في البنك المركزي (جدة عميّا سرجي) (2)

> راؤول السروري*

>
راؤول السروري
راؤول السروري
طالعت بيان الأخ محافظ البنك المركزي، وانا متردد من التسرع في إيجاد إجابة للأسئلة التي اختتمت بها موضوعي السابق، وأقول تمهل شهرا لعلّ وعسى تلقى بصيص أمل.
ووجدت البيان لم يبين شيئا سوء التهرب من المسؤولية لا غير، معللا في ذلك البيان اعتراض الطيران على نقل الاوراق النقدية لعدن بسبب الحر الشديد.
وأشير هنا إلى ما قلته باستحالة ارتباط البيان بإيضاح المشكلة الأساسية، ويظل البيان غامضا مهنيا واضحا سياسيا.
ولأن ريالنا لا يقوى على الحر فقد أوصوا بذهابه لعمّان كمنطقة يمكنها أن تحافظ عليه، وهذا ما يؤكد أن الدينار والدرهم (الشلن) كان مصمما ليتحمل درجات الطقس الحار أما الريال فإنه بالحر ينهار، فقرروا نقله لعاصمة تتمتع بطقس بارد حفاظا عليه.
فأتساءل: هل تحول السويفت للعاصمة عدن! أو أنه تم تحويله عن طريق حوالة مصرفية؟!، وينضاف هذا السؤال للسؤالين في موضوعي السابق المنشور يوم السبت 5 أغسطس في العدد (5997).
مستذكرا حين صرح دولة رئيس الوزراء بأنه قد تم تحويل السويفت للعاصمة المؤقتة عدن في نهاية العام الماضي، حينها كانت الأمور تدور على براميل الحقول المخزونة من دهور، بالرغم أن السويفت كود يخص الحوالات.
موضحا باختصار نظام السويفت، فنظام السويفت هو النظام المركزي العالمي الذي تتم من خلاله الحوالات المالية المتبادلة بين البنوك العالمية وذلك باعتماد مقاييس لكل دولة ورمز من الرموز المحددة لكل بنك أو فرع من البنك في الدولة نفسها، وهذا ما يعرف بنظام السويفت كود.
ولا نخفي العامة قولا بأن الصراعات التي تحدث بين الحين والآخر على الأرض تؤثر سلبا على القرار والتداول النقدي، من حيث كونها اضطراب امني يفقد الثقة فيما بين التعاملات النقدية نفسها من جهة، ومن جهة أخرى يشكل أرضا خصبة لتشكل جماعات تسعى لجمع ثروات طائلة محتجزة كميات هائلة من النقد المحلي والأجنبي، فتحدث مضاربة غير منتظمة في التدفقات الداخلة والخارجة بالأوراق النقدية ويلجأ التاجر إلى طرق مكلفة يحمي من خلالها منشآته التجارية محملا ارتفاع التكلفة على المستهلك.
وحقيقة هذا ما عشناه خلال العامين الماضيين، حيث شهدت العاصمة المؤقتة عدن تدفقا مهولا من العملات المختلفة في ظل غياب كلي للبنك المركزي وبشكل مخيف جدا، بالرغم من أن المركزي هو عمود الدولة.
وأستطيع أن أحدد خطا واضحا دون حصر للأسباب التي أدت إلى الوضع المزري والمأساوي الذي نعيشه اليوم جنوبا وشمالا، في عدم فاعلية البنك المركزي وتحسسه لما يدور حوله والاستجابة لما يدور برغم ارتباط مسار التداول النقدي عن طريقه ولو بواسطة القيد فقط.
وأتفق مع القول الراجح إن الأمر بدأ في العام الأول من تحرير عدن حين ذهب البنك المركزي لتثبيت سعر صرف رسمي عند 251 ريالا يمنيا للدولار الأمريكي الواحد، دون متابعة وتطبيق السياسة المالية التي تضمن هذا الثبات على الأقل لفترة مستقبلية، بل على العكس اتخذ البنك قرار بيع مائة مليون دولار بالمزاد بسعر السوق الذي تجاوز 300 ريال مقابل الدولار الواحد، بالرغم من إعلانه لسعر ثابت يقل عن سعر البيع بخمسين ريالا يمنيا لكل دولار.
وظل الحال إلى أن أعلنها صراحة أنه من تاريخ 15 أغسطس سيتم تعويم العملات مقابل الريال، وهنا تذكرت تمام التضخم المتزايد الذي صاحب ريالنا بعد حرب صيف 1994م عندما كان الدولار بخمسين ريالا يمنيا، فحين اتخذ هرم البنك المركزي اليمني آنذاك بالتنسيق مع وزارة المالية قرار التعويم تسبب خلال نيف من السنين بهبوط حاد في الريال انتهى به الحال بمطلع الألفية الثالثة عند سعر 180 ريالا يمنيا/دولار أمريكي.
ولأن بلدنا الحبيبة منذ ستينيات القرن الماضي لم تكد تهدأ سياسيا، فما كان من ذلك التعويم إلا أن اصطحب معه تضخما متزايدا للعملات مقابل الريال اليمني حتى وصل الدولار الأمريكي لما يقارب ربع الألف ريال في مطلع عام 2011م، ما استدعى مهنية الأستاذ بن همام التي لا يختلف عليها اثنان إلى تثبيت الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي عند (215) منذ ذلك العام مستمرا بالثبات إلى ما بعد حرب 2015م.
وكما يقولون “أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي”، فالبرغم من تجارب من سبقوه من محافظي البنك المركزي واستخدامهم لمعالجات زادت من تفاقم التضخم، بما فيها طباعة عملة الألف ريال التي لم تكن موجودة حتى أبصرت النور في 2002م وإضافة فئة (250) ريالا للأوراق النقدية بعدها بقليل إلا أنه استطاع أن يحافظ على ثبات سعر الصرف لمدة تزيد على خمس سنوات.
والتعويم عكس الثبات بالمفهوم البسيط وهو عدم تدخل البنك المركزي في سعر الصرف وإخضاع تداول العملات لقانون العرض والطلب في السوق، وفي بلدنا خاصة بهذه الأوضاع يمكن إسقاط التعويم كخصخصة البنك المركزي من خلال تحجيمه.. ولا نعلم لماذا؟!.. كما أن التعويم ينعش الاقتصاد في ظل فاعلية أركان الدولة مجتمعة، والثبات يحافظ على هيبة الدولة في ظل اضطرابات على كل المستويات.
وأختم موضوعي في هذا العدد مناشدا (جدة عميّا) أن تبذل العناية اللازمة وتتحمل مسؤوليتها تجاه البنك المركزي الذي بات بوضع لا يحسد عليه، وسأظل أقول “جدة عميّا سرجي شلي عصاتك واخبطي”.
* محاسب قانوني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى