دموع في عيون وطنية

> د.علي عبد الكريم

>
د.علي عبد الكريم
د.علي عبد الكريم
حين يكون الكلام صادقا وصادرا من القلب، تدرك أن المتحدث يدرك مسؤولية وتبعات ما يقول في ظرف عصيب، أبلغ ما يمكن وصف معطياته بأنها ليست معقدة بل إنها تحمل في أحشائها عوامل تناقضاتها إلى درجة يخشى معها انفلات الأمور إلى مواجهات لا تحمد عقباها.
أنا هنا أتحدث عن حديث الأخ محافظ محافظة عدن إلى جمهرة رجال القضاء، العنوان الأبرز للدخول في مشروع الدولة والاستقرار، إذ لا حياة ولا أمن وأمان دون قضاء نزيه وأمين وفعال تحترم مكانته وتنفذ أحكامه.
كان الرجل يتحدث بوعي التجربة ومتطلبات رحلة المستقبل الشاقة، بدأ من رحلة التأسيس والانطلاق. هو لم يستل سيفا ولا حرك مدرعات، أطلق لسانه بعد أن شاور واستشار عقله، مستوعبا الظرف الحالى والمستقبلي وطبيعة ما يواجه وما سيواجه من تحديات.. وقد قال صراحة: "لن يفرضوا علينا مشاريعهم"، وذلك يعني أنه يمتلك مشروعا وطنيا يتمثل بمخرجات مؤتمر الحوار، ولا شك أنه عبر هذا المنظور سيجد دعما وطنيا واسع الارجاء.
تجلى موقفه حين أكد على احترام مكانة القضاء وضرورة تكامل كل المقومات التي تمهد لعهد جديد يصير للقضاء الدور الذي يشكل المظلة المنيعة لحماية المصالح وفقا للقوانين، وضرورة احترامها داخل الساحة الوطنية في عموم اليمن.
أكد الرجل على ضرورة الاستفادة من تراكم الخبرات التي تشكل ثروة وطنية لا يجوز الاستمرار في إهدارها.
كان مستوعبا الحيثيات التي يريد التأكيد عليها، لا تلميحا ولا مرورا عابرا، ولكنه تأكيد الواثق لمكانة ودور عدن التاريخي الذي بات أكثر إلحاحا لتتحول هذه المدينة بتاريخها النضالي والوطني للعب دور أساسي وبارز في مرحلة التحول هذه.. دور يعكس مفهومها الوطني الذي شكل أرضية لإنجازات مضت وعلى طريق تحقيق تطلعات مستقبلية، الكل حريص على أن تلعب هذه المدينة بكل ما تختزن دورها التاريخي المنتظر دون فرز أو تعصب.
كي لا أطيل وأنا حريص على أن تتحول كل كلمة قالها وقد كان وهكذا ينبغي أن يكون الأمر، كان يدرك تبعات تنفيذها، بحيث تشكل بارقة أمل جديد ولا تتحول إلى مجرد كلمات قيلت وعبر عليها الزمن والظروف والتعقيدات التي تصاحب رحلة الرجل في مواجهة التحديات، وما أكثرها.. ولذا ومن موقف الداعم لما ذهب إليه المحافظ أعتقد أنني غير مبالغ إن قلت إنه قد أدرك واستوعب ما ينبغي التحوط بشأنه مستقبلا من حيث أن:
- كل كلمة أو وعد هو التزام أدبي وأخلاقي لا يحيل الأمر إلى مقارنات قد ملت الناس منها، إنه التزام ومعنى نأمل أن يكون قد أدرك متطلبات تحقيقهما في واقع ظروف صعبة ومعقدة.
- أن يكون - ونأمل له ذلك - يمتلك ناصية التنفيذ بعيدا عن كل ألاعيب البيروقراطية، وتضارب المصالح والمعارك الجانبية سياسيا.
- أنا على يقين من خبرة الرجل، فاليد الواحدة لا تصفق، والأمر يقتضي الانتقال إلى مرحلة العمل المؤسسي.. نعم ذلك يتطلب وقتا وجهدا وحسن اختيار، ولكنه أمر لابد منه.
- كان حريصا على امتزاج رحلة عمله ليجمع بين الحلم وتعقيدات الواقع، تماما كما جمعت كلماته بين العقل والتعقل والعاطفة، فهو اتحادي لا وحدوي، مفسرا ذلك بأن الاتحادي إنما هو بمثابة الإضافة، وليس الانتقاص، وكان بارعا وهو يوصّف لحالة المدينة/المدنيه، وهو يدخل قلب المعادلة التاريخية القادمة.. إذ نحن ذاهبون إلى مربع الدولة المدنية، والمدنية تؤثر، تعطي، تهضم وتعيد هضم المدخلات.. ذلك كان دور عدن أداء تاريخيا بنجاح، والأمر مازال يطلب أن تمارس المدينة دورها، أو كما قال "عدن تطوع ولا تطوع"، أي أن العملة الرديئة التي يحاول البعض تسويقها في عدن لن يكتب لها النجاح.
اختم بالقول "إن امتزاج الحديث العاطفي بالمدركات الموضوعية والعقلية قد تمظهرت بدمع انساب حياء"، أو كما قال "إنها دموع الكبرياء والفرح".
ونقول له إنها دموع كبرياء البحث عن مشروع وطن وإنسان، وبالمعني الوطني الذي عبرت عنه كلماته ودموع الفرح بالآتي الجديد، وهي رحلة شاقة على الجميع أن يكون مساهما في تحدي تحدياتها، وما أكثرها للأسف!!.. لكن رحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الصحيحة.. الأولى أن تلك الدمعات التي انسابت كما قال دموع كبرياء وفرح.. وأقول عنها إنها دموع في عيون وطنية وليست مجرد دموع في عيون وقحة تلك التي رأيناها في مسلسل قديم مصري..
فعلا، إنها دموع الكبرياء والفرح لوطن يحاول أن يخرج من تحت الركام والدمار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى