الوباء في عدن.. إجراءات متأخرة في مكافحة انتشاره..غياب الرصد المبكر للكشف عن الكوليرا ساعد على تفشيه بين المواطنين

> تقرير/ رعد الريمي

> منذ أن ظهرت الكوليرا باليمن في أكتوبر 2016م وتفشيها على نحو خطير في شهر ابريل للعام الجاري، لم تسهم الجهود الوقائية من قبل وزارة الصحة والمنظمات الدولية والمحلية في كبح جماحه وأصبح يفتك بأرواح الكثير من الناس، حيث انتشر المرض في 20 محافظة يمنية.
وبحسب منظمة اليونسيف والصحة العالمية فقد قتل هذا المرض أكثر من 1400 شخص، ولا يزال العدد في تزايد، الأمر الذي وصفته منظمات دولية بالقول: إنه تعصف باليمن أسوأ فاشية في العالم، بحسب تصريح مسؤول أممي حيال الوضع في البلاد.
*الأطعمة والانتقال الآدمي*
في محافظة عدن، بدأ تسجيل الحالات المصابة بالكوليرا منذ 15 ابريل 2017 وحتى 30 يونيو 2017، وبلغ إجمالي إحصائية حالات الإسهال المائي الحاد 8036 حالة، فيما بلغ عدد الوفيات 44 حالة، في حين أن معظم الحالات قد تعافت ويوجد عدد قليل من الحالات لازالت تتلقى العلاج حالياً.
وقد تم فحص عينات عشوائية عن حالات الكوليرا الإيجابية التي أصيبت بالمرض وتم شفاؤها منه، نحو 50 حالة، ولوحظ أن معظم الحالات تتركز في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وفي مناطق الوضع البيئي المتردي من حيث إمدادات المياه والصرف الصحي وخدمات التيار الكهربائي مثل أحياء العيدروس والخساف في مديرية صيرة، وأحياء الشيخ اسحاق، وحارة الريل في مديرية المعلا، ومناطق العشوائيات وباصهيب في مديرية التواهي، ومخيم المهاجرين في البريقة.
كما لم يثبت فحص بعض عينات المياه شبهة تلوثها بالكوليرا، ويظهر المصدر الرئيس للإصابة هو الأطعمة الملوثة، والانتقال المباشر بين الأفراد.
*الترصد الوبائي والاستيقاظ المتأخر*
إن احتواء الأوبئة وتدبير الحالات لمكافحة هذا المرض يعتمد بشكل كبير على وجود ترصد وبائي ومختبري وطني ملائم، يمكِّن من خلاله الاكتشاف المبكر للأوبئة، وبموجب الخطط العالمية فإن الحلول للحد من انتشار وباء الكوليرا أو أي وباء ينتشر في أصقاع العالم يعتمد على تفعيل جرس إنذار مبكر من شأنه أن يسهم في تفعيل خطط عاجلة وطارئة لكبح جماح استشراء المرض وسريانه في المجتمع المحلي، والذي ينبغي التنبه له من خلال ظهور أول حالة تشهدها المدينة، وهو ما يؤكده مدير الرعاية الصحية مصطفى راجمنار بالقول: “إن الكوليرا انتقلت لعدن عبر الأفارقه المهاجرين والبالغ عددهم ستة، كانوا قد أصيبوا بالكوليرا وتم علاجهم في مستشفى الصداقة ومنها انتشر المرض في محافظة أبين لينتقل إلى بقية المحافظات.
مرضى مصابين بالكوليرا باحدى المستشفيات
مرضى مصابين بالكوليرا باحدى المستشفيات

هذا الإثبات لم تقابله يقظة مسؤولة من قبل وزارة الصحة ومكاتبها المعنية، ولا من المنظمات الدولية، بل على العكس الأمر الذي مثل وصمة عار على تقاعس الجهود التي تبذلها وزارة الصحة ومكاتبها وكذا المنظمات الدولية وأجهزتها الخاصة بالترصد الوبائي.
إذ ينبغي أن تشكل غرف عمليات وترصد لمتابعة خطورة انتشار الكوليرا كجزء من نظام متكامل لرصد المرض ووضع الحلول الجذرية لاستئصاله نهائيا.
تكشف جميع التعليقات على المستوى المحلي وتبادل المعلومات على المستوى العالمي، عن أن حالات الكوليرا تستند إلى أساس الاشتباه في أعراضها السريرية لدى المرضى الذين يعانون من إسهال مائي حاد ومزمن، ومن ثم يتم التأكد عبر الفحوصات المختبرية والباطنية هذا الاشتباه بواسطة تحديد ضمات الكوليرا في عينات البراز المأخوذة من المرضى المتأثرين بالكوليرا.
ولا غنى عن القدرات المحلية للكشف عن حالات الإصابة بالكوليرا وتشخيصها تشخيصا موضوعيا، ورصدها عبر جمع البيانات والعينات عنها وتصنيفها وتحليلها لإنشاء نظام فعال لرصدها المبكر، وتخطيط التدابير الناجعة لمكافحتها، وهذا لن يتم إلا عبر توفر طرق وقائية أبرزها:
1 - إقامة شبكات توزيع المياه بواسطة الأنابيب ومرافق لمعالجة المياه (بالكلور).
2 - تنفيذ تدخلات على مستوى الأسر (تنقية المياه بواسطة المرشحات، وتعقيمها بالمواد الكيميائية، وتخزين المياه على نحو مأمون).
3 - إنشاء شبكات لتصريف مياه الجاري على نحو مأمون، بما فيها تنظيف مياه المراحيض.
ويستدعي تنفيذ هذه التدخلات وتوظيفها كاستثمارات كبيرة على المدى الطويل وصيانتها باستمرار، بيد أن تنفيذ هذه الاستثمارات بحاجة إلى تمويل ودعم، وهذا يعد صعبا بالنسبة للبلدان الأقل نموا كاليمن.

*التوعية والوقاية والمكافحة*
تفيد أدبيات منظمة الصحة العالمية فيما يخص هذه التدخلات المنفذة بأنها بحاجة إلى وضع دراسة علمية تشمل إمدادات المياه ومرافق الإصحاح البيئي لأجل مكافحة مرض الكوليرا، ومكافحة جميع الأمراض المنقولة التي تتبلور بواسطة تناول الأطعمة ومياه الشرب الملوثة بالميكروبات.
ويكمن تحقيق التنمية الاقتصادية وحصول الجميع على مياه شرب نقية، وتوفير بيئة صحية وإعداد مرافق إصحاح ملائمة، وهي تدابير تؤمن الوقاية من الكوليرا المتوطنة في المناطق النائية.
وهذا الإجراء يحتاج إلى استثمارات تنموية على المدى البعيد، في تنمية مشاريع المياه، ومشاريع الإصحاح البيئي، وهذا لن يتم إلا في ظل وجود وضع آمن ومستقر وهذا ما تفتقده بلادنا.
حيث تأتي الأولوية لتطبيق إجراءات الإصحاح البيئي وفقاً للمبادئ التوجيهية المحددة لاستخدام اللقاح التي بينتها منظمة الصحة العالمية مثل إعطاء اللقاح في المناطق التي يكون فيها معدل الإصابة (صفر)، لذا فإن تحديد أولوية اللقاح والاستخدام الأمثل سيظل تحدًيا قائما، على سبيل المثال، كيف ومتى وأين يتم استخدام هذا اللقاح، إلى جانب تنفيذ خطوة ثالثة وهي أن يتم استخدام اللقاح الفموي ضد الكوليرا كوقاية حتمية ليتسنى مواجهته والاستعداد الجيد له، وهذا الإجراء لن يتم إلا إذا تم توفير الإصحاح البيئي المتكامل، والدراسة العلمية الصحيحة لتقدير ورصد الحالات للتأكد من إصابتها أو عدم إصابتها.
لكن ما حدث في اليمن خلاف ذلك، فقد تم نشر اللقاحات الوقائية في ظل انتشار المرض وتفشيه، دون وضع دراسة جذرية لاجتثاث المرض من جذوره عبر تحسين منظومة الإصحاح البيئي، والرصد الوبائي، وتوفير كافة الأطر الوقائية التي تحد من انتشار الوباء.
فإن إجراء القضاء على الكوليرا يحتاج إلى استثمارات تنموية على المدى البعيد في تحسين مشاريع المياه والتأكد من نقاوتها، بالإضافة إلى تطوير وسائل الإصحاح البيئي، والرصد المبكر قبل انتشار المرض وتوسعه على هذا النحو المقلق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى