المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالعاصمة عدن (3) تدهور مستمر وموت سريري

> استطلاع/ مسعود المسعودي

> منذ ما يقارب العامين وعدن تواجه أزمة مياه، حيث يلجأ معظم سكانها إلى جلبها من آبار الجوامع أو القيام بشرائها بواسطة “الوايتات”، وبعض السكان اندفع إلى حفر الآبار العشوائية وسط الحارات الشعبية، كما يحدث حاليا في منطقة الممدارة بالشيخ عثمان.
وبرغم سيل المناشدات والاستغاثات التي يوجهها الأهالي لمسؤولي المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي بسرعة إنقاذهم من الرمضاء والعطش إلا أن قيادة المؤسسة تقف عاجزة تماما عن توفير المياه للمواطنين.
بسبب ما يرجعه بعض المسؤولين في المؤسسة إلى تحديات جمة تواجه المؤسسة، تتمثل بالوضع المالي الصعب جراء امتناع المستهلكين عن دفع ما عليهم من مستحقات، فضلا عن الاعتداءات على ممتلكاتها من منشآت وعربات وأعمال سطو طالت مضخاتها ومخصصاتها من الديزل ومعدات التشغيل، والتي أضرت كثيرا بمنظومة الصيانة، وتهدد مستقبل المؤسسة بالانهيار التام.
يلخص موظفو المؤسسة العامة للمياه في عدن جانبا من المشكلات التي تواجه نشاط المؤسسة، والمتمثلة في:
- انقطاع التيار الكهربائي باستمرار، والذي انعكس سلبًا على خدمة المياه، وأصبح الاعتماد على المولدات الخاصة والوقود ما حمّل المؤسسة أعباء مالية إضافية.
- انتهاك شبكات المياه وتنامي سرقة الموارد المائية من قبل ضعفاء النفوس.
- تضرر عدد من منشآت وشبكات المياه والصرف الصحي جراء عمليات التخريب المتعمدة.
- الخلل في نشاط المؤسسة وعدم التزامها بالقوانين الخاصة بلوائح الخدمة المدنية في منح العلاوات والامتيازات المستحقة.
يقول مسؤولو المؤسسة: “إن عزوف المواطنين عن سداد الفواتير ساعد إلى حد كبير بإضعاف الموارد المالية اللازمة لتغطية نفقات الصيانة والتشغيل، والتسبب بتدهور حاد للوضع المالي للمؤسسة”، مشيرين إلى أن “إجمالي عدد المستهلكين المشتركين في مؤسسة مياه عـدن 122,791 مشتركا”.
ويضيفون: “إن مستوى مبيعات مؤسسة مياه عـدن بلغت حتى مطلع العام الماضي حوالي 324 مليونا و603 آلاف ريال، لكـن ما تم تحصيله فعليًا 79 مليونا 348 ألف ريال لا غير، الأمر الذي أدى - حد قولهم - إلى عجز مالي كبير في تغطية نفقات الصيانة والتشغيل، ناهيك عن العجز في دفع مرتبات وأجور موظفي وعمال المؤسسة البالغ عددهم 2065 موظفًا وعاملًا، فيما وصلت مديونية المؤسسة إلى حوالي 12 مليار ريال يمني في العام الماضي”.
وتحدثوا عن أن “إجمالي طول شبكة مياه عـدن تبلغ 1094 كيلو متر، تغطي نسبة 74.98 % من الخدمات السكانية المنزلية، والتي تضخ بواسطة 3 محطات ضخ رئيسية و5 فرعية، فيما يبلغ طول شبكة الصرف الصحي في عـدن 365 كيلو متر، وتوفر الخدمات السكانية المنزلية بنسبة 63.86 % بواسطة 62 محطة ضخ رئيسية وفرعية”.
وأشاروا إلى أن “مؤسسة مياه عـدن تمتلك 3 حقول رئيسية، وفيها عشرات الآبار الارتوازية التي تعرضت بعضها للنضوب، والأخرى للتلوث، نتيجة حفر بؤر مياه المجاري العشوائية بالقرب منها”.
*أزمات تسبب بإضعافها*
تعرضت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي لعدد من الأزمات التي تسببت في إضعافها وانهيارها، فقد واجهت المؤسسة مشكلات وقضايا فساد سابقة، كشف عنها عدد من مسؤولي المؤسسة، والتي تمثلت في اللعب بالمال العام للمؤسسة عن طريق عدد من المشاريع التجارية والاتفاقيات الاقتصادية، وكذا عن طريق الصرف للسفريات والإجازات، بذريعة أنه جزء من العمل.
هذه القضايا كانت سببًا في انهيار المؤسسة ماليا، أما حال كشف قضايا الفساد فالكل يتحملها ـ كما قال لنا أحد العاملين في المؤسسة ـ وإن الفساد قد انتشر بشكل أوسع بعدد من الفترات، والأغلب يمتنع عن كشفها، وذلك تجنبا لكشف أسرار فساده، وهذا لغياب دور الرقابة والإشراف.
من الأزمات التي أثرت بشكل كبير على دور المؤسسة هي أزمة 2011م، والتي بدأت معها حملة وقف تسديد الفواتير أحد مسببات الانهيار في المؤسسة ـ حد تعبير القائمين عليها - ومن ثم استمرت المشكلة وتفاقمت مع الحرب الأخيرة التي شهدتها عدن، حيث تضررت عدد من المنشآت التابعة المؤسسة بفعل الحرب، وكذا غياب الدولة والحكومة كان له أثر بغياب جميع المشاريع الإسعافية للمؤسسة، وثم تلتها أزمة ما بعد الحرب التي تمثلت بعدد من القضايا، كان أبرزها تغيير ثلاثة مدراء بفترة بسيطة لا تتعدى العام، وجاءت الخطوة بعد أن وجه في العام الماضي محافظ عدن السابق اللواء عيدروس قاسم الزبيدي لجنة للإشراف والتقييم للمؤسسات والمدراء برئاسة المهندس عدنان الكاف.
*إقالة المدراء السابقين*
أقرت اللجنة بعد النزول على إقالة مدير مؤسسة المياه، وإقالة نائبه لشؤون المياه، والنائب لشؤون الصرف الصحي، حيث اقترحت اللجنة تعيين خالد غالب الحربي مديرا عاما للمؤسسة للمياه والصرف الصحي، وتكليف المهندس وضاح أحمد أمين نائب لمدير المياه لشؤون المياه، والمهندس جلال صادق جاوي نائب لشؤون الصرف الصحي، ووافق عليها المحافظ الزبيدي، وأقال من رفعت أسماؤهم، وعين البدلاء، وتم التسليم، وقد صدر هذا القرار بتاريخ 15\6\2016م.
صورة من الوثائق
صورة من الوثائق

ولكن هذا الأمر لم يستمر كثيرا فمن تم تعيينهم قدموا استقالاتهم جميعا بعد عجزهم عن تقديم شيء، وقد صدم هذا القرار اللجنة، وبعد الاستقالة الجماعية كلف المحافظ السابق الزبيدي، سالمين علوي علي المدير الحالي للمؤسسة.
*تجاوزات أمنية*
مشكلة أخرى أضرّت بالمؤسسة وتسببت بانقطاع المياه لفترة طويلة عن أحياء ومناطق عدن، إثر مداهمة طقم عسكري لحقل بئر أحمد، وقام باعتقال الطاقم المناوب وإيداعهم سجن المنصورة بعد ما تناقل عن خبر سرقة شحنة الديزل المخصصة للحقل، التي تقدر بـ12000 لتر، لكن المؤسسة نفت تلك التهم، وأوضحت أين ذهبت شحنة الديزل، وقالت: “إن 1000 لتر قد ذهبت الى مضخة (المجزرة) بمديرية البريقة، و5000 لتر قد وزعت لحقل بئر أحمد، و6000 لتر كانت لحقل بئر ناصر”.
هذه الحادثة كانت خلال الفترة القليلة المؤقتة من تولي الوكيل الشاذلي مهام أعمال مدير مؤسسة المياه، وقد طالب الشاذلي حينها الشيخ مهدي العقربي بمساعدته على حل المشكلة، كونه شيخ منطقة بئر أحمد، وتواصل الشيخ مهدي مع عدد من الشخصيات لوقف تداعيات الأزمة التي تسببت بتوقف ضخ المياه عن جميع أحياء العاصمة عدن.
وواجهت مؤسسة المياه عددا من الصعوبات في فترة المدير خالد غالب المعين من اللواء عيدروس الزبيدي، محافظ عدن بتلك الفترة، قبل أن يقدم استقالته فجأة عن مواصلة عمله في خطاب مكتوب وجهه إلى محافظ عدن.
*اتهامات متبادلة*
اليوم تبرز مشكلة أخرى تضر بالمؤسسة، وهذه المرة بين أبناء المؤسسة نفسها، وهذه المشكلة تكشف العديد من الأسرار وراء تبادل التهم، فيما يتعلق بفشل عدد من المشاريع، أو محاولة إفشالها وتشويه صورتها.
وقد أعلن عنها نواب المؤسسة، وهما المهندس زكي حداد، النائب لشؤون الصرف الصحي، والمهندس علوي المحضار النائب لشؤون المياه، حين شكوا لـ«الأيام» عن تدخل المدير سالمين بصلاحيات النواب، وطالبت بوقفها والكف عن التدخل بجميع الصلاحيات الموكلة لهم.
لكن مصدر مطلع كشف لـ«الأيام» أن المدير الحالي سالمين علوي علي يتعرض لحملة شرسة من قبل الإدارة السابقة للمؤسسة تهدف إلى ما سماها محاولة إزاحته وإعاقته بعد كل الإنجازات التي قدمها خدمة في سبيل النهوض بالمؤسسة على عكس ما قامت به تلك الإدارات السابقة، التي قادت إلى انهيار المؤسسة ماليا، وبالتالي عجزها عن تقديم خدماتها.
وتقول بعض المصادر إن المدير الحالي للمؤسسة سالمين ينقصه خبرة التعامل مع مثل هذه القضايا، وإنه بحاجة إلى تأهيل إداري، أما عن نشاطه في خدمة المؤسسة فهو يبذل الكثير وبدأت جهوده يتلمسها المواطنين.
*مشكلات بعض الحارات*
يعاني حي العيدروس العريق في مدينة كريتر بالعاصمة عدن من مشكلة أرهقت بساكني الحي وأوصلتهم إلى حالة من الإحباط واليأس نتيجة انقطاع المياه عن الحي لأكثر من عامين.
يقول أهالي الحي إن معاناتهم مع أزمة المياه الخانقة بدأت منذ أكثر من عامين، دون أن تكون هناك مبادرة من قبل مؤسسة المياه للشروع بإصلاحات تحد من المشكلة ولو جزئيا.
ويشير المواطن رشاد علي طاهر، من سكان الحي، إلى أن الأهالي لا يتمكنون من النوم جيدا بسبب وصول القليل من الماء في وقت متأخر من الليل، وأحيانا لا يصلهم إلا فجرا ولدقائق معدودة، ما يضطر الأهالي إلى السهر والمكوث طويلا أمام (الدينمات) ومواطير الكهرباء.
وأوضح أن أغلب ساكني الحي باتوا يمتلكون مواطير كهرباء ودينمات لسحب المياه، وهو ما مثل عبء مضاعف للمواطنين، ويؤكد ضعف مؤسسة المياه وعجزها منذ تحرير عدن عن تقديم أي شيء لصيانة شبكة ضخ المياه في العاصمة عدن.
وأكد أهالي الحي أن هذه المشكلة قد بدأت تخف، وإن كانت بصورة بطيئة خلال الأيام الماضية، مطالبين في السياق ذاته قيادة المؤسسة أن تضع حدا لظاهرة الربط العشوائي لشبكة المياه العمومية، ومنع تشغيل المضخات الخاصة التي تعيق وصول المياه بطريقة طبيعية إلى منازل المواطنين، لاسيما تلك الواقعة في الأماكن المرتفعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى