أعمدة البناء السياسي

> أحمد ناصر حميدان

>
 أحمد حميدان
أحمد حميدان
الحياة قيم ومبادئ وأخلاقيات، لا يستوعبها المنافق الذي يراها مجرد أقنعة، يرتديها بين الفينة والفينة، في كل مرحلة يلبس قناعا يخفي وراءه حقيقته المتوارية ليظهر بمظهر مصطنع تصوغه له مخيلته المريضة ليبدو على ما هو بادٍ.
واقعنا اليوم يكتظ بالأقنعة، حسب المصالح، اشتراكيون في زمن الاشتراكية، وعفاشيون في زمن عفاش، وحراكيون في زمن الحراك، لا يؤمنون بغير مصالحهم، تعطشهم لهذه المصالح يدفعهم لنشر الفوضى والانفلات وتفسخ القيم والأخلاق، والفساد السياسي والاقتصادي.
البناء له أعمدته الصلبة، وله برامجه، ومراكز أبحاث وسياسات ترسم مساره، من يحدد اليوم شكل دولة المستقبل، والكل يعبث بأدوات البناء دون وعي، الساحة السياسة لها ضوابطها الأخلاقية ومعاييرها من قيم ومبادئ تحكمها وأدوات تنميها، بما يصب في بناء قائم على الوضوح في المواقف والمبادئ الإيديولوجية الفكرية والثقافية الملتزمة، لينتج مع هذا أنماطا سلوكية وممارسات سياسية عقلانية، تهدف بدورها إلى خدمة الشأن العام الوطني في كل أبعاده الوطنية والخارجية.
الاختيارات والمواقف الوطنية تستند إلى سلم القيم والمبادئ والأخلاق، ترتبط بكل انشغالاتنا واهتماماتنا كنخب أفراد وجماعات، لنا تاريخ وحضارة حري بنا أن نحاكم تاريخنا وننقب عن الأخطاء لنصلح نتائجها، ولنا تجارب تحتاج أن نطور منها لتكون سندا وداعما للولوج لمواكبة العصر.
لنا تجربة ديمقراطية وتعددية، عليها مآخذ وفيها فوائد، أعيقت، استخدمت كديكور لتلميع صورة المستبد والطاغية، واستخدمت أحصنة امتطاها النافذون والفاسدون، لكنها تظل تكتلات فكرية وسياسية مهمة كأدوات للتنمية الديمقراطية، للدولة الضامنة للحريات والمواطنة، نرتكب جريمة في تجريف الساحة السياسية من مكوناتها التنموية وهي الأحزاب، مما يعني تهيئة الساحة لتكتلات بديلة وهي تكتلات طائفية ومناطقية وسلالية مدمرة للحياة والتطور والنهوض وأداة مثلى للصراعات والحروب.
لهذا نحتاج لمثل هذه الأدوات بشرط إصلاح بنيتها، لتكون أحزابا سياسية محررة من الماضي وأمراضه، ومن النفوذ، خالية من المليشيات والتطرف والغلو، أحزب لها برامجها وسياستها التي تتناسب والصيغة المشتركة للدولة الضامنة للمواطنة.
أحزاب اليوم هي جزء من مشكلة الماضي، عليها أن تتغير وتتطهر من هذا الماضي، وتواكب تطورات المرحلة، عليها أن تعد نفسها لتكون من القادم والمستقبل، كدولة اتحادية أو فك الارتباط، تعمل على إعادة ترتيب هيئاتها، الحزب الاشتراكي اليمني نموذج، فرز لجنته المركزية في الكونفرنس الحزبي لشطرين: لجنة مركزية للمحافظات الشمالية، ولجنة مركزية للمحافظات الجنوبية، وقبل ذلك قيم مرحلته السياسية واعترف بأخطائه، وهذا ما هو مطلوب من بقية الأحزاب لتنفض من على كاهلها غبار الماضي وأخطائه، لتنتقل للحاضر لتكون جزءا من التغير للمستقبل.
لا يمكن أن نتحدث عن حرية وديمقراطية في ظل تجريف للأدوات، وإقصاء وتهميش وحظر للأفكار والمكونات، ولا يحق لأي كان أن يحرم إنسانا من ممارسته حقه السياسي والفكري في بلده، وفق نظام وقانون يحكم العلاقات ويدين ويبرأ، إلا النظام الديكتاتوري المرفوض شعبيا وسياسيا.
هذا إن أردنا مستقبلا لوطن يستوعب الجميع، وطن التعايش وقبول الآخر، خاليا من الصراعات والتناحر، ما لم ستكون حلولنا نارا تحت الرماد تشب في لحظة ضعف لتلتهم ما حولها، دون ذلك سنجد أنفسنا رهن شيء آخر لا نتصوره ولم يكن بالحسبان، حينها لن ينفع الندم ولا البكاء على ما فات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى