‎صورة توضح الوضعية السيئة للقصر السلطاني بالمكلا
‎صورة توضح الوضعية السيئة للقصر السلطاني بالمكلا

أما عن علاقة فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالجهات الحكومية فقال باوزير: “إن علاقة الهيئة بالحكومة (صفر)، إلا أن هناك تجاوبا طيّبا من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية لترميم القصر وبعض المواقع الأخرى كسدة الميناء القديم”، موضحاً في سياق حديثه لـ“الأيام” أن “المشكلة التي تواجههم بهذا الخصوص هو أن كثيرا من هذه المواقع والقصور الأثرية لا تعود ملكيتها للدولة، وهو ما جعل صندوق التنمية يمتنع عن تبنيها لتجارب حصلت في مدن أخرى، والتي قام فيها الصندوق بتأهيل مواقع وترميم مبانٍ أثرية لتؤول بعد ذلك إلى ملاكها الشخصيين، والذين سرعان ما عمدوا إلى هدمها أو تغيير شكلها القديم، ليضيع معها الجهد الذي بذله الصندوق والملايين التي أنفقت في سبيل ترميمها وتأهيلها”.
ناصر باني مشرف متحف المكلا
ناصر باني مشرف متحف المكلا

** الأوضاع المتردية **
من جهته قال لـ“الأيام” ناصر محفوظ باني، وهو موظف ومعرّف بالمتحف الوطني في المكلا: “نظراً لعدم تدفق السيّاح الأجانب إلى البلاد نتيجة للأوضاع المتردية التي تعيشها البلاد تعطّل عمل المتحف، فلا يفتح أبوابه إلا للزوار المحليين قبل أن يتم غلقه بالكامل”، موضحاً بأن “المتحف كان قبل إغلاقه قبلة للزائرين، ويدر دخلا وفيرا لخزينة الدولة من خلال تذاكر الدخول بنموذجين: واحد للأجانب وآخر للمواطنين”.
ويضف: “ونظراً للإقبال المتزايد لزوار المتحف، وشغف الناس بمشاهدة محتويات القصر والمتحف من آثار ومخطوطات تاريخية رفعت تذكرة الدخول إلى خمسمائة ريال للسياح بعد أن كانت 30 ريالا، وتذكرة دخول المواطنين من 10 ريالات إلى 30 ريالا، ليصل حينها دخل المتحف إلى 150 ألف ريال، وذلك نتيجة للإقبال المتزايد عليه، حيث كان يستقبل في اليوم الواحد ما يقارب 300 زائر، غير أن تردي الأوضاع في البلاد في الفترة الأخيرة تسبب في امتناع السياح الأجانب عن السفر إلى اليمن بشكل عام، وصولاً إلى إغلاق المتحف بالكامل، ولهذا نتمنى من السلطة المحلية والمجتمع العمل الجاد على إنقاذ تراث حضرموت، لما يمثله من قيمة حضارية عريقة عرفت بها هذه المحافظة منذ القدم”.

** طمس وتدمير ممنهج **
أما الشّاب وليد السيباني فتحدث لـ“الأيام” عما تتعرض له معالم وتراث حضرموت بالقول: “هناك تدمير مُمنهج ومقصود يستهدف طمس تاريخ حضرموت، ويتمثل بالإخفاء والهدم وتغيير نمط المدينة الديموغرافي، وتقف خلف ذلك جهات ليست بخافية على المجتمع في حضرموت، مستغلة في ذلك صمت الناس وتقاعسهم عن الدفاع وحماية تاريخهم”.
وختم السيباني: “إن ما يحدث بحق آثار وتاريخ هذه المحافظة يمثل جريمة بحق المجتمع كله والأجيال القادمة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى