مواطنون لـ «الأيام» يستطردون شريط ذكرياتهم المؤلمة من وسط بيوتهم المدمرة.. (1) عامان من انتهاء الحرب ولا يزال الأنين يتعالى من تحت الأنقاض

> تحقيق / وئـام نجيب

> حالات أسرية مازالت تعاني بصمت ما أصابها من بلاء ونكبة، وصرخات وآهات ما انفكت تتصاعد من تحت ركام البيوت المهدمة، والجدران المهجورة، والذكريات المطمورة، عقب عامين من أن وضعت الحرب أوزارها، وصمتت أزيز القصف والمدافع، لتعود الحياة هادئة إلى طبيعتها في عـدن، تلك المدينة المسالمة التي مازالت تلملم جراحها بهدوء، وتسرد أوجاعها دون ضجيج.
في الوقت التي تقول فيه السلطات المحلية في عدن إنها قامت بأعمال رصد وحصر كامل للمنازل المتضررة في إطار المحافظة، إلا أن هناك مقابلات أجرتها «الأيام» مع مجموعة من المواطنين المتضررين، الذين تدمرت منازلهم ولا يزالون يعيشون حياة التشرد والشتات، ذكروا للصحيفة عدم قيام أية جهة رسمية أو منظمة محلية أو دولية بالنزول إليهم لتقييم الضرر والدمار الذي لحق بمنازلهم الخاصة، وما زالوا يتجرعون بسبب ذلك صنوف المعاناة والمهانة.
في زيارة ميدانية قامت بها «الأيام» لتسلط الضوء على جانب من الأوضاع الصعبة، والظروف القاسية، التي تعاني منها العديد من العائلات ممن تعرضت مساكنها للدمار والانهيار، وباتت تقف على حافة الانتظار والاستغاثة بأن تسرع الدولة إلى إعادة بناء منازلها، أو القيام بدفع التعويضات العادلة حتى تتمكن من إصلاحها وترميمها والعودة إليها بعد فراق قسري فرضته عليهم ظروف الحرب.
*نسكن في عمارة متفحمة*
كان لقاؤنا مع عائلة المواطن أحمد محمد عبدالله القشبري (72 عامًا) الذي حدثنا بصوت متهدج بالحزن والنبرة المريرة، شاكيًا ما يعانيه وعائلته المؤلفة من عشرة أفراد من أوضاع صعبة، وظروف معيشية معقدة، بعد أن أحرقت فوهات المدافع منزله الوحيد، لكنه آثر البقاء فيه برغم ما يعتريه من خطر السقوط على رؤوس قاطنيه.
يقول المواطن القشبري: “كنت أنا وعائلتي نسكن منزلًا في عمارة تقع بحي (الأحمدي) بمديرية خور مكسر، لكن الحرب أحرقت العمارة، وأحرقت كل شيء فيها، وكنا مجبرين على النزوح أثناء ذروة المعارك التي شهدتها المديرية في تلك الفترة”.
يواصل: “بعد انتهاء الحرب عدنا من موقع نزوحنا، لنتباغت بحجم الخراب الذي لحق بمسكنا، فجميع سكان العمارة لم يعودوا يتواجدون فيها، باستثناء عائلتي التي أجبرت بالمكوث في أحد منازل العمارة المهددة بالانهيار بأي وقت”.
ويضيف: “لم أستطع تأجير أو توفير مسكن آخر لعائلتي للإقامة فيه، فظروفي المادية لا تسمح، ودخلي محدود لا يتجاوز الـ28 ألف شهريا”. وأردف مختتمًا: “ما يحزنني هو ما نقاسيه من إهمال وتجاهل من قبل الحكومة والمنظمات المعنية التي تركتنا نعاني ما نعانيه، على الرغم من تقييد قضيتي في مكتب الإنشاءات على ضوء ما أوضحته لجنة زارتنا بعد الحرب، وأفادت بضرورة الهدم والإزالة، لكن كان كلامها مجرد كلام لا أكثر”.
*(الستائر) هي من تسترنا*
في مديرية خورمكسر في (حي السعادة) التقينا بإحدى العائلات المنكوبة، وهي عائلة المواطن ناصر علي عبدالله الميسري 56عامًا التي تعرض منزلها للقصف مرتين من سلاح الكاتيوشا التي تم إطلاقها من منطقة جعولة - شمال عدن ـ ومن عبر غارة جوية خاطئة،
حيث قال: “نحن حاليا نسكن في البيت أنا وعائلتي ووالدي، وهو العائل الوحيد، ومعاشه 48 ألف ريال”، مضيفا: “منزلنا البسيط لم يتحمل كل ذلك الدمار، وهو مصنوع من الخشب، وسقفه “سيبيستو” وقد تدمر تمامًا، لم نحتمل ذلك ونزحنا في بادئ الأمر إلى بيت الأهل، ثم توجهنا إلى منزل للإيجار ومكثنا فيه شهرا واحدا، واضطررنا عقب ذلك إلى العودة المنزل بسبب عدم قدرتنا على دفع تكاليف الإيجار”، مستطردًا: “حاليا نسكن فيه وتسترنا مجموعة من الأقمشة والستائر”.
خور مكسر
خور مكسر

وقال: “أتتنا لجنة حصر من مهندسين وقد أقروا بأنه لا بد من إزالة منزلنا كليًا، ولازلنا ننتظر تنفيذ الوعود، أما بالنسبة للتعويضات فقد أجابني المهندسون بأن من لديه معروف سيحصل على التعويضات”.
ويختتم: “تابعت إحدى المنظمات التي تعمل على تقديم المساعدات للمنازل المتضررة، وتقوم بدفع قيمة إصلاح كل سطح منزل متضرر بواقع ألف دولار، وعندما حضرت المنظمة إلى منزلنا أفادت بأن تكلفة إصلاح سطح منزلنا يتجاوز حجم المبلغ المرصود”.
*يتيمات بجوار بيتهن المنهار *
في مدينة كريتر تسكن أرملة وأربعة يتيمات، هي عائلة النائب البرلماني السابق المرحوم إشفاق محمد عبد الرزاق عبدالمجيد، والتي ما زالت تقيم في منزل مستأجر لا يبعد كثيرًا عن منزلهن المدمر، إثر تعرضه للقصف الجوي.

تقول حرم المرحوم إشفاق، مجسدة مأساتها ومعاناة بناتها اليتيمات: “تعرض منزلي الكائن بحي (القطيع) بمدينة كريتر لقصف الطيران، والذي قضى على كامل جدرانه، ما أجبرنا أنا وبناتي على تأجير مسكن في ذات المنطقة التي يقع فيها منزلنا المدمر، بـ40 ألف ريال شهريًا، وهو ما يؤثر على حاجتنا من مطلب الطعام والالتزامات الحياتية الأخرى، لكننا مرغمات على تحمل هذا الوضع المؤلم الذي فرض علينا”.
وأضافت: “الدور الحكومي ضعيف، لا يتعدى سوى تقديم وعود عابرة في كل مرة بإعادة بناء المنازل المتضررة، وعن دفع التعويضات العادلة، وتحمل تكاليف الإيجارات لكل أسرة تهدم منزلها وأصبحت مهددة بالعيش في العراء”.
وأردفت قائلة: “ظروف الناس في عدن صعبة للغاية، في ظل الارتفاع المستمر للسلع الغذائية، وتأخر الحكومة عن دفع رواتب ومعاشات الكثير من الموظفين”.
وعبرت في الختام عن “أملها في أن تفي الجهات الحكومية بالتزاماتها ووعودها المتكررة تجاه العائلات المنكوبة، وسرعة العمل على إيجاد حلول ناجحة تنهي مشكلاتها ومعاناتها”.
*انهار بيتنا وانهارت أحلامنا*
تقول المواطنة أم أصيل محمد درعان – 50عاماَ - معلمة: “منزلي يقع ضمن عمارة بسيطة في حي البادري، والذي أقطن فيه وعائلتي الكبيرة”.

وتضيف: “أثناء عملية القصف المتواصلة كان الشباب في الخارج قد رأوا الطابق العلوي يتحرق”، وتواصلوا معنا، “فروا حين اشتد القصف للخروج من مسكننا، كانت الدبابة وقتها تضرب من جهة مبنى إدارة مؤسسة المياه، حاول شباب الحي جاهدين إخماد الحريق وسط رصاصات القناصة، تمكنا بصعوبة في الخروج من منزلنا، ونحن مصابون بحالة هلع شديدة، وعندما خرجنا شاهدنا بأم أعيننا منزلنا ينهار وتنهار معه أحلامنا”.
وتضيف، والحسرة بادية على وجهها: “أنا مطلقة أعيش مع ابني وأبي المسن، وللأسف لم تتواصل معنا أية جهة حكومية، وأناشد كل من يهمه الأمر بالنظر إلى ما نتكبده من معاناة وأن يتم ترميم مسكننا، ويكفي عبث بالمواطنين والمتاجرة بمعاناتهم”.
*لم يبقَ من الدار إلا بقايا غبار*
تروي حرم الشهيد حسين عبدالله هيثم، الذي قتل داخل منزله أثناء سقوط جدرانه إثر وقوع صاروخ لغارة جوية على حي القطيع بمدينة كريتر يوم 27 أبريل 2015م.
تقول المرأة المكلومة: “زوجي كان ضحية هذا القصف الذي حول منزلنا إلى ركام، استيقظنا عند الساعة السابعة صباحا على وقع الصدمة بانهيار كامل جدران المنزل، شاءت الأقدار أن ينجو كل أفراد المنزل ما عدا زوجي المسكين الذي لقي قدره في ذلك اليوم الأليم”.
عدن - كريتر
عدن - كريتر

وتكمل: “خرجت بمفردي إلى الشارع، وأنا في حالة هستيرية تامة، كنت أستغيث أمام الناس انقذوا “عيالي وزوجي وبيتي” عندها هرع إلينا الناس لمساعدتنا، استطاع سكان الحي من إخراج أبنائي باستثناء زوجي، الذي دفن وسط الركام” مستطردة: “عندما خرجنا إلى الحارة كان المشهد مخيفا للغاية، فوضى وعويل نساء وصرخات أطفال، صورة يصعب وصفها، بعدها حاولنا لملمة جراحنا وما تبقى منا ومضينا إلى حيث لا نعلم إلى أين نذهب، وبعد أن تحررت عدن أتينا إلى حارتنا واستأجرنا شقة بـ50 ألف ريال، ومن يومها لم تتواصل معانا أية جهة حكومية، وقمنا بالتسجيل في مكتب الإنشاءات ليعملوا على ترميم منزلنا دون أن يلتفت إلينا أحد حتى الآن”.
*أين هي فرق الحصر والتعويض ؟! *
في مديرية المعلا حيث يقع منزل الموطن فكتور عبدالواحد محمود الحكيمي - 39 عامًا- وهو والد لأربعة أطفال، في منطقة (حجيف).
يسرد رب الأسرة معاناته قائلا: “إلى يومنا هذا ونحن لا نعلم ما الذي حصل لمنزلنا، وعن طبيعة القصف الذي سوى جدرانه بالأرض بعد نزوحنا منه”.
ويواصل: “عندما كنت أنا وعائلتي مسافرين بعث لي أحد الأصدقاء صور حطام منزلي، حينها أصبت بصدمة كبيرة كادت أن تعصف بي، تجاوزت ذلك واضطررت في تسخير كل مرتبي في (هكبة) على أمل التمكن من إعادة بناء منزلي من جديد، ما جعلني أتكبد بمعية زوجتي المزيد من العناء نتيجة العمل الإضافي، الذي أجبرنا على القيام به لإعالة أطفالنا”.

يضيف: “حاليًا أسكن في منزل مستأجر بـ25 ألف ريال شهريًا، ولم يصلنا حتى الآن أي فريق حكومي لحصر وتقييم الأضرار التي لحقت بمنزلي، وما نسمعه مجرد وعود في وعود، بينما من تعرض منزلهم لأضرار طفيفة جرى تعويضه، وكلما ذهبنا لمتابعة مكتب الإنشاءات، يقولون لنا أصحاب المنازل المتضررة كليًا ليس وقتها الآن، ولا تزال ملفاتنا مركونة في دهاليز مجهولة إلى أجل غير مسمى”.
*أقيم في فندق بعد فقداني لمنزلي*
يصف المواطن أحمد عبدالله درعان- 70 عاماـ معاناته الصعبة: “أنا رب أسرة من ثمانية أفراد، هربت بمعية عائلتي للنجاة بأرواحنا، وعند عودتي وجدت بيتي وقد تحول إلى رماد لم يتبقَ منه أي أثر”.
ويواصل: “كنا نسكن في عمارة بحي (عبدالعزيز) بمديرية المنصورة، تعرضت للحريق إثر قذيفة حولتها إلى بقايا رماد، وحاليًا أقيم أنا وأسرتي في حجرة بفندق بمديرية المعلا، وفره لنا أفراد المقاومة بعد أن سدت أمامنا السبل، ولم يبقَ أمامنا أي طريق للعثور على مسكن آمن للعيش”.
وقال: “حتى الآن لم تصل إلينا أية منظمة، أو فريق مكلف من الحكومة لتقييم وتحديد حجم الضرر الذي تعرضنا له”.

«الأيام» تواصل النشر غدًا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى