المسجد الأقصى المبارك يستغيث

> يحيى عبدالله قحطان

>
يحيى عبدالله قحطان
يحيى عبدالله قحطان
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
وقال صلى الله عليه واله وسلم :(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).
إن أمتنا العربية والإسلامية، وهي تواجه اليوم تحديا سافرا، وعدوانا غاشما من قبل إسرائيل الإرهابية وأعوانها، وتعمل جاهدة على تهويد القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى ومعراج رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فان الواجب على امتنا العربية والإسلامية حكاما ومحكومين، وقادة ومقتدين، ان يرتفعوا إلى مستوى المسئولية التاريخية، وان يحتكموا إلى كتاب الله القرآن الكريم، وسنة نبينا محمد الصادق الأمين والتأسي بأمجادنا الأخيار، والأخذ بأهم العوامل والأسباب التي كانت المفاتيح في تحقييق النصر والفتح المبين، وانتشال الأمة من كبوتها، ورفع راية الإسلام عاليا، خاصة وأن أمتنا تواجه اليوم أخطر تحد عرفته في تاريخها من قبل الصهاينة الأشرار.
بالأمس كان أسلافنا الأحرار يهتفون في المناسبات الدينية والفتوحات الإسلامية قائلين: (الله أكبر وحده صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده) فكانت هذه الكلمات ترددها الألسن، وتترجمها سيوف جند الإسلام، حيث كانت تتهاوى تحت ضرباتهم عروش الجبابرة والقياصرة والاكاسرة المعتدين، ورموز الغزاة الصليبين والصهيونيين الحاقدين.
(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ * وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ * يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ * وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
واليوم ومع الأسف نردد هذه الكلمات والتكبيرات، فلا تتجاوز حناجرنا، واذا ما اردنا ترجمتها أمام المعتدين الإسرائيليين الارهابيين، فنكتفي بكلمات جوفاء، واحتجاجات عن استحياء، والاحتكام إلى اعوان الصهاينة واشياعهم، والذين يمدونها باسباب القوة والبقاء والعدوان.
وبالله عليكم يا إخوة الإسلام.. كيف يكون الذئب راعيا والخصم الجائر قاضيا، وهم الذين سلموا فلسطين العربية بقدسها الشريف، ومسجدها الأقصى المبارك لقمة سائغة، وغنيمة باردة للعدو الصهيوني.
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
ولا ننسى وعد بالفور وزير الخارجية البريطاني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين العربية، قال الرئيس البريطاني تشرشل: “لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام هو حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود، إن القدس قد خرجت من ايدي المسلمين ولن تعود إلى المسلمين في أي مفاوضات بين المسلمين واليهود”.
وقال أحد قادة المسيحيين المتصهينين: “ما دام هذا القرآن موجود عند المسلمين فلن تستطيع اوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان”.
وصدق الله القائل: (وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواَ)
ولن يستطيعوا باذن الله، وسيظل الإسلام خالدا مخلدا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
لقد تناسينا أن الإسلام يرشدنا بان الجنة والحريه والكرامة تحت ظلال السيوف والمدافع وان ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد إلا بالقوة، وبنفس درب الجهاد والنضال والكفاح المتواصل، الذي سار عليه رسولنا المجاهد العظيم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصحابته الميامين “فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا” قال الله تعالى :(وَأَعِدُوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ * وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
مدرعه للقوات الإسرائيلية لتفريق المتظاهرين
مدرعه للقوات الإسرائيلية لتفريق المتظاهرين

انها قوة الردع التي تجعل العدو الصهيوني ينكسر أمام أمتنا خائبا وهو حسير.
والسؤال الذي يضع نفسه: لماذا نجد مجلس الأمن، أو بالأحرى مجلس الخوف والنفاق يسمح للصهيونيين والصليبيين والشوعيين بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، بينما لا يسمح لأنظمتنا العربية والإسلامية بامتلاك اية أسلحة متطورة لردع المعتدين؟
وبالله عليكم يا اخوة الإسلام.. كيف يطيب لنا المقام، وننعم بالعيش والمنام، بينما المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لا يزال يرزح تحت الاحتلال، مكبلا بالأغلال، وموصدا بالاقلاق وبكيمرات التجسس الذكية الاكترونية الصهيونية، واستمرار إسرائيل الارهابية بالحفريات تحت المسجد الأقصى لهدمه حتى تقيم على انقاضه هيكلهم المزعوم؟
كيف يطيب لنا العيش ونشعر بأمننا وعزتنا وحريتنا وكرامتنا، بينما نرى أهالينا في فلسطين يمنعون من تادية الصلوات في المسجد الأقصى المبارك؟ بل ويتعرضون للقتل والتعذيب والتنكيل والسجن أمام بوابات المسجد الأقصى وهم يؤدون صلاة الجمعة والصلوات المفروضه دون ان يكون هناك من حسيب او نكير، نرى ونسمع صراخ وأنات أهالينا الفلسطينيين من اطفال رضع، وشيوخ ركع، ورجال ونساء عزل امام بوابات المسجد الأقصى والقدس الشريف والمخيمات وفي الضفة الغربية وغزة، وهم يتعرضون يوميا للتقتيل والتنكيل والتعذيب والسجن، وتدنيس المسجد الأقصى بانعل الصهاينة الانجاس، والمستوطنين شذاذ الافاق، ويتعرض أهلنا في فلسطين لابشع عدوان واحتلال في التاريخ، من قبل إسرائيل النازية واعوانها من المسيحيين المتصهينيين.
إن المسجد الأقصى المبارك يستغيث واهلنا في القدس والضفة الغربية وغزة يستنجدون بأمة العروبة والإسلام، ويستغيثون مناشدين(وإسلاماه، ومحمداه، وامعتصماه، وصلاحاه، وناصراه).
وهم يتعرضون للتنكيل والتقتيل والاعتقال فلا هناك من معتصم مجيب، ولا من ناصر قريب، ولا صلاح جديد، ولا من قائد مكين يبحر بأمتنا إلى بر الأمن والايمان، والسلامة والإسلام، و إلى بر الحرية والعدالة والعزة والكرامة والسلام، فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، والله أكبر وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
وبعد.. فهل آن الاوان أن يستيقظ الضمير العربي والإسلامي من سباته العميق ويستجيب لاستنقاذ المسجد الأقصى المبارك من الاحتلال الصهيوني الارهابي، واغاثة اهلنا الفلسطينيين وتخليصهم من الاغلال والاستبداد والشتات؟ هل من يذود عن المخيمات ويحمي الاعراض والمقدسات؟ هل من صحوة إسلامية جهادية ثورية نفتح بها اعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، ونحرر بها انفسنا وضمائرنا من اغلال الجبن والانقسام، واليأس والانهزام، والشقاق والخصام، والاتفاق على كلمة سواء؟ حتى تتوحد قلوبنا واهدافنا، وتصفو ارواحنا، وتزكو نفوسنا، ونكون عباد الله اخوانا، وكمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟

هل من معتصم مجيب، وصلاح جديد، وناصر قريب، يلم شعثنا، ويضمد جراحنا، ويحرر اراضينا، ويوقف الفتن والحروب فيما بيننا، وينتصر لاهلنا في فلسطين، ويطهر المسجد الأقصى من رجس الصهاينة الاشرار؟ هل حان الوقت أن تقوم الانظمة العربية والإسلامية بحقن الدماء التي تسفك وتسيل هدرا بين شعوبنا العربية والإسلامية، في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان ومصر وفلسطين وليبيا واليمن شمالا وجنوبا؟ أما آن الأوان لهذه الحروب الاهلية العبثية الخاسرة ان تضع أوزارها؟ انها فتنة واجندة الصهيونيين والصليبيين والماسونيين، انها حرب صليبية تنفذها امتنا بالوكالة، وذلك تنفيذا (لاتفاقية سايكس بيكو، والفوضى الخلاقة) وإعادة تقسيم الشرق الاوسط من جديد، تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، تمهيدا لقيام دولة إسرائيل النازية من النيل إلى الفرات، والله المستعان، ترى هل من مدكر، هل من متعظ، ام على قلوب اقفالها؟ هل حان الوقت للدول الغربية الاستعمارية ان تكفر عن ذنوبها، بما اقترفته من جرائم ومظالم في حق شعوبنا؟ وتعمل جاهدة على ترسيخ الامن والسلم الدوليين، وذلك بالكف عن صناعة ورعاية وتصدير الارهاب العالمي، وارغام إسرائيل الارهابية بالانسحاب فورا من فلسطين من القدس الشريف والمسجد الأقصى، ومن سائر الاراضي العربية، حتى يعم الامن والتعايش السلمي بين سائر الشعوب، ونعيش جميعا متسامحين متصالحين متكافلين (لكم دينكم ولناديننا).
أما آن لهذا الليل البهيم الذي يغشى أمتنا ان ينجلي؟
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)
ويحتكمون في حل منازعاتهم إلى المنهج القرآني العظيم، وسنة رسولنا الكريم، والالتزام بالحوار السلمي الشوروي الديمقراطي، حتى يقدر للشعوبنا العربية و الإسلامية ان يكون لها حضورها الريادي في مسيرة قافلة الاسرة الدولية السلمية، كما أراد الله لها ذلك، وكما يجب ان تكون(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
ولا ريب فان من مقاصد ديننا الإسلامي الحنيف هو ان تحيا شعوبنا العربية و الإسلامية بقلوب متراحمة واحاسيس مشتركة ومسئولة، تسمو بها عن الصغائر والاحقاد والخلافات الجانبية، والحروب الأهلية، وتحولهم من مواقع الهزيمة والذلة والفرقة والخصام داخل انفسهم إلى مدارج القوة والعزة والحرية والتوحد والانتصار، وحتى تتوحد كل إمكانيات امتنا الايمانية والروحية والمادية والقدرات الدفاعية، لردع العدو الصهيوني المتربص بنا جميعا.
قال الله تعالى :(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
يا أمة الإسلام لاتترددي
هبي فمثلكي أمة لا تقعدي
الله أكرمنا بنور محمد
فعن البصائر يا ظلام تبددي
وبالله عليكم يا أمة الإسلام.. لماذا نرى اليهود في كل أنحاء العالم يحرمون قتل بعضهم بعضا واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، رغم اختلاف مدارسهم الفكرية والجهوية والحزبية والدينية، وكذالك نجد المسيحيين في اوربا وسائر بلدان العالم يعيشون في امن وتسامح وازدهار، مع اختلاف طوائفهم الدينية المختلفة، بينما نحن معشر المسلمين نقتل بعضنا البعض بدم بارد، ونستبيح دماءنا وأعراضنا واموالنا، ونقوم بإهلاك الحرث والنسل والحجر والشجر، وكل كائن حي، وتدمير البنيان والإفساد في الأرض، والله المستعان، قال الله تعالى :ُ(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًاَ)
وهذا رسولنا محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يحذرنا وينذرنا قائلا :(اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
وفي خطبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ في حجة الوداع قال :(إن دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا وفي شهركم هذا، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).
وقال سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ :(لقد كنا أذلاء في الجاهلية فأعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزة في غيره أذلنا الله).
أجل هل من عودة إلى عقيدة الأمن والعزة والايمان، والعدل والسلامة والإسلام، عقيدة التكافل والتصالح والأمان، والتوحد والتسامح والوئام، والخالية من الظلم والفقر والعوز والحرمان، ومن الغلو والتطرف والتشدد والافراط والتفريط، والتحقير والتكفير؟ هل من عودة إلى الشريعة الإسلامية السمحاء، والمحجة البيضاء والتي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، انها شريعة الوسطية والاعتدال، والتي تسع الناس جميعا، والقائمة على المحبة والاخاء، والعدل والوفاء، وكفالة حقوق الانسان، والتعايش السلمي بين سائر البشر، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم، قال الله تعالى :(يَا أَيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ * إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) صدق الله العظيم.
اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، اللهم عجل بنصر أمتنا على إسرائيل الارهابية وأشياعها، وأعد المسجد الأقصى المبارك وفلسطين بقدسها الشريف إلى الحظيرة العربية والإسلامية، اللهم آمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى