مناطق المضاربة بالصبيحة.. حياة بائسة قاسية وتهميش وحرمان من أبسط مقومات الحياة

> تقرير/ محمد المسيحي

> تعيش مناطق مديرية المضاربة ورأس العارة بالصبيحة التابعة لمحافظة لحج في فقر وتهميش وإقصاء من جميع الخدمات الحكومية، حيث يعاني المواطن من تفاصيل حياة بؤس واضحة للعيان تحكيها ملامحهم، في ظل عدم وجود سبل الحياة والخدمات الإنسانية، ما دفع بأغلب شباب تلك المناطق إلى ترك التعليم والهجرة إلى داخل الوطن أو خارجه للبحث عن مصدر عيش كريم.. فعند دخولك لمناطق المضاربة بالصبيحة ترى مظاهر الحرمان والحياة القاسية بادية من خلال مساحات الأراضي الشاسعة الصحراوية.
صحيفة «الأيام» انتقلت إلى تلك المناطق ونقلت بعضا مما تعانيه مناطق المضاربة بالصبيحة لحج من غياب الخدمات الحكومية وجانبا من إقصاء وتجاهل الجهات الحكومية في المديرية والمحافظة تجاه تلك المناطق، وخرجت بالاستطلاع الآتي:
*حياة بائسة وقاسية*
يعتمد أغلب سكان مناطق مديرية المضاربة بالصبيحة المترامية الأطراف على تربية المواشي وعلى الفلاحة بالطريقة التقليدية في ظل غياب أي إستراتيجية لتحديثها من قبل الجهات المختصة.
ويفيد المواطنون بأنهم يعيشون في فقر وتهميش وإقصاء في ظل غياب السلطات المحلية بالمديرية والمحافظة التي - كما يقولون - لا تهتم بحالهم ومعاناتهم، والتي لم توفر لهم أبسط الخدمات.. ويؤكدون أن المعونات والإغاثات الإنسانية لا تصل إليهم بالشكل الكافي، كباقي الكثير من المناطق الأخرى.
ويتمنى سكان تلك المناطق من السلطة المحلية الالتفات لهم وحل مشاكلهم وإعطاء المديرية الأولوية في المشاريع وتطوير البنية التحتية.
*الأمية تغتال مستقبل الأجيال*
القليل من أبناء تلك المناطق من يكمل التعليم الثانوي، فالمدارس الثانوية، فيكتفون بالتعليم الأساسي، فغالبية أسر التلاميذ من الأسر الفقيرة الذين لا يمكنهم تحمل مصاريف الدراسة والانتقال إلى مناطق أخرى لتلقي اولادهم التعليم للمرحلة الثانوية والجامعية، فنجدهم ينقطعون عن الدراسة، والكثير من الآباء يمنعون بناتهم من التعليم بسبب بعد المدرسة عن قراهم، حيث إن أكثرهم متنقلون، وحينها تصبح الفتيات بلا تعليم ويتم تكليفهن بأعمال البيت والاعتناء بالماشية وممارسة بعض الأنشطة الفلاحية..
الكثير من الفتيات في مناطق الصبيحة أميات لا يفقهن القراءة والكتابة، حتى الفتيان منهم من ترك التعليم ولجأ إلى أعمال شاقة ومتعبة لكي يوفر لقمة العيش لأفراد أسرته.. مثقفون وآباء يعزون هشاشة التعليم بمدارس الصبيحة إلى عدم توفر المعلم الأهل والنقص في المعلمين والكتب المدرسية، بالإضافة إلى غياب الطرق والوسائل التعليمية في مدارس تلك المناطق، وعدم الاهتمام بالشأن التعليمي في تلك المناطق من قبل الجهات المعنية، الأمر الذي جعل التعليم في تلك القرى الريفية يعيش في الحضيض، وتنتشر الأمية أوساط تلك المجتمعات.. إلى جانب أن الكثير من الأسر تضطرهن الظروف القاسية والفقر والعوز إلى أن يوقفون أولادكم (ذكورا وإناثا) عن مواصلة الدراسة، إما بسبب عدم قدرة الأهالي على دفع تكاليف الدراسة أو بسبب بعد المسافة بين المنازل والمدارس، وكذا الإبقاء على أولادهم معهم لمساعدتهم في ممارسة أعمال الفلاحة والزراعة والأعمال الخاصة التي يقتاتون منها لقمة العيش.
*هشاشة القطاع الصحي*
أيضا تعاني مناطق المضاربة بالصبيحة بلحج من هشاشة القطاع الصحي وعدم توفر العديد من الاختصاصات والأدوات والتجهيزات الطبية الضرورية، ويمكن القول أن الجانب الصحي في مناطق مديرية المضاربة ورأس العارة بالصبيحة منعدم تماما، فالكثير من الحالات المرضية في تلك المناطق نتيجة لعدم توفر الأدوية والأطباء والتجهيزات والمختبرات يتم إرسالها إلى مشافي محافظة عدن، والتي تبعد عن المديرية بعشرات الكيلو مترات، ويرافق ذلك الانتقال مخاطر عدة نتيجة لوعورة الطريق وبعد المسافة وبالذات على النساء الحوامل والحالات المرضية التي تتطلب الاستعجال.
ابناء الصبيحة
ابناء الصبيحة

ويؤكد مواطنو تلك المناطق بأن معاناتهم في الجانب الصحي والدوائي معاناة عميقة وسببت لهم القلق وأرقت حياتهم، فنتيجة لعدم توفر أبسط المتطلبات العلاجية والدوائية يلجاون إلى الذهاب إلى مشافي المدن والذي يكلفهم ذلك الكثير من المبالغ المالية لوسيلة المواصلات والنقل.. فالجهات الصحية في المديرية والمحافظة غائبة عنهم ولا يلتفتون إليهم وإلى معاناتهم وكأن الأمر لا يعنيهم.. متسائلين لماذا لا تهتم الجهات المعنية بهم وبمعاناتهم ولماذا لا يستجيبون لمطالبهم وشكواهم، أليس لهم حق في توفر الخدمةات الصحية والطبية المتكاملة؟!.
أحد المواطنين يتحدث عن الإصابة التي لحقت بابنته، قائلا: “أصيبت ابنتي في وقت متأخر من الليل بكسر في إحدى قدميها واضطررت إلى حملها على ظهري وانطلقت بها مشيا على الأقدام وتارة على ظهر الحمار لمسافة طويلة جدا حتى وصلت في وقت متأخر إلى مستشفى منطقة الشط التي تبعد العديد من الكيلومترات عن منطقتي”.
وأضاف: “عند وصولي إلى المستشفى استغربت حين لم أجد فيه إلا الكلاب المسعورة، فلم أجد إداريين ولا اطباء ولا أختصاصيين وحتى الحراسة هي الأخرى غير موجودة فيه، حينها أصبت بصدمة نفسية، فاضطررت إلى استئجار سيارة على حسابي الخاص ونقلتها إلى مستشفى منطقة العارة الريفية، لأتفاجأ بأن مستشفى العارة هو الآخر يعاني من غياب الأطباء وأبسط الخدمات الطبية.. بعدها انطلقت إلى عدن وعالجت ابنتي هناك وخسرت مبالغ مالية باهظة نتيجة للمواصلات وتكاليف العلاج والأدوية، ونحن في تلك المناطق نعاني حالة معيشية صعبة لكن نضطر إلى التكلف وبيع ما لدينا لنعالج مرضانا”.
وأردف المواطن: “فالصحة في المضاربة غائبة ، ولا يوجد أي اهتمام من قبل الجهات المعنية التي لا تهتم لمعاناتنا، ولا تستجيب لندائنا الذي نطلقه دائما.. ونناشد الجهات الحكومية والمنظمات الحقوقية والإنسانية إلى النظر إلى معاناتنا، وعمل الحلول والمعالجات اللازمة لنا في الجانب الصحي وغيره من الجوانب الأخرى التي نحن بأمس الحاجة إليها، فنحن بشر ومواطنون ولنا حقوق وواجبات يجب توفيرها لنا.. فنحن نعاني من عدم توفر أبسط مقومات الحياة في ظل صمت مريب من قبل الجهات المعنية الحكومية والجهات الأخرى والمنظمات والمؤسسات الخاصة بتوفير الخدمات الإنسانية، معاناتنا ليست وليدة اليوم فنحن منذ زمن طويل ونحن نشكو حالة التهميش والأقصاء على جميع الأصعدة حتى الأعلام لا يوفينا حقنا للأسف”.
*الفقر أبرز سمات مناطق الصبيحة*
عند دخولك مناطق الصبيحة تستغرب من العيش الضنك الذي يعانونه، فالزائر لها يرى أن الفقر يتجول في قراها وكيف أن الناس يبحثون وبشكل دائم عن أسباب الحياة التي تبدو قاسية وصعبة في غياب الموارد الطبيعية، فمواطنو مناطق الصبيحة بالمضاربة وبجميع قراها يعيشون حياة قاسية بائسة بكل تفاصيلها دون أي لفة مسؤولة من قبل المسؤولين وفاعلي الخير.. حتى المعونات والمواد الإغاثية لا تأتي إليهم بالشكل المطلوب ومعظمها تذهب إلى الجهات والشخصيات المتنفذة هناك.
هكذا يعيشون.. هكذا حالهم، لا كهرباء ولا ماء ولا خدمات ولا طرقات إسفلتية، حياة بدوية قاسية، كلا حسب عادته منهم من يقضي ليلته على ضوء الشموع والقناديل وسط أكواخ تجمع البشر والحيوان، وكوخ واحد يكفي للمبيت والطبخ والاستضافة، فالفقر لدى هؤلاء من أبناء الصبيحة أبرز سمة يتصفون بها وسيد الموقف هناك، ومع نزول كل قطرة مطر يتوجس الساكنون خوفا من سقوط أكواخهم..
فمتى تنتهي مأساة هؤلاء؟! .. فمواطنو المضاربة بصبيحة لحج لا موارد رزق ومعيشة لهم سوى البعض من الماشية التي لا تتجاوز أعدادها عدد أصابع اليد الواحدة.. أين المسئولون عن تلك المناطق وأين الحكومة من هذه المأساة؟ هل ماتت الضمائر؟!..
فأبناء الصبيحة يتمنون الالتفاتة إليهم والكل مسئول أمام الإنسانية برصد جزء صغير من اهتماماته لمنطقة انتمت إلى البلاد جغرافيا ولم تنتمي إليها تنمويا وخدميا.. حياة بدائية ، لا كهرباء ، ولا ماء ، ولا تعليم ولا صحة، ولا طرقات معبدة، ولا موارد رزق سوى بعض الماشية.. ويتمنون لفتة كريمة من الجهات الحكومية والجهات والمنظمات والمؤسسات الإنسانية وفاعلي الخير .. فهل من مجيب؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى