> استطلاع/ محمد بازهير
يقاس رقي وتطور الشعوب والمجتمعات برقي إعلامها وتطوره، وذلك لما لوسائل الإعلام ممن دور إيجابي وفعال في توعية المجتمع وتنمية مدركاته وخلفياته العامة.
حضرموت واحدة من هذه المجتمعات التي رادت فيها الصحافة وازدهرت في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وكان لها دور كبير في التوعية والتنوير.
اليوم محافظة حضرموت تفتقر لهذه الصحافة الورقية، وليس هناك من صحيفة تصدر منها، يقول كثير من أبناء هذه المحافظة بأن تغييب الصحف عنها أخذ الطابع السياسي فيه الحيز الأكبر.
«الأيام» استطلعت أوضاع الصحافة الورقية في هذه المحافظة مع عدد من المتخصصين والمهتمين وأسباب اندثارها وخلصت بالآتي:
للصحافة في حضرموت تاريخ عريق يعود إلى عدة عقود من الزمن، لتبلغ مكانة عالية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي يقول الصحفي محمد سالم قطن عن هذه المرحلة وعن نشأة الصحافة في حضرموت: “الصحافة في حضرموت نشأت منذ عهد طويل وبدأت فترتها الذهبية منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى سبتمبر عام 1967م، حيث كان في هذه الفترة في المكلا وحدها ثلاث صحف هي: الطليعة، والرأي العام، والرائد، ثم ظهرت صحيفة “الشرارة” وكانت هي الصحيفة الوحيدة في الساحة لكونها كانت لسان حال الحزب الحاكم (تنظيم الجبهة القومية) ثم الحزب الاشتراكي اليمني، ثم ظهرت صحيفة “حضرموت” المستقلة إلى جانب “الشرارة” الحزبية في الفترة ما بعد عام 1990م، إلا أنهما توقفتا بعد يوليو 1994م.
لتظهر بعد ذلك صحيفة “المسيلة” ناطقة بلسان المؤتمر الشعبي العام، وكذا صحيفة “شبام” كصحيفة حكومية لتأتي صحفية “30 نوفمبر” كبديل عنها كما يبدو، ولهذا فالصحافة هي انعكاس لحالة المجتمع السياسية والثقافية، ومع حلول العصر الصحفي الجديد، لا نستطيع أن نجزم بأن حضرموت بحاجة لوجود صحف أخرى لظهور المواقع الرقمية بشكل كبير”.
**أسباب عدة**
لاختفاء الصحافة الورقية في حضرموت أسباب كثيرة ومتعددة كما يقول رئيس تحرير موقع المكلا اليوم الإخباري الصحفي سند بايعشوت، مؤكداً بأنه ليست في حضرموت صحافة حقيقية بعد غياب المدرسة الصحفية الرائدة “الشرارة”، التي جاءت امتدادا للصحافة الحضرمية الحقيقية في عقدي الخمسينيات والستينيات كالطليعة، والرائد والرأي العام، وأعاد السبب في غياب الصحافة الحقيقية إلى العامل السياسي والذي يعد هو المشتت لخلق صحافة حقيقية بحضرموت”.
من جهته أوضح الصحفي صلاح البيتي بعضاً من هذه الأسباب بالقول: “إن أسباب الاندثار في حضرموت يعود إلى عدة أسباب منها عدم وجود دور طباعة في هذه المحافظة تمتلك مقومات وقدرات على الاضطلاع بطباعة صحف بشكل يومي أو أسبوعي، وكذا صعوبة الحصول على ترخيص لإصدار الصحف من وزارة الإعلام نظراً لوجود قرار من النظام السابق بعدم منح تراخيص، فضلاً عن الشروط التعجيزية التي تفرضها الوزارة لطالبي الترخيص، وكذا ارتقاع قيمة الورق الخاص بالصحف إلى مستويات مضاعفة عن الأسعار السابقة، في ظل قلة الإعلانات وانحسار إقبال المعلنين فيها، بالإضافة إلى ثورة المعلومات التي اجتاحت العالم وأحالته إلى قرية كونية صغيرة، وانتشار خدمة الإنترنت على نطاق واسع انتشرت على إثرها مواقع الصحافة الإلكترونية، مواقع التواصل الاجتماعي، التي وفرت للناس إمكانية متابعة الأخبار والاطلاع عليها بصورة أسرع وأيسر”.
**تم إفراغها من الصحافة عمداً**
الأديب الدكتور سعيد الجريري أدلى بدلوه حول هذا الموضوع قائلاً: “من المؤسف وغير المنطقي بأن لا يكون في حضرموت صحافة ورقية حقيقية، تمثل امتداداً لتراكم صحفي رائد، فالصحافة الورقية المؤثرة في مجتمع حضرموت ليست من داخله، وإنما هي من خارجه، بعد أن تم إفراغ حضرموت من عناصر قوتها ثقافياً، وإعلامياً، وصحفياً، وكذا سياسياً واقتصادياً، وذلك لأن حضرموت تعيش مرحلة استثنائية مفروضة عليها، ومع الأسف أيضاً أن بعضاً من بنيها هم الذين ينوبون عمّن يستهدفونها تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.. مؤلم جداً أن يكون واقع الحال هكذا، وقد تحدثنا في هذا الشأن مرات عديدة وبذلنا جهوداً هنا وهناك، ولكن يبدو أن لا إرادة حقيقية وليس هناك وعي بأهمية الصحافة الورقية المحترمة ودورها، ليس سياسياً فحسب، وإنما ثقافياً واجتماعياً، وإعلامياً”.
ويضيف الجريري: “لعل من المفارقات الصادمة لمن يزور حضرموت أن يسأل عن صحافتها اليومية والأسبوعية فلا يجد ما يؤكد الزهو العالي في حضرموت بأمجادها وتاريخها وأدوار أعلامها ورموزها في مراحل سابقة، وهذا شيء مخجل جداً، وبالمناسبة فهناك أفكار كثيرة، وحضرموت تزخر بأقلام مميزة في مجالات شتى في الوادي والساحل، لكنها لا تجد حاضناً صحفياً لكتاباتها، فالكتابة رسالة ومسؤولية وتراكم، وليست لأغراض عابرة أو لتسجيل الحضور، ولقد أتى على حضرموت حين من الدهر لم تجد الأقلام الجادة فيها متسعاً لأفكارها في ما يسمى تجاوزاً صحفاً وهي حكومية وحزبية غالباً، فتجدها تكتب في الصحافة الصادرة خارج حضرموت وهذا ليس اختياراً ولا بحثاً عن الانتشار في مساحة جغرافية أبعد، وإنما لأن المساحة ضيقة في حضرموت، لأسباب منها أن هناك ضيق أفق وتبعية غير منطقية وخوفاً من المركز، وغياب الرسالة لدى كثيرين ممن يديرون تلك الوسائط الصحفية”.
أما الزميل أحمد الجعيدي - أحد خريجي قسم الإعلام بجامعة حضرموت فأفاد لـ«الأيام» بأنه لا وجود حالياً للصحافة الورقية أو الإلكترونية بمفهومها العلمي في حضرموت، وإنما هي مجرد اجتهادات من أناس لهم كل الشكر على ما يبذلونه من جهد في غياب الأسس العلمية للصحافة عامة سواء الورقية منها أو الإلكترونية”.
الزميل محمد باحفين تحدث عن مستقبل الصحافة الورقية في ظل الانتشار الكبير للمواقع الإخبارية بالقول: “إن الصحافة الإلكترونية باتت تهدد وجود الصحافة الورقية ولابد للصحافة الورقية أن ترتقي إلى مستوى متقدم حتى تلحق بالصحافة الإلكترونية والتقنيات الإعلامية الجديدة”.
**الصحافة الورقية في موت سريري**
رئيس تحرير موقع “هنا حضرموت” الإخباري الأستاذ مجدي بازياد، قال: “إن الصحافة الإلكترونية باتت تغني عن الصحافة الورقية، حيث لا يختلف اثنان على أن الصحافة الإلكترونية وجهت ضربات موجعة ومؤلمة للصحافة الورقية لا ينكرها أي شخص ملم بأبجديات الصحافة والإعلام، ومن الواضح أيضاً أن الصحافة الورقية ذاهبة للاندثار فهي تعيش مرحلة موت سريري نظراً للمزايا التي تتمتع بها الصحافة الإلكترونية على كافة الصعد، ولعل أهمها سرعة النشر والسبق الصحفي والانتشار السريع، بكادر وميزانيات أقل بعكس الصحف الورقية التي تكلف الدولة الكثير من الأموال، وهذا ما يؤكد التفوق المستمر للصحافة الإلكترونية على الورقية”.
مضيفاً: “تواجه الكثير من الصحف الورقية التي كانت تمتلك شهرة واسعة لإطلاق مواقع إلكترونية للصحيفة لمواكبة التطور الإلكتروني في ظل اتساع أعداد المشتركين في خدمات الشبكة العنكبوتية وتطور الوعي الثقافي والفكري للمواطنين الذين باتوا يبحثون عن المعلومة العاجلة التي قد تنقلها الصحيفة الورقية بعد مرور عشرات الساعات”.
ويؤكد رئيس تحرير موقع نجم المكلا هاني باعيقة، رأي بازياد بالقول: “أعتقد أن الزخم الذي ظهرت به الصحافة الإلكترونية مؤخراً ساهم في انحسار الصحافة الورقية التي ستجد نفسها في قادم الأيام أثرا بعد عين، لما تتمتع بها الأولى من مزايا عديدة منها رجوع الصدى والمسمى علمياً “فيد باك” عبر تعليقات القراء، علاوة على سهولة الوصول إليها متى ما أرادت ذلك، فضلاً عن رخص ثمنها، وناهيك عن سرعة انتشارها وانتقالها إلى كل مكان في العالم، في حين أن الصحافة التقليدية غير سريعة الانتقال، أو بالأصح انتقالها ليس بالأمر السهل وخاصة إذا كانت عالمية، فلكل دولة قوانينها وخصوصياتها التي قد تحول دون وصول الصحيفة”.
**صحافة استرضاء السلطة**
وعن مدى تأثير الصحافة الورقية الموجودة في المجتمع الحضرمي قال الدكتور الأديب سعيد الجريري: “إن التأثير لا يمكن أن يكون لصحافة هي أقرب إلى المجلات الحائطية في المدارس قديماً، أو تعتمد على النسخ واللصق، وتكتب بهاجس استرضاء السلطة، فتضيق بحرية التعبير، والرأي والرأي الآخر، أو مناقشة القضايا المثيرة للجدل، والتي تهم المجتمع، فالصحافة الحقيقية تعتمد على صحفيين مهنيين محترفين وليس على موظفين في المؤسسة الصحفية، وهذا هو الواقع مع الأسف، باختصار شديد، إن تأثير الصحافة الورقية المحلي يكاد لا يرى، وهناك تأثير لصحف أخرى، ولكنه محدود في تصوري”.
من جهته قال الزميل الصحفي محمد باحفين في هذا الصدد: “إن القارئ لواقع الصحافة حالياً سيجد أن هناك أسبابا كثيرة جعلت القراء لا يثقون في الصحف الورقية وعزوفهم عن قراءتها أبرزها تتمثل في أن غالبية القائمين عليها لا يمتلكون المؤهلات الصحفية المعروفة، كما أن العديد من الصحف لا تعتمد على ما يكتبه محرروها وإنما تلجأ إلى نقل ما يكتب على الإنترنت”.
**المواقع الإلكترونية ملأت الفراغ**
ويرى الصحفي بايعشوت أنه ثمة أمل في الجيل الجديد ليس في بعث الصحافة الحضرمية الورقية كونها قد اضمحلت إزاء مواقع التواصل الاجتماعي السريعة والذكية، وتوقع بايعشوت بأن الصحافة الورقية ستنتهي في قادم الأيام في المقابل ستزدهر الصحافة الإلكترونية التي تحتاج لصناعة الخبر والرأي، وهذا يحتاج لكادر صحفي مؤمن برسالة الصحافة باعتبارها أداه فاعلة للتغيير”.
أما الدكتور الجريري فلديه حلم بصحيفتين حضرميتين ورقيتين محترمتين إحداهما في المكلا والأخرى في سيئون، وتمنى أن يكون بينهما توافق فكري وثقافي، وتسهمان في إحداث ثورة اجتماعية ينبغي أن تشهدها حضرموت، إن أرادت أن تواكب العصر، كما ينبغي، وتغادر اللحظة التي يراد لها أن تطول، فيزداد تخلخلها اتساعاً ليسهل العبث بشؤونها ومستقبل أجيالها، على أن تتاح في الصحافة الحضرمية مساحة واسعة للجيل الجديد المثقف الواعي من الجنسين على قدم المساواة، فهل يتحقق هذا في المدى المنظور؟”.
ويضيف الجريري قائلاً: “في ظل هشاشة الوضع الصحفي في حضرموت، تعتبر المواقع الإلكترونية هي البديل بلا شك، لكننا نفتقر في حضرموت إلى صحافة إلكترونية بمعايير عالية متعارف عليها، ومع ذلك فالمواقع الإلكترونية الحضرمية ملأت الفراغ، وصار لها متابعوها، وصارت تؤثر في تشكيل الرأي العام، ومن الواجب أن نحيي ناشريها ومحرريها وهم من المستقلين والشباب غالباً..
ومع ذلك تظل الحاجة إلى الصحافة الورقية الحضرمية ملحة جداً، وبطبيعة الحال فالفضاء الإلكتروني مفتوح لكن الورقية مهمة جداً، فالصحافة الورقية حتى في الدول المتقدمة مازالت تؤدي دورها بتميز وفاعلية، فما بالك بمجتمعنا الذي تتناهشه الأزمات والمشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
**حلول ومقترحات**
وضعت الأكاديمية المعروفة المتخصصة بعلم الإعلام والأستاذة بجامعة حضرموت الدكتورة دعاء سالم باوزير بعض الحلول والمقترحات لانتشال الوضع الإعلامي والنهوض عبر التوجه إلى التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة كأن تتخلل صفحاتها فن الأنفوجرافيك الذي باتت تستخدمه الصحف العالمية الكبرى، وتحديث محتواها، وأن تدرب طاقمها على وسائل التكنولوجيا التي ستغنيه عن الذهاب إلى المكتبة لوجود المكتبة الإلكترونية والحصول على الأخبار ذات بُعد جغرافي أكبر عبر هاتفه المحمول، مع تطعيم خريجي قسم الإعلام بجامعة حضرموت بالمؤسسات الصحفية التي لم تحتضن أي منهم، فضلاً عن البعد كل البعد من النقل النصي “النسخ واللصق” من المواقع الإلكترونية، وأن تتميز بمواد حصرية، والتواصل مع جميع الكتاب في حضرموت للكتابة على أروقتها”.
حضرموت واحدة من هذه المجتمعات التي رادت فيها الصحافة وازدهرت في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وكان لها دور كبير في التوعية والتنوير.
اليوم محافظة حضرموت تفتقر لهذه الصحافة الورقية، وليس هناك من صحيفة تصدر منها، يقول كثير من أبناء هذه المحافظة بأن تغييب الصحف عنها أخذ الطابع السياسي فيه الحيز الأكبر.
«الأيام» استطلعت أوضاع الصحافة الورقية في هذه المحافظة مع عدد من المتخصصين والمهتمين وأسباب اندثارها وخلصت بالآتي:
للصحافة في حضرموت تاريخ عريق يعود إلى عدة عقود من الزمن، لتبلغ مكانة عالية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي يقول الصحفي محمد سالم قطن عن هذه المرحلة وعن نشأة الصحافة في حضرموت: “الصحافة في حضرموت نشأت منذ عهد طويل وبدأت فترتها الذهبية منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى سبتمبر عام 1967م، حيث كان في هذه الفترة في المكلا وحدها ثلاث صحف هي: الطليعة، والرأي العام، والرائد، ثم ظهرت صحيفة “الشرارة” وكانت هي الصحيفة الوحيدة في الساحة لكونها كانت لسان حال الحزب الحاكم (تنظيم الجبهة القومية) ثم الحزب الاشتراكي اليمني، ثم ظهرت صحيفة “حضرموت” المستقلة إلى جانب “الشرارة” الحزبية في الفترة ما بعد عام 1990م، إلا أنهما توقفتا بعد يوليو 1994م.
لتظهر بعد ذلك صحيفة “المسيلة” ناطقة بلسان المؤتمر الشعبي العام، وكذا صحيفة “شبام” كصحيفة حكومية لتأتي صحفية “30 نوفمبر” كبديل عنها كما يبدو، ولهذا فالصحافة هي انعكاس لحالة المجتمع السياسية والثقافية، ومع حلول العصر الصحفي الجديد، لا نستطيع أن نجزم بأن حضرموت بحاجة لوجود صحف أخرى لظهور المواقع الرقمية بشكل كبير”.
**أسباب عدة**
لاختفاء الصحافة الورقية في حضرموت أسباب كثيرة ومتعددة كما يقول رئيس تحرير موقع المكلا اليوم الإخباري الصحفي سند بايعشوت، مؤكداً بأنه ليست في حضرموت صحافة حقيقية بعد غياب المدرسة الصحفية الرائدة “الشرارة”، التي جاءت امتدادا للصحافة الحضرمية الحقيقية في عقدي الخمسينيات والستينيات كالطليعة، والرائد والرأي العام، وأعاد السبب في غياب الصحافة الحقيقية إلى العامل السياسي والذي يعد هو المشتت لخلق صحافة حقيقية بحضرموت”.
من جهته أوضح الصحفي صلاح البيتي بعضاً من هذه الأسباب بالقول: “إن أسباب الاندثار في حضرموت يعود إلى عدة أسباب منها عدم وجود دور طباعة في هذه المحافظة تمتلك مقومات وقدرات على الاضطلاع بطباعة صحف بشكل يومي أو أسبوعي، وكذا صعوبة الحصول على ترخيص لإصدار الصحف من وزارة الإعلام نظراً لوجود قرار من النظام السابق بعدم منح تراخيص، فضلاً عن الشروط التعجيزية التي تفرضها الوزارة لطالبي الترخيص، وكذا ارتقاع قيمة الورق الخاص بالصحف إلى مستويات مضاعفة عن الأسعار السابقة، في ظل قلة الإعلانات وانحسار إقبال المعلنين فيها، بالإضافة إلى ثورة المعلومات التي اجتاحت العالم وأحالته إلى قرية كونية صغيرة، وانتشار خدمة الإنترنت على نطاق واسع انتشرت على إثرها مواقع الصحافة الإلكترونية، مواقع التواصل الاجتماعي، التي وفرت للناس إمكانية متابعة الأخبار والاطلاع عليها بصورة أسرع وأيسر”.
**تم إفراغها من الصحافة عمداً**

صورة لصحيفة الطليعة الحضرمية
الأديب الدكتور سعيد الجريري أدلى بدلوه حول هذا الموضوع قائلاً: “من المؤسف وغير المنطقي بأن لا يكون في حضرموت صحافة ورقية حقيقية، تمثل امتداداً لتراكم صحفي رائد، فالصحافة الورقية المؤثرة في مجتمع حضرموت ليست من داخله، وإنما هي من خارجه، بعد أن تم إفراغ حضرموت من عناصر قوتها ثقافياً، وإعلامياً، وصحفياً، وكذا سياسياً واقتصادياً، وذلك لأن حضرموت تعيش مرحلة استثنائية مفروضة عليها، ومع الأسف أيضاً أن بعضاً من بنيها هم الذين ينوبون عمّن يستهدفونها تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.. مؤلم جداً أن يكون واقع الحال هكذا، وقد تحدثنا في هذا الشأن مرات عديدة وبذلنا جهوداً هنا وهناك، ولكن يبدو أن لا إرادة حقيقية وليس هناك وعي بأهمية الصحافة الورقية المحترمة ودورها، ليس سياسياً فحسب، وإنما ثقافياً واجتماعياً، وإعلامياً”.
ويضيف الجريري: “لعل من المفارقات الصادمة لمن يزور حضرموت أن يسأل عن صحافتها اليومية والأسبوعية فلا يجد ما يؤكد الزهو العالي في حضرموت بأمجادها وتاريخها وأدوار أعلامها ورموزها في مراحل سابقة، وهذا شيء مخجل جداً، وبالمناسبة فهناك أفكار كثيرة، وحضرموت تزخر بأقلام مميزة في مجالات شتى في الوادي والساحل، لكنها لا تجد حاضناً صحفياً لكتاباتها، فالكتابة رسالة ومسؤولية وتراكم، وليست لأغراض عابرة أو لتسجيل الحضور، ولقد أتى على حضرموت حين من الدهر لم تجد الأقلام الجادة فيها متسعاً لأفكارها في ما يسمى تجاوزاً صحفاً وهي حكومية وحزبية غالباً، فتجدها تكتب في الصحافة الصادرة خارج حضرموت وهذا ليس اختياراً ولا بحثاً عن الانتشار في مساحة جغرافية أبعد، وإنما لأن المساحة ضيقة في حضرموت، لأسباب منها أن هناك ضيق أفق وتبعية غير منطقية وخوفاً من المركز، وغياب الرسالة لدى كثيرين ممن يديرون تلك الوسائط الصحفية”.
أما الزميل أحمد الجعيدي - أحد خريجي قسم الإعلام بجامعة حضرموت فأفاد لـ«الأيام» بأنه لا وجود حالياً للصحافة الورقية أو الإلكترونية بمفهومها العلمي في حضرموت، وإنما هي مجرد اجتهادات من أناس لهم كل الشكر على ما يبذلونه من جهد في غياب الأسس العلمية للصحافة عامة سواء الورقية منها أو الإلكترونية”.
الزميل محمد باحفين تحدث عن مستقبل الصحافة الورقية في ظل الانتشار الكبير للمواقع الإخبارية بالقول: “إن الصحافة الإلكترونية باتت تهدد وجود الصحافة الورقية ولابد للصحافة الورقية أن ترتقي إلى مستوى متقدم حتى تلحق بالصحافة الإلكترونية والتقنيات الإعلامية الجديدة”.
**الصحافة الورقية في موت سريري**

رئيس تحرير موقع “هنا حضرموت” الإخباري الأستاذ مجدي بازياد، قال: “إن الصحافة الإلكترونية باتت تغني عن الصحافة الورقية، حيث لا يختلف اثنان على أن الصحافة الإلكترونية وجهت ضربات موجعة ومؤلمة للصحافة الورقية لا ينكرها أي شخص ملم بأبجديات الصحافة والإعلام، ومن الواضح أيضاً أن الصحافة الورقية ذاهبة للاندثار فهي تعيش مرحلة موت سريري نظراً للمزايا التي تتمتع بها الصحافة الإلكترونية على كافة الصعد، ولعل أهمها سرعة النشر والسبق الصحفي والانتشار السريع، بكادر وميزانيات أقل بعكس الصحف الورقية التي تكلف الدولة الكثير من الأموال، وهذا ما يؤكد التفوق المستمر للصحافة الإلكترونية على الورقية”.
مضيفاً: “تواجه الكثير من الصحف الورقية التي كانت تمتلك شهرة واسعة لإطلاق مواقع إلكترونية للصحيفة لمواكبة التطور الإلكتروني في ظل اتساع أعداد المشتركين في خدمات الشبكة العنكبوتية وتطور الوعي الثقافي والفكري للمواطنين الذين باتوا يبحثون عن المعلومة العاجلة التي قد تنقلها الصحيفة الورقية بعد مرور عشرات الساعات”.
ويؤكد رئيس تحرير موقع نجم المكلا هاني باعيقة، رأي بازياد بالقول: “أعتقد أن الزخم الذي ظهرت به الصحافة الإلكترونية مؤخراً ساهم في انحسار الصحافة الورقية التي ستجد نفسها في قادم الأيام أثرا بعد عين، لما تتمتع بها الأولى من مزايا عديدة منها رجوع الصدى والمسمى علمياً “فيد باك” عبر تعليقات القراء، علاوة على سهولة الوصول إليها متى ما أرادت ذلك، فضلاً عن رخص ثمنها، وناهيك عن سرعة انتشارها وانتقالها إلى كل مكان في العالم، في حين أن الصحافة التقليدية غير سريعة الانتقال، أو بالأصح انتقالها ليس بالأمر السهل وخاصة إذا كانت عالمية، فلكل دولة قوانينها وخصوصياتها التي قد تحول دون وصول الصحيفة”.
**صحافة استرضاء السلطة**
وعن مدى تأثير الصحافة الورقية الموجودة في المجتمع الحضرمي قال الدكتور الأديب سعيد الجريري: “إن التأثير لا يمكن أن يكون لصحافة هي أقرب إلى المجلات الحائطية في المدارس قديماً، أو تعتمد على النسخ واللصق، وتكتب بهاجس استرضاء السلطة، فتضيق بحرية التعبير، والرأي والرأي الآخر، أو مناقشة القضايا المثيرة للجدل، والتي تهم المجتمع، فالصحافة الحقيقية تعتمد على صحفيين مهنيين محترفين وليس على موظفين في المؤسسة الصحفية، وهذا هو الواقع مع الأسف، باختصار شديد، إن تأثير الصحافة الورقية المحلي يكاد لا يرى، وهناك تأثير لصحف أخرى، ولكنه محدود في تصوري”.
من جهته قال الزميل الصحفي محمد باحفين في هذا الصدد: “إن القارئ لواقع الصحافة حالياً سيجد أن هناك أسبابا كثيرة جعلت القراء لا يثقون في الصحف الورقية وعزوفهم عن قراءتها أبرزها تتمثل في أن غالبية القائمين عليها لا يمتلكون المؤهلات الصحفية المعروفة، كما أن العديد من الصحف لا تعتمد على ما يكتبه محرروها وإنما تلجأ إلى نقل ما يكتب على الإنترنت”.
**المواقع الإلكترونية ملأت الفراغ**
ويرى الصحفي بايعشوت أنه ثمة أمل في الجيل الجديد ليس في بعث الصحافة الحضرمية الورقية كونها قد اضمحلت إزاء مواقع التواصل الاجتماعي السريعة والذكية، وتوقع بايعشوت بأن الصحافة الورقية ستنتهي في قادم الأيام في المقابل ستزدهر الصحافة الإلكترونية التي تحتاج لصناعة الخبر والرأي، وهذا يحتاج لكادر صحفي مؤمن برسالة الصحافة باعتبارها أداه فاعلة للتغيير”.
أما الدكتور الجريري فلديه حلم بصحيفتين حضرميتين ورقيتين محترمتين إحداهما في المكلا والأخرى في سيئون، وتمنى أن يكون بينهما توافق فكري وثقافي، وتسهمان في إحداث ثورة اجتماعية ينبغي أن تشهدها حضرموت، إن أرادت أن تواكب العصر، كما ينبغي، وتغادر اللحظة التي يراد لها أن تطول، فيزداد تخلخلها اتساعاً ليسهل العبث بشؤونها ومستقبل أجيالها، على أن تتاح في الصحافة الحضرمية مساحة واسعة للجيل الجديد المثقف الواعي من الجنسين على قدم المساواة، فهل يتحقق هذا في المدى المنظور؟”.
ويضيف الجريري قائلاً: “في ظل هشاشة الوضع الصحفي في حضرموت، تعتبر المواقع الإلكترونية هي البديل بلا شك، لكننا نفتقر في حضرموت إلى صحافة إلكترونية بمعايير عالية متعارف عليها، ومع ذلك فالمواقع الإلكترونية الحضرمية ملأت الفراغ، وصار لها متابعوها، وصارت تؤثر في تشكيل الرأي العام، ومن الواجب أن نحيي ناشريها ومحرريها وهم من المستقلين والشباب غالباً..
ومع ذلك تظل الحاجة إلى الصحافة الورقية الحضرمية ملحة جداً، وبطبيعة الحال فالفضاء الإلكتروني مفتوح لكن الورقية مهمة جداً، فالصحافة الورقية حتى في الدول المتقدمة مازالت تؤدي دورها بتميز وفاعلية، فما بالك بمجتمعنا الذي تتناهشه الأزمات والمشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
**حلول ومقترحات**
وضعت الأكاديمية المعروفة المتخصصة بعلم الإعلام والأستاذة بجامعة حضرموت الدكتورة دعاء سالم باوزير بعض الحلول والمقترحات لانتشال الوضع الإعلامي والنهوض عبر التوجه إلى التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة كأن تتخلل صفحاتها فن الأنفوجرافيك الذي باتت تستخدمه الصحف العالمية الكبرى، وتحديث محتواها، وأن تدرب طاقمها على وسائل التكنولوجيا التي ستغنيه عن الذهاب إلى المكتبة لوجود المكتبة الإلكترونية والحصول على الأخبار ذات بُعد جغرافي أكبر عبر هاتفه المحمول، مع تطعيم خريجي قسم الإعلام بجامعة حضرموت بالمؤسسات الصحفية التي لم تحتضن أي منهم، فضلاً عن البعد كل البعد من النقل النصي “النسخ واللصق” من المواقع الإلكترونية، وأن تتميز بمواد حصرية، والتواصل مع جميع الكتاب في حضرموت للكتابة على أروقتها”.