مستشفى 22 مايو بعدن.. خطوات بطيئة للحفاظ على ما تبقى منه.. تعرض المستشفى لسلسلة اعتداءات مسلحة وتجاوزات طالت أجهزته الطبية الحديثة المقدرة قيمتها بآلاف الدولارات

> تقرير : عبدالقادر باراس

> مستشفى 22 مايو، أو مستشفى خليفة الجراحي، سموه كما شئتم، مازال منذ تأسيسه يتكئ على مشاكل جمة وأوضاع صعبة، ألقت بظلالها على مستوى الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين.
حيث وصلت المشاكل والصعوبات إلى لوحة المستشفى التي تم إبعادها بعد إعادة تسميته بـ (مستشفى خليفة الجراحي) بموجب قرار اتخذه مكتب الصحة في عدن، في شهر سبتمبر 2015م، تقديرا للجهود الإنسانية للأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد لاقت فكرة إعادة تسميته ترحيبا من مسئولي الهلال الأحمر الإماراتي، رغم أن قطر ممثلة بجمعيتها “الهلال الأحمر القطري” كانت قد سبقت الهلال الأحمر الإماراتي بوعودها لإدارة المستشفى السابقة بعد الحرب على تقديم الدعم مقابل تسيير أقسامها في الطابق العلوي، إلا أن مكتب الصحة والسكان بعدن انحاز للجانب الإماراتي كجهة داعمة.
من البديهي القول إن سبب إنزال اللوحة ربما يعود بطلب من الإمارات بضرورة الالتزام بالأنظمة والقوانين من خلال صدور مرسوم جمهوري يقر بتسمية المستشفى بمسمى جديد (الشيخ خليفة بن زايد الجراحي)، أو ربما هناك استياء من قبل الإمارات من طريقة أداء العمل في تسيير شؤون المستشفى، لكن المرجح ان بعض العاملين في المستشفى أشاروا إلى أن الإمارات طالبت بشكل قانوني بإصدار قرار رئاسي جمهوري بالمسمى الجديد وعدم تحميلها في الوقت الحاضر أي مسئولية ومترتبات أعباء المستشفى من رواتب، وموازنات تشغيلية، خاصة وأن مرتبات المستشفى كانت تصرف من قبل سلطة الانقلابيين في صنعاء.
*تدني مستوى المستشفى
نستعرض في هذه السطور المراحل التي وصلت إليها المستشفى منذ بداية بنائها كمركز لعلاج الحميات (محجر صحي)، لكن الفكرة قوبلت بالاعتراض من أهالي المنطقة، خشية من انتقال عدوى الأوبئة، وتم تغييره بعد ذلك إلى مستشفى عام حتى تم افتتاحه رسميا في العام 2004م، وقبيل افتتاحه الرسمي كان سيطلق عليه اسم “مستشفى المنصورة العام” بحسب طلب ورغبة أهالي المنطقة، لكن جهات قيادية من الحزب الحاكم آنذاك في المحافظة، أصرت على تسميته بمستشفى “22 مايو” فأطلق عليه هذا الاسم بقرار رئاسي.
استمر المستشفى يؤدي عمله رغم تدني مستوى موازنته التشغيلية مقارنة بما يحمله من صفة مستشفى عام، الأمر الذي ترك أثره في تدني خدماته الطبية التي لم يختلف وضعها كثيرا عن بقية المستشفيات الحكومية في تدهورها، وضعف دور الوزارة الإشرافي والرقابي.
هذا التدهور لم يمس المستشفى فحسب، بل طال كافة المرافق الصحية في عدن التي عانت من تردي الخدمات الطبية منذ عقدين، ومن سوء الإدارة وتفشي الفساد.
ويعتبر مكتب الصحة والسكان بمحافظة عدن هو المحرك الأول والشريك الأساسي في كل عمليات الفساد المالي والإداري التي تحدثت في مستشفيات مدينة عدن، والذي تشهد عليه تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
إن من أبرز الصعوبات التي يعاني منها المستشفى هو سياسة الإدارات السابقة، من خلال التوظيف عن طريق التعاقد، الأمر الذي سبب إحراجات كبيرة للإدارة الحالية، مع أن هناك متعاقدون سابقون منهم مؤهلون، ونظرا للإشكاليات التي كانت قائمة بين إدارة المستشفى واللجنة النقابية للأطباء والموظفين في عام 2012م تطورت الأحداث لتصبح أزمة ولدّت فراغا إداريا تسبب بتوقف العمل وإغلاق المستشفى.
*ممارسات بين الإيجابية والسلبية
إزاء وضعية المستشفى الصعبة تشكلت “لجنة أهلية” في بداية عام 2012م، وهي غير المجلس الأهلي، فتشكلت اللجنة الأهلية من بعض الشخصيات الاعتبارية، وعقال الحارات، في المناطق المحيطة بالمستشفى، لمتابعة أوضاع المستشفى مع الإدارة والنقابة وإيجاد الحلول والمخارج لانتشاله من وضعيته المتردية.
وقد تشكلت اللجنة من 12 شخصية اجتماعية قامت بعقد اجتماعات مع الإدارة والنقابة “التي كانت متحزبة” كل على حدة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، في حين أن المجلس الأهلي شُكِّل بغطاء من بعض الجماعات المسلحة التي تقمصت رداء المجلس والسيطرة عليه.
في الوقت الذي كانت فيه اللجنة الأهلية تعمل بطوعية بحتة ولم تكن لها أي مطالب من أي نوع سوى إيجاد الحلول العملية لانتشال المستشفى من وضعيته المتردية، وإعادة نشاطه لخدمة أبناء الأحياء المجاورة لمديرية المنصورة.
عانى المستشفى في الماضي من تصرفات بعض منتسبي “المجلس الأهلي” الذي قيل عن ارتباط بعض أفراده بجماعات يمثلون ظاهريا سعيهم للعمل التطوعي لخدمة المجتمع، كما قيل بأنهم كانوا يعملون لصالح أفراد بهدف السيطرة والاستحواذ على الإرادات تحت ذريعة حماية المنشآت الحكومية، وبغية التحكم بزمام المستشفى، والمطالبة بمبالغ مالية وتوظيف مقربيهم لهم.
الأمر الذي أفرغ العمل التطوعي من أهدافه ومضمونه، وكان آخرها مطالبتهم مكتب الصحة والسكان بمبالغ مالية نظير ما قاموا به على أنها خدمات للمستشفى خلال فترة الحرب وما تلاها، وهم الذين قام بعضهم من منتسبي المجلس الأهلي بتوظيف أبنائهم بالتعاقد في المستشفى.
ورغم أن المستشفى تم إعادة تأهيله وتجهيزه أثناء استعداد مدينة عدن لاستضافة البطولة الكروية (خليجي عشرين) سنة 2010م، وكذا من قبل جمعية الهلال الأحمر الإماراتي، بعد حرب 2015م ودعمه بالنواحي العينية والمادية، بالإضافة إلى مساهمات وجهود جمعية رعاية المرضى الكويتية، إلا أنها ظلت عاجزة عن تقديم خدمات علاجية ملموسة، وما زالت تعاني إلى يومنا هذا كثيرا من المشكلات التي تنعكس على المرضى، خاصة لمحدودي الدخل، حيث سبق لإدارتها الحالية أن ألغت مساهمة المجتمع إلا أنها عملت على تفعيلها من جديد لتشغيل المستشفى، ودخلت في إشكاليات سابقة مع بعض الجراحين.
كما تم إعادة مسألة النِّسب، وإيجاد آلية لتشغيل المستشفى، إلا أنها بقيت على وضعها السابق دون تحقيق ما كانت تتمناه إدارتها الحالية، ناهيك عن مشكلة المتعاقدين، وكذا رواتب العاملين في المستشفى من تأخر مرتباتهم.
*تدمير بطرق ملتوية
من بين ملفات الفساد الموروثة عن هذا المستشفى، وما تعرضت له من تدمير وفساد ممنهج وبطرق ملتوية، يفيد عادل محمد حسين، رئيس اللجنة الأهلية عند متابعة لجنته لأوضاع المستشفى للصحيفة قائلا: “إن الأوضاع لم تتغير بل ازدادت سوءاً، حيث تم الاستيلاء على المساهمة المجتمعية التي تصل إلى “خمسة ملايين ريال شهريا”، إضافة إلى مبالغ بالدولار تستلمها المستشفى شهريا من هيئة الألغام مقابل علاج أفرادها، ومن بعض المنظمات مقابل علاج نازحي أبين في تلك الفترة، ناهيك عن المبالغ المستلمة كدعم من صندوق النظافة، وجميع تلك الأموال لا يعرف كيف تم استخدامها وما مصيرها”.
ويضيف: “كما توجد العديد من الأجهزة الطبية ذات القيمة العالية كانت موجودة في إحدى غرف إنعاش المستشفى، وتم إخراجها، بصورة مريبة، تحت حجة أن ذلك كان بموجب تعليمات رئاسية، حيث تقدر قيمتها بمئات آلاف الدولارات، إلى جانب كل ذلك يوجد غياب في العمل الإداري المنظم، وكان ما يتخذ من إجراءات من قبل الإدارة ارتجالية وعشوائية خارجة عن إطار العمل الإداري الصحيح”.
يواصل: “حيث لم تكن هناك اجتماعات للجنة شؤون العاملين ولا لمجلس إدارة المستشفى، إلا أنه بتعيين الدكتور خالد العبد، تحسن وضع المستشفى، وقام بتشغيل الدور الثاني، غرفتين: عمليات وإنعاش.. واستقبل جرحى المقاومة خلال فترة الحرب كاملة، الأمر الذي أغضب مافيا الفساد، فقاموا بالضغط عليه وتهديده، لتأتي من بعدها إدارة أخرى أعادت المستشفى إلى وضعه السيئ، وتمت المتاجرة بمخصصات المحروقات (الديزل والبترول) الخاصة بالمستشفى، وبيعها لسماسرة في السوق السوداء، إضافة إلى تفجير المولد الخاص بالمستشفى وقيدت القضية ضد مجهول، كما ثبت على شخص معه عبوة ناسفة بهدف نسف المستشفى، وقبض عليه في حينه، لكن تم الافراج عنه.. إلى جانب ما حدث في الأيام القليلة، بحسب إدارة المستشفى، والتي قالت بأن مسلحين (بلاطجة) اعتدوا على المستشفى وحطموا واجهته”.
*دور إيجابي خلال فترة الحر ب
تقتضي الموضوعية والأمانة الإشارة إلى أن المستشفى قد لعب دورا هاما أثناء وبعد الحرب الأخيرة التي شنتها القوات الشمالية التابعة للرئيس السابق صالح وميليشيات الحوثي، في تقديم خدماته الجليلة للمواطنين وجرحى المقاومة، برغم كل الصعوبات التي يعانيها من قلة الكادر الطبي والتمريضي، وانعدام الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى.
بل أنه ظل المستشفى الحكومي الوحيد الذي قدم خدماته بعد إغلاق معظم المستشفيات الرئيسية خدماتها بصورة قسرية، نظرا لسيطرة القوات الغازية على مديريات رئيسية في عدن، واستمر يعمل بصورة متميزة تستحق كل الثناء والعرفان لكل طاقمه الطبي والتمريضي والموظفين المتطوعين، وعمل بحدود ما توفر من أدوية ومستلزمات طبية كان قد تسلمها من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي خلال الأشهر التي سبقت تحرير المدينة، وساهمت تلك المساعدات في تحسين مستوى الخدمات التي قدمها المستشفى للمرضى.
*مذكرة تفاهم مع الإمارات
تم الاتفاق في أواخر شهر يوليو الماضي، بتوقيع مذكرة تفاهم بين الإماراتيين وإدارة المستشفى لفتح قسم خاص لعلاج أفراد الحزام الأمني، والذين كانوا قد أبدى في وقت سابق تقديم مساعدته ودعمه لإدارة المستشفى لإنعاشه من حالة الركود والجمود، من خلال توفير كل النواقص المتعلقة بالكادر الطبي، والتكفل بسداد تكاليف العمليات التي تجرى لمنتسبي الحزام.
يذكر أن الحزام الأمني كان له تجربة في دعم مستشفى الجمهورية التعليمي بخورمكسر، في إبرام عقد مع إدارة المستشفى لتسلم أقسام الدور الثاني لتشغيلها، في حين تقدمت إدارة مستشفى 22 مايو (خليفة الجراحي) بطلب حاجتها إلى مستودع لحفظ الأدوية وكذا حفظ أجهزتها الموجودة في أقسام الرقود، وقد وافق الحزام الأمني على ذلك الطلب باستقطاع جزء من حديقة المستشفى وتسليمها لأحد المقاولين للعمل على إنشاء المستودع للأدوية، ومعدات المستشفى، لكن إدارة المستشفى رفضت الإبرام في حينه.
*ختاماً..
في الختام يبقى الأمل لكي نؤسس قطاعا صحيا ناجحا وفق استراتيجية متكاملة، ودعم مستمر لاستنهاض المستشفى واستعادة دوره المفقود، والذي لن يتم إلا بتوفر الحرص والمسؤولية والرقابة الدائمة على مختلف التجاوزات والخروقات، والذي يتعين على مديرها الحالي الدكتور أوسان محمد محمود ناصر، وهو من الكوادر الشابة الجيدة، المؤمل منها مع كل العناصر الشريفة إيجاد حلول ومخارج مجدية وناجعة لتحسين الوضع العام في المستشفى، وانتشاله من حالته الراهنة، خدمة للمصلحة العامة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى