«الأيام» في ذكراها التاسعة والخمسين.. من 8 أغسطس 1958 - 8 أغسطس 2017 عودة عبق الصحافة العدنية العريقة إلى حيز الوجود

> إعداد وتقديم / بلال غلام حسين

> قال توماس جيفرسون ذات مرة بأنه يفضل العيش في بلد فيها صحافة دون قوانين من العيش في بلد فيها قوانين دون صحافة.
وقد عاشت عدن لأكثر من نصف قرن من الزمان منذ احتلال بريطانيا لعدن في ظل قوانين منظمة ولكن دون صحافة، وبمناسبة عودة صدور صحيفة «الأيام» الغراء مرة أخرى بعد توقف قسري بسبب الحرب الأخيرة الصارخة التي شنتها عصابات المخلوع صالح والحوثي على عدن والجنوب.
وجاء استعادة «الأيام» لموقعها الريادي المحض كصحيفة عريقة رائدة في بلاط صاحبة الجلالة مع قرب حلول الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيسها، وكان لزاماً علينا تعريف القارئ الكريم بتاريخ أهم وأقدم الصحف العدنية العريقة ودورها منذ نشوء الصحافة الورقية في عدن.
بعد دخول الصحافة إلى حيز الوجود في عدن في بدايات القرن الماضي في عام 1900م ممثلة بصحيفة (إيدن جازيت الأسبوعية) وتحولت تسميتها فيما بعد إلى (عدن فوكس) وتلتها صحيفة (أيكو) باللغة الإنجليزية أيضاً في أواخر الثلاثينات، وبعدها في خمسينات القرن الماضي ومع ازدهار الصحافة العدنية وتطورها سطع نجم عميد الصحافة العدنية وعضو المجلس التشريعي الأستاذ (محمد علي باشراحيل) كمنافس قوي في بلاط صاحبة الجلالة، وفي 29 سبتمبر 1955م وبموجب المادة الخامسة من مرسوم الصحافة وتسجيل الكتب رقم (125) وبعد موافقة رئيس سكرتارية الحاكم العام لعدن، أصدر ضابط العلاقات العامة في وزارة الإرشاد القومي ترخيصاً رسمياً لاستصدار (صحيفة الريكوردر) تحت مرجع رقم (9/55/509) كصحيفة أسبوعية حرة، وثالث صحيفة تصدر في مستعمرة عدن باللغة الإنجليزية.
الفقيد بعد تركيب أول آلة صف آلي في «الأيام» الأول من نوعها في جنوب شبه الجزيرة العربية
الفقيد بعد تركيب أول آلة صف آلي في «الأيام» الأول من نوعها في جنوب شبه الجزيرة العربية

كانت (الريكوردر) في بدايات تأسيسها صحيفة أسبوعية تصدر كل يوم أحد، ولكنها سرعان ما تطورت وتحولت إلى صحيفة يومية، وكان ذلك في العام 1958م بعد أن ساهمت في زرع الوعي والحس الثقافي والسياسي لدى المواطن العدني وتفاعلت مع قضايا البلد السياسية والاجتماعية مما جعلها تواجه العديد من المضايقات من قبل السلطات البريطانية ومحاولات من تجديد ترخيصها بحجج واهية من قبل السلطات الأمنية، ولكن تلك الأساليب لم تثنها عن مواصلة رسالتها الصحفية السامية رغم كل المصاعب التي واجهتها ووقفت حجر عثرة أمامها، فقد أستمرت في مواصلة عملها على النهج والطريق الذي رسمه لها العميد باشراحيل الذي كان يعتبر من قادة الوعي في البلاد، ولاقت الصحيفة استحساناً منقطع النظير وهو ما جعل صحيفة (الريكوردر البريطانية) تسطر على صدر صحيفتها مقالاً بمناسبة صدور (الريكوردر العدنية) للكاتب والصحفي البريطاني (روبرت ريد) تحت عنوان: (مُسجل لندن تتنبأ لمسجل عدن) وذكر فيه قائلاً:
“ أنه من الصُدف العجيبة أن تتحدث صحف لندن عن خبر صدور صحيفة المسجل في عدن وهي الأولى منذ ثلاثة وعشرين عاماً، وسر العجب أن تكون هذه الجريدة حاملة لنفس الأسم للمسجل البريطانية (The Recorder). وقد وصف الصحفي روبرت صدورها بأنه حدث مهم لأنه يخطط لتغير اجتماعي كان آخذاً مكانه تدريجياً منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، تغيراً في العلاقة بين القارئ والجريدة. وأضاف قائلاً: وقد كنا نسمع أن إصدار جريدة صباحية جديدة بدون رأسمال ضخم وخسائر كبيرة في البداية غير ممكن بحيث أن القليلين سيترددون في الإعجاب بشجاعة القيام بمشروع جديد كهذا. ولكن.. في عالم حيث تزداد أهمية تكاثر الأخبار ووجهات النظر، وحيث يكبت مقدار منها فإن خلق صوت جديد، جريدة يومية.. مسألة ذات أهمية إجتماعية خطيرة!!”.
الفقيد هشام باشراحيل مع بعض الدارسين بإحدى كليات هندسة المطابع في بريطانيا
الفقيد هشام باشراحيل مع بعض الدارسين بإحدى كليات هندسة المطابع في بريطانيا

ومع مرور الوقت وتزايد الوعي الثقافي عند المواطن في عدن بالإضافة إلى تقدم دور الصحافة الحرة في عدن وخروج العديد من الصحف العدنية إلى حيز الوجود، وبعد جهود حثيثة ومُضنية مع شريكة حياته قرر الأستاذ محمد علي باشراحيل التقدم لدى حكومة عدن بطلب ترخيص جديد لإصدار صحيفة ناطقة باللغة العربية، وكُللت جهوده تلك بالنجاح عندما أصدرت سكرتارية الحاكم العام لعدن بموجب قانون الصحافة وتسجيل الكُتب بمنح باشراحيل الترخيص، وفي 8 أغسطس 1958م كانت البدايات الأولى لصدور أول عدد من صحيفة «الأيام» اليومية.
وبهذه المناسبة افتتحت دار «الأيام» و“الريكوردر” أول مصنع من نوعه في عدن وجنوب الجزيرة العربية لصناعة الأكليشهات على البلاستيك والحديد بإستعمال الأشعة الكهربائية، والتي كانت تعتبر في وقتها من أحدث وأغلى الوسائل العالمية المستخدمة في إخراج الأكليشيهات بالإضافة إلى دقة هذه الآلة في إخراج الصور، وبلغت قيمتها أربعين ألف شلن.. وقد سدت دار «الأيام» بهذه الآلة نقصاً كبيراً كانت الصحافة المحلية تعاني منه.
العميد محمد علي باشراحيل يتناول الطعام مع وفد طلابي من جمهورية غانا في دار «الأيام» بعدن
العميد محمد علي باشراحيل يتناول الطعام مع وفد طلابي من جمهورية غانا في دار «الأيام» بعدن

وقد تألق اسم محمد علي باشراحيل في أوساط الشعب بفضل نزاهته ومواقفه الوطنية المشرفة وإدراكه لرغبات أبناء بلده الذين ناضل من أجل قضاياهم وقضايا بلده وساهم إسهاماً فعالاً من خلال عضويته في المجلس التشريعي وقبلها في المجلس البلدي، وأفرد حيزاً كبيراً لتلك القضايا في صفحات صحيفتي “الريكوردر” و«الأيام» والتي تلامس هموم أبناء بلده والدفاع عنهم، والوقوف مع سياسات النقابات العمالية والسماح لزعماء النقابات بالكتابة في صحيفة «الأيام» للمطالبة بحقوق العمال، ومساندته لثورة سبتمبر في اليمن، وكل ذلك لم يعجب السلطات البريطانية التي كانت تراقب كل تحركات محمد علي باشراحيل وكل ما يُكتب في صحيفته من خلال الأجهزة الأمنية التي كانت ترفع تقاريرها ضد الصحيفة لمكتب الحاكم العام لعدن بصورة دورية وسرية، واستمرت المضايقات لعميد الصحافة حتى وصل الحال بالسلطات البريطانية في 1 أكتوبر 1962 وبأمر مباشر من حاكم عدن وبموجب المادة الخامسة من قانون تسجيل الصحافة والكُتب (Cap.125) بإلغاء ترخيص صحيفة «الأيام» وإغلاقها.. وكان هذا الاغلاق الأول فيما كانت المرة الثانية عام 1964م. وقبيل الاستقلال بأشهر توقفت الصحيفة عن الصدور وبالضبط في ابريل 1967م مثلها مثل باقي الصحف في ذلك الوقت.

وأستمر هذا الإغلاق القسري الثالث لمدة ثلاثة وعشرين عاماً للفترة من 1967 - 1990م، وعادت الصحيفة للظهور مرة أخرى، ولكن هذه المرة على أيدي نجلي عميد الصحافة الأستاذين (هشام وتمام باشراحيل) اللذين استمرا في في قيادة دفة «الأيام» على خط السير الذي رسمه لهما والدهما، عليه رحمة الله، واستمر الحال على ذلك حتى انطلقت الانتفاضة الجنوبية ضد طغيان الرئيس المخلوع وزبانيته، وساهمت الصحيفة إسهاماً فعالاً في إظهار قضية الجنوب أمام الرأي العام المحلي والدولي، مما جعل حاكم صنعاء يستشيط غضباً ويعطي أوامره لسلطاتة الأمنية بشن هجوم بربري على مبنى الصحيفة وإغلاقها.

ولكنها «الأيام» التي لا تعرف المستحيل، عاودت التحليق مرة أخرى في سماء الصحافة قبل الحرب الأخيرة بفترة وجيزة، ولكن تلك العودة لم تدم طويلاً حينما اندلعت الحرب البربرية الغاشمة على عدن في 26 مارس 2015م وكان ذلك الإغلاق القسري الثالث للصحيفة، وبعد مرور عامين ونصف من الحرب ها هي «الأيام» تنتفض مرة أخرى كطائر العنقاء الذي خرج من وسط الرماد وتعود لقُرائها بحلة قشيبة لتؤدي دورها الذي طالما عُرفت به قديماً وحديثاً في خدمة قضايا أبناء بلدها وحقوقهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى