الفتى البحار

> عبده محمد عبدالله

> هنا، كان يقف الفتى البحار صديق الطبيعة مع حبيبه البحر الأزرق، وعلى الشاطئ، وبتلك النفس المحبة الحالمة، وبطبيعة الأفكار، وفي ضوء القمر في تلك الليلة التي كان يتأهب إليها من الظهيرة ليذهب إلى الحبيب الأزرق، وعند المساء وبعد الغروب، بعد أن تذهب الأصوات ويبقى صمت الليل وهمسات سكونه، يقف الفتى على حد الأمواج ينظر إلى القمر في المساء، وإلى كهف القمر في أعماق الحبيب، وإلى ذلك الحوت الذي كلما أحس بالفتى اختفى، وإلى ما قد حدث وكان على مر الأزمان في علوم أخبار البحر والبحار، فصعد القارب وهو ينشد ما يشبه الأشعار: بحار وحبك في صدري كفوهة البركان.. بحار أداعب عاصفة الأمواج للإبحار.. بحار لا يحتار كيف يواجه الأحزان.. وعلى شاطئه يرسي طوفان الأفكار.. الحب إيمان أبداً لا تحرقه النيران.. أو يغرق أو يسقط في بر الأسفار.
فبينما هو على هذا الحال ينشد الأشعار رأى في منتصف البحر أمواجا تعلو على سطح البحر كالجبال وعاصفة قوية وأمطارا غزيرة كالغمام، وأشياء غريبة، فجن جنونه فانطلق بقاربه مسرعاً ولم يخشَ الأخطار، وعندما اقترب من الأمواج، كان هناك من يرميه، وعندما وصل إلى قمم تلك الأمواج طار به القارب من شدة سرعته إلى الشاطئ الآخر فاستدار به ليعود وإذا بشيخ يناديه توقف أيها الفتى، فتوقف حتى وصل ذلك الشيخ إليه وعانقه وضمه إلى صدره قائلاً له: “كم أنت مبارك أيها الفتى!” فسأله الفتى: من أنت أيها الشيخ؟، فدار بينهما حديث طويل حتى ذهبت العاصفة، فودع ذلك الشيخ الفتى قائلاً له: “سنلتقى قريباً إن شاء الله، وبتلك العلوم والأخبار عاد الفتى إلى شاطئه الأول في منتصف الليل فينظر هنا وهناك، ولم يجد من يحدثه أو يستمع إليه، فجلس وألقى بظهره على الأرض وأخذ ينظر إلى القمر، فأقبل جواده الأبيض وبدأ يقول:
“أيقظ الصمت فالرحيل قريب
وعلى مناه الأماني ذهاب
وابتغى ما أبدوه مجيب
وأمن الوصل حين يثاب
فالذي بيننا تخفيه بحور
ومن الناظرين إليه حجاب
قد يجمع الله الروح حديث
الحب ليس له ذنب وحساب”.
فعلى هذا الحال تمضي به الليالي والأيام والشهور والسنين على الشاطئ إذا نظرت إليه ظننته متسولاً، وإذا جالسته وجدته عالِماً، فإذا كنت تحب أن تسمع منه وتسأله عما تريده، وما يريد، فإن وجدته لا تنسى أن تسأله عن هدهد سليمان، فإن لم ينظر إليك أو يستمع لكلامك فتأكد بأنه ينظر إليه، فاستودعه وهو من سيبحث عنك.
**عبده محمد عبدالله**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى