وعادت «الأيام» شامخة منتصرة

> علي راوح

>
علي راوح
علي راوح
غمرتني الفرحة والبهجة والسرور صباح الإثنين الموافق 24 يوليو المنصرم عندما شاهدت عدد «الأيام» (5987).. ها هي صحيفة الشعب تعود من جديد، تخرج من بين الأنقاض نافضة غبار ومخلفات الحرب الظالمة التي ألحقت الضرر بشعبنا الجنوبي وبصحيفته المناضلة صحيفة «الأيام» التي ومنذ عودة صدورها بعد العام 1990م حملت على عاتقها قضية شعب الجنوب وتناول قضايا الفساد والظلم والفوضى التي انتهجها نظام الضم والإلحاق الذي اعتبر الجنوب أرضا للفيد والنهب ومصادرة الحرية، فكان ذلك النهج قد أضر بالوحدة التي عشقها الجنوبيون، وقدموا وتنازلوا عن دولتهم وما حولها من مؤسسات النظام والقانون ليتم تفكيكها من قبل الطرف الآخر الذي أفسد كل ما بنته دولة الجنوب منذ فجر الاستقلال 1967م وحتى العام 1990م.
تصدت «الأيام» لكل مشاريع الهدم التي انتهجها نظام الرئيس السابق، فكان أن تعرضت هذه الصحيفة لأنواع من الإجراءات القهرية الظالمة والمكايدة وتلفيق التهم الباطلة، ووصلت تلك الإجراءات حد الإرهاب المسلح بحق الصحيفة ورئيس تحريرها الفقيد المناضل/ هشام باشراحيل (رحمة الله عليه) وبحق بقية أفراد أسرة «الأيام» الذين عانوا وصبروا وتحملوا كل تلك الممارسات التي هي ثمن وقوفهم إلى جانب الحق وتعريتهم لكل أنواع الفساد والإفساد.
صحيفة «الأيام» ومنذ بداية صدورها في العام 1958م على يد مؤسسها الأستاذ الفقيد محمد علي باشراحيل (رحمه الله) نجد أن هذه الصحيفة المستقلة ومنذ أول يوم من صدورها قد عبرت عن هدفها الأساسي، وهو الاهتمام بالقضية الوطنية ومقارعة المستعمر البريطاني بالحجج الثابتة ودعت منذ البداية إلى ضرورة إئتلاف كافة الهيئات الوطنية والأفراد في هيئة شعبية يكون هدفها الأول والأخير قضية الوطن والابتعاد عن المصالح الحزبية والذاتية الضيقة.
كما تصدت «الأيام» لمختلف الممارسات والمعانات والهموم التي كانت تتعرض لها مختلف الشرائح الاجتماعية، ومن ذلك حرمان السلطات البريطانية لبنات عدن من حق التعليم العالي، فضلا عن محدودية المدارس واحتكار المنح الدراسية العليا لبنات الجاليات الأجنبية.
وكان المقال الذي كتبه عميد “الأيام” الأستاذ المناضل محمد علي باشراحيل عام 1962م بعنوان (السياسة التعليمية تحتاج إلى غربلة) وشرح فيه مشكلة التعليم في عدن، وما تلاقيه بنات عدن من ظلم وحرمان وفضحه لما يدور في أروقة وصفوف ثانوية البنات في خور مكسر التي تعتبر أعلى مدرسة للبنات في عدن، وكيفية إعطاء المنح الدراسية التي لاتصل إليها إلا الطالبات الأجنبيات وعلى نفقة عدن، كان لهذا المقال ردود أفعال كبيرة أفضلت إلى إضراب طالبات المدرسة عن الدراسة وتضامن طلاب كلية عدن والمعاهد الأخرى معهن، فكان هذا المقال الشرارة التي أشعلت الفتيل، إذ لم يقف الأمر عند الإضراب وإنما امتد لفضح جملة من الممارسات التي تنتهك حقوق الطالبات وتمييز الأجنبيات.
وتصاعد الأمر للقيام بالمظاهرات التي اجتاحت أحياء المدينة وتعطلت الدراسة في جميع مدارس عدن، وصدر بيان الجمعية العدنية للنساء
مؤكدًا على أهمية تنفيذ جملة من المطالب المتعلقة بنظام التعليم، ووصلت قضية الإضراب إلى مجلس العموم البريطاني، الذي أصدر جملة من القرارات لإصلاح الوضع في عدن.
وواصلت «الأيام» برئاسة عميدها المناضل الفقيد محمد علي باشراحيل مواقفها الوطنية ومناصرتها لثورة سبتمبر وأكتوبر، ودعوتها لتوحيد الصف الوطني في سبيل تحقيق النصر حتى نال شعبنا الجنوبي استقلاله في الـ 30 من نوفمبر 1967م.
وواصل الناشران هشام وتمام نهج أبيهما المناضل محمد علي باشراحيل، واصلا ذلكم النهج الوطني لعميد «الأيام» ، ألف رحمة على الفقيد محمد علي باشراحيل وعلى ابنه العميد الثاني لـ«الأيام» هشام باشراحيل، وعمر مديد للأستاذ تمام باشراحيل، وتمنياتنا بالنجاح لأبناء هشام الذين أثبتوا أنهم أحفاد أوفياء لجدهم باشراحيل، فها هي «الأيام» تواصل المشوار الوطني بنكهة أيام عميدها الأول وعميدها الثاني.
علاقتي بـ«الأيام» علاقة حب، علاقة حميمة منذ الصغر، أي منذ العام 1965م وأنا في سن الحادية عشرة في مدينة المعلا التي نشأت وترعرعت فيها، كنت شغوفًا في قراءة الصحف، لكن صحيفة «الأيام» كانت صحيفتي المفضلة، كانت تجذبني بأكليشتها المتميزة، فكنت اقرأها بتمعن، ولم يكن في ذهني أنني سأصبح يومًا ما صحفيًا ومن ثم مساهمًا في الكتابة في هذه الصحيفة التي أحببتها منذ صغري.
وبدأت علاقتي العملية في هذه الصحيفة بعد عودة صدورها في العام 1990م فانطلقت إليها وبدأت في كتابة المقالات والتحقيقات الناقدة للسلبيات ووجدت من الأستاذين القديرين الناشرين هشام وتمام باشراحيل التشجيع والدفع بي للكتابة وبالذات في التحقيقات والاستطلاعات والتقارير الصحفية، وكذا في كتابة المقالات، كان التشجيع لي ولعدد من الزملاء الصحفيين المبتدئين.. والحقيقة أن صحيفة «الأيام» مدرسة صحفية متميزة أهلت أجيالًا بعد أجيال من الصحفيين الذين تتلمذوا في هذه الصحيفة المهنية.
كنا أسرة واحدة نجتمع في منتدى «الأيام» مع الناشرين هشام وتمام ونستمع منهما للتوجيه والمقترحات في تطوير مهنتنا الصحفية.. فواصلت الكتابة، وذات يوم كتبت مقالًا في الصفحة الأخيرة بعنوان (ادفع زلط واعمل غلط) تطرقت فيه إلى جملة من الممارسات السيئة ومنها التعامل بالرشوة، تلك الظاهرة التي انتشرت في جميع المعاملات، فكان لهذا المقال صدًى كبيرًا وتعرضت معه للمضايقات من قبل بعض الفاسدين لشعورهم أن المقال يتعرض لهم..
وبعد مرور نحو عام من نشر هذا المقال اقترح عدد من رواد منتدى «الأيام» إعادة نشره ومنهم الفقيد عبدالرحمن سعيد مقبل (رحمه الله) ولم أعلم أنه سيأتي يوم يصير فيه العنوان (اعمل غلط واقبض زلط) بعد أن استشرى الفساد بمنهجية ووقاحة، فقد شهدنا ممارسات في نهب الأراضي وامتلاك مرافق عامة بدون وجه حق وبتوجيهات عليا، فأثري الفاسدون وجنوا مئات الملايين بل المليارات على حساب أبناء عدن الذين لم يجد الغالبية منهم قطعة أرض أو غرفتين للسكن وأكثرهم مستأجرون للمساكن، فضلًا عن أن الفاسدين عمدوا إلى تدمير العديد من المؤسسات الإنتاجية والخدمية والعديد من المصانع وتشريد عمالها وخلق جيش من البطالة، مع أن غالبية تلك المؤسسات والمصانع كانت تدر أموالًا بعضها بالعملة (الصعبة) والحيز لا يسمح بسرد أسماء تلك المؤسسات والمصانع، ولكن كمثال فقط شركة (اليمدا) وشركة أحواض السفن ومصنع الغزل والنسيج.
«الأيام» ظلت تفضح تلك الممارسات الأمر الذي جعلها هدفًا من قبل الفاسدين الذين سعوا إلى إسكات صوتها بشتى الوسائل والسبل، وتعرض رئيس تحريرها الأستاذ هشام باشراحيل للإرهاب والأحكام الباطلة وللسجن مرارًا لكنه (رحمه الله) ظل شامخًا كشموخ الجبال وتحمل المعاناة من أجل أداء الرسالة الوطنية والوقوف إلى جانب الحق وإلى جانب الشعب المقهور.
واليوم وبعد عودة «الأيام» شامخة منتصرة، فإن المهمة كبيرة في كشف ورصد وتعرية الفساد أينما كان.. أسال الله أن يكون عونًا ومعينًا لهذه الصحيفة التي وقفت وستظل واقفة مع الحق ضد الباطل.. قال تعالى:“فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى