المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالعاصمة عدن (1) موت سريري وتدهور مستمر

> استطلاع/ مسعود المسعودي

> ضاعفت أزمة المياه من معاناة سكان المدينة، وزادت من منغصاتهم اليومية، حتى بات سيلاً من اليأس يتسلل إلى نفوسهم، وحالة من الإحباط النفسي يتأصل في حياتهم من عدم وجود إصلاحات حقيقية للتخلص من هذا الكد والعناء والتذمر، في توفير حاجة الناس للمياه بضمان وصول الخدمة لمنازلهم دون انقطاع.
ومع تفاقم هذه الأزمة وشحة ضخ المياه لمنازل المواطنين القاطنين في الأحياء الشعبية البسيطة، والذين انجروا إلى البحث عن خيارات أخرى يضمنون بموجبها الحصول على مياه الشرب بدلا عن خدمات المؤسسة المتردية، ليقوموا بشراء الخزانات والمضخات، إلى درجة وصل الحد إلى حفر الآبار العشوائية، كما فعل سكان منطقة الممدارة شمال عدن، وحي شعب العيدروس بمدينة كريتر التاريخية.
في غمرة انشغال المواطنين في عدن، وتكبدهم عناء ومشقة البحث عن طرق إيجاد المياه، التي غدا الحصول عليها هما مؤرقاً تسبب بمضاعفة مشاكل إضافية على صعيد الأسرة والفرد، ما أثر على مختلف أشكال الحياة العامة، وأربكت أنشطة المواطنين اليومية.
ستفسارات عن ماهية الأسباب، ونوعية المسببات الفعلية لهذه الأزمة؟ وأين تكمن سبل معالجة مشكلاتها المتزايدة؟
فأخذنا في صحيفة «الأيام» على بذل كل ما يمكننا الإسهام به للكشف عن أسباب المشكلة التي أضحى يشكوا منها عموم المواطنين في العاصمة عدن، فذهبنا إلى الجهات المختصة في المؤسسة العامة للمياه، ووضعنا عدة تساؤلات أمام طاولة عدد من المسؤولين السابقين والحاليين، لعلنا نصل إلى إجابات شافية تريح حالة الهم وكدر الحياة التي يعيشها سكان المدينة بسبب هذا الانهيار.
بالبحث والتساؤل عن أولوية الأسباب التي تسببت في انهيار خدمة المياه يوضح المهندس علي عسكر، النائب السابق لمدير مؤسسة المياه والصرف الصحي في عدن أسباب الأزمة، ودوافع المشكلة، قائلا: “المشكلات كثيرة، ولكن يمكننا إيجازها، إن الكمية المنتجة لا تكفي للاستهلاك المتزايد، والآبار الحالية لم تعد تعمل بطاقتها الإنتاجية، وغالبيتها متوقفة عن العمل، زد إلى ذلك انقطاع الكهرباء المستمر، والذي أصبح يؤثر بشكل مباشر على تشغيل مولدات ضخ الآبار”.
*ممارسات عبثية يمارسها المواطنون*
ولفت عسكر إلى جملة من النقاط الهامة ردا على تساؤلات كثيرة طرحناها، قال: “أبرزها تتمثل بضعف ضخ المياه منذ فترة طويلة على أحياء سكنية واسعة من العاصمة عدن، كحي العيدروس في كريتر، وإشكالية انقطاع المياه تكون على فترات وليس لعامين كما يزعم البعض”.
ويضيف: “صحيح زادت انقطاع المياه خلال هذه الفترة نتيجة ضعف ضخ المياه من موقع الحقول، إلى جانب فأن سوء إدارة التوزيع للمياه يعد أحد المشكلات القائمة حاليًا، كما أن الممارسات العبثية التي يقوم بها المواطنون في تركيب مضخات كبيرة وربطها عشوائيًا بالخطوط الرئيسية، والعمل دون اكتراث بحقوق الآخرين على إنشاء خزانات أرضية واسعة للاستحواذ على أوفر وأكبر مخزون من كميات مياه الاستهلاك، وعلى حساب متطلبات جيرانهم في الأحياء المجاورة”.

ويشير إلى أن “هذه المشكلة أوجدت حالة من الفوضى، والتي تتحمل جانب من تبعاتها المؤسسة العامة، بسبب ضعف المياه الواصلة من الحقول، ونتيجة عدم وجود المحركات الغاطسة لتشغيل الآبار المتوقفة التي يزيد عددها بأكثر من عشرين بئرا”.
*أسباب توقف حقل (الروة)*
يستطرد عسكر مذكرا بـ(حقل الروة) بمحافظة أبين، والذي يعد من أفضل حقول المياه، من حيث الوفرة والنوعية، قائلا: “إن من أسباب توقف هذا البئر يعود لأسباب سياسية – حد قوله - ونتيجة تحريض مارسته السلطة المحلية في محافظة أبين في عام 2009م برفض تزويد محافظة عدن بمياه (حقل الروة) بحجة أن عدن وحدها المستفيد من تلك المياه، فيما أبناء أبين محرمون منها”، حسب كلامه.
يصف عسكر مزاعم السلطة المحلية في محافظة أبين، وتبريراتها الواردة في السياق بـ“الباطلة والكاذبة”، منوهًا إلى أن “المؤسسة العامة للمياه قد حفرت لهم تسعة آبار جديدة في مدينة جعار، إلى جانب إعطائهم حصة 30 % من الكميات المنتجة من (حقل الروة)”، وقال: “الحكومة لم تقدم شيئًا في السابق، وما تقدمه اليوم هو الكثير من الوعود غير المنفذة”.
إحدى المضخات العاملة
إحدى المضخات العاملة

وقال: “إن أول خطوة ينبغي القيام بها لإصلاح وضع خدمات المؤسسة وإيصال احتياجات المواطنين من مياه الشرب والاستهلاك هي أن يتم إعادة تأهيل محطات الضخ الرئيسية والفرعية، وملحقاتها، بالإضافة إلى توفير موازنة للصيانة والتشغيل بصورة دورية منتظمة، وفرض رقابة صارمة على تنفيذها، ما قد يساعد ذلك على إعادة تأهيل وإصلاح خطوط الضخ المتهالكة، وإزالة المعوقات المعرقلة لتحسين أداء المؤسسة بواسطة معالجتها بالمزيد من الإصلاحات الجذرية”.
*الحملة التحريضية أثرت في المؤسسة*
قمنا بأخذ جميع النقاط والأسئلة إلى المدير الحالي لمؤسسة المياه والصرف الصحي المهندس سالمين علوي علي، للتعرف على الأسباب الأولية وراء أزمة المياه، وما هي حلولها، وأين توصلت المؤسسة في تنفيذها؟
يوضح في السياق مدير عام المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي، سالمين علوي علي، بالقول: “المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في عدن تعد مؤسسة خدمية مستقلة في إيراداتها، فمنذ استقلالها عن المركز في صنعاء من عام2000م وهي تمر بعدد من المشاكل، وبالعديد من الأزمات المتفاقمة”.
ويضيف سالمين: “وأبسط المشكلات التي تصادف المؤسسة تؤثر بشكل ملاحظ على المواطنين، وتنتج عجزًا وأزمة خانقة تخنق المواطن، حيث شهدت المؤسسة عددا من أشكال الفساد في السابق من تبذير في مال المؤسسة للسفريات والصرفيات غير القانونية، فكانت إيرادات المؤسسة من تحصيل الفواتير تصل إلى 2 مليار سنويا، وكانت تضخ أموال ضخمة”.
ويواصل: “وقد تركزت عملية الفساد في الاتفاقيات مع القطاع التجاري وعدد من المشاريع الصغيرة، والذي نؤكد من جانبنا على مضينا في مكافحته، وهذه الأمور كانت من مسببات الأزمة المالية، بالإضافة إلى تعيينات المدراء السابقين بصورة متتالية، وسوء الإدارات السابقة، أما نحن فقد تم تعيينا في وقت قريب، وتحملنا المسؤولية في ظل أوضاع صعبة مرت بها المؤسسة”.
ويرجع سالمين جانبا من أسباب تدهور وضع المؤسسة إلى أزمة السيولة في امتناع المواطنين عن سداد فواتيرهم، وهذه المشكلة جاءت للأسف إثر حملة تحريضية من أطراف عدة بدأت منذ عام 2011م، ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا.
*مديونية المؤسسة 12 مليار ريال*
وعن حجم مديونية المؤسسة لدى المواطنين والإحصائيات المتعلقة بها يوضح مدير عام مؤسسة المياه بعدن “تبلغ مديونية المواطنين للمؤسسة 8 مليار، وهو مبلغ كبير كانت المؤسسة تتكئ عليه، أما اليوم فقد أصبح هذه المبلغ معدوما حالياً”.
مديونية المؤسسة
مديونية المؤسسة

وبالنسبة حجم المديونية العالقة على ذمة المنشآت الحكومية وغيرها من المؤسسات قال: “المشكلة كبيرة ـ أيضاً ـ مع القطاع الحكومي، فهي لا تسدد ما عليها من مستحقات، فقد بلغت مديونيتها إلى أربعة مليارات ريال، لتبلغ إجمالي الديون العالقة إلى 12 مليار ريال، وهو ما أدى إلى هذا العجز”.
ويكشف مستطرداً “إن من ضمن المشكلات المادية التي تواجه المؤسسة توقف مشروع الدعم من الدولة الذي كان يضخ سنويا بحساب المؤسسة من 2 إلى 3 مليار ريال تم توقيفه منذ سنوات، ولا توجد أي بوادر لعودة هذا المشروع، وهذه الأسباب كلها أوصلت المؤسسة إلى حافة الانهيار المادي، وهذا ما عكس نفسه على تردي الخدمة وضعفها عن تقديم الإصلاحات اللازمة، ما تسبب عن توقف صرف مرتبات العاملين”.
ورداً على سؤال عن المشكلات الخارجية التي تعترض منشآت مؤسسة المياه أجاب سالمين: “فقدت العاصمة عدن في عام 2009م حقل (الروة) بمحافظة أبين، الذي تم توقيفه عن ضخ المياه إلى العاصمة، ومن لا يعرف حقل (الروة) فهو كان من أكبر الحقول الذي كان يغذي عدن، ويعتمد عليه وفق تقارير المهندسين بنسبة 34 % أي بضخ 12 مليون متر مكعب”.
وعن أسباب توقف حقل (الروة) وموعد عودته للخدمة قال: “نعمل حاليا على مناقشة عودته مع رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، والذي كان قد وجه محافظ أبين أبوبكر حسين سالم للقاء بنا في أقرب وقت، لكن ما يؤجل اللقاء هو انشغال المحافظ في هذه الفترة”.
ويستطرد: “عدن تعاني من قلة الآبار ومخزون المياه وهذه مشكلة طبيعية، لكنها زادت مع تفاقم التوسع العمراني والكثافة السكانية في المدينة، والتي زادت من نسبة استهلاك المياه مع ثبات عدد الآبار وبنفس مستوى الضخ، وهذا ما تسبب بضعف خدمة إيصال المياه، فعدن تمتلك ثلاثة حقول، وهي حقل بئر أحمد، وبئر ناصر، وحقل دير المناصرة”.
ويشرح مفصلاً: “بئر أحمد فيه 42 بئرا، العامل منها 38 بئرا، والمتوقف 4 آبار، وبئر ناصر 46 بئرا، والعامل منها 36 بئرا فقط، والمتوقف 10 آبار، أما عن حقل دير المناصرة، ففيه 29 بئرا، الصالح منها 25، والعامل 13 بئرا، وسبب توقف بعضها هو الملوحة الزائدة فيها”، مردفاً: “فإجمالي العجز في الآبار 80 بئرًا من أصل 110 بئرًا”.
وعن سبب فقدان عدن لهذه الآبار وخروجها عن الخدمة، والتي تأتي في مقدمتها انقطاع الكهرباء المتكرر الذي بدوره يوقف نشاط المضخات العاملة، وكذا خروج عدد من الخزانات عن العمل مثل خزان عبد اللطيف في البرزخ، والذي انهار بفعل الحرب الأخيرة على عدن، وقلة الديزل المشغل لمضخات الآبار، وكل هذا ـ أيضا ـ يأتي ضمن أسباب الأزمة المالية في المؤسسة.
وبشأن أبرز الحلول الموضوعة لسد العجز في مصادر مياه عدن يقول سالمين: “نعمل الآن بتوجيهات رئاسة الوزراء، التي طالب فيها محافظ أبين بالجلوس معنا لاتخاذ الخطوات اللازمة لعودة حقل الروة، وتجري حاليا عمليات إصلاح من قبل الأخوة في الهلال الأحمر الكويتي في الحقل، فقد أكملوا عملية تأهيل 10 آبار، والآن يجري تأهيل 9 آخرين، سيكون لدينا 19 بئرا جاهزا، ويبقى منه 24 بئرا، ولكن تلك الآبار تقع على حدود مواطنين ونسعى لإخراجهم منها”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى