طبيعة الجدل حول قرار تعويم الريال

> نزار أنور عبدالكريم

>
نزار أنور عبدالكريم
نزار أنور عبدالكريم
في الأمس أعلن البنك المركزي عن قرار تعويم العملة المحلية (الريال اليمني)، وأثار هذا القرار كثيرا من الجدل بين أوساط شرائح المجتمع المختلفة، وذلك يعود ربما لما للتسمية من مفهوم اقتصادي وعلمي حملت فيما مضى في تجاربها في دول عديدة تبعات اقتصادية واجتماعية قاسية جدا بالذات على تلك الشريحة من المجتمع التي تعتمد في معيشتها على دخولها الثابتة أو ما يطلق عليها بموظفي الدولة أو الدخل المحدود، كذلك لها انعكاساتها على تلك الشركات المحلية التي تعتمد في نشاطها التجاري على الواردات من الخارج، وربما تكون تلك المخاوف عند هذه الشرائح محتملة أو حتمية الوقوع لكنها ليست بتلك الدرجة المتوقعة من الآثار السلبية التي تترك انطباعها على تلك الفئات المجتمعية.
لماذا نقول ذلك؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتعرف أولا على تلك التسمية التي ذكرها البنك المركزي في قراره الأخير (تعويم العملة)، إذاً ما المقصود بتعويم العملة؟
تعويم العملة هو جعل سعر صرف هذه العملة محررا بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
إذاً من خلال التعريف العلمي لهذه التسمية ربما قد يلاحظ المتابع الدقيق للشأن الاقتصادي اليمني بأن قرار تعويم الريال هو قرار قد تم العمل به مسبقا قبل الإعلان عنه بشكل رسمي من البنك المركزي.. وإنما يأتي الإعلان عن تلك السياسة المتبعة فقط للتمهيد للخطوات التالية التي ستتبع القرار.
وهنا قد يقول قائل إنني مخطئ في تفسيري لهذا القرار، وأن البنك كانت له تدخلات سابقة في تحديد سعر الصرف؟
بالعودة إلى التعريف أعلاه نضع أكثر من خط تحت كلمة (بتحديده بشكل مباشر) التي وردت في التعريف، والتي تفسر مسألة أن البنك قد يتدخل بطرق غير مباشرة للحفاظ على بقاء أسعار الصرف عند مستويات محددة وذلك للحد من ارتفاع معدلات التضخم سواء في أسعار السلع الاستهلاكية من الناتج المحلي أو الواردات. وهنا يبرز مفهوم آخر ذات ارتباط وثيق بمفهوم تعويم العملة بما يعني أن مسألة أو سياسة التعويم للعملة المحلية لها أنماط أو أشكال معينة؟
الإجابة: نعم.. وهي كالآتي:
إما أن يكون التعويم خالصا أو يكون مُوجَّها:
- التعويم الخالص (النظيف): يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر.
- التعويم المُوجَّه: يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.
إذاً من خلال التعرف على أشكال التعويم للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية الأخرى نتأكد من أن ما قلناه ينطبق تماما على النوع أو الشكل الثاني من التعويم للعملة وهو التعويم الموجه، وذلك ما مارسه البنك المركزي خلال الفترة الماضية منذ تنفيذ قرار نقله من صنعاء إلى عدن، لكنه لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي.
ومن خلال ما قلناه سابقا والتعرف على تلك المسميات وتلك السياسات سيقودنا الأمر إلى أن تبعات هذا الإعلان من المتوقع أن لا تتسبب في أضرار اقتصادية واجتماعية أكثر من الموجودة، لأنها قد فعلت مسبقا ذلك ولكن دونما الإعلان عنها. هناك من سيقول ربما القرار قد يتخذ النمط الأول أو ينتقل إلى الشكل الأول من أشكال التعويم أي (التعويم الخالص أو النظيف)؟
وهنا يجب أن نوضح أمرا مهما هو أن مثل هذا النوع من السياسات النقدية لا يمكن تطبيقها إلا في الدول التي تتمتع باقتصاديات مزدهرة وقوية، وذلك لجلب مزيد من الاستثمارات دونما خوف من أن تؤثر مثل تلك السياسات على عملتها المحلية لأن لديها كل المقومات الأساسية للحفاظ عليها كما هي، سواء فيما يتعلق بالاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية أو الذهب أو ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في أسواقها المحلية والخارجية مقابل انخفاض معدلات التضخم فيها.
أما النوع الثاني فهو دائما ما تتبعه الدول النامية لتجاوز أزماتها الاقتصادية التي تعصف بها كبلدنا الذي يشهد حربا أكلت الأخضر واليابس منذ أعوام، وأصبح مناخا مناسبا لتفشي الفساد وازدهار تجارة السلاح، وفي المقابل تشهد ركودا اقتصاديا مخيفا منذ أعوام.
إذاً ما هي السياسات التي يجب أن يتبعها البنك المركزي عند انتقاله إلى هكذا نظام جديد يتسم بالمرونة وتحرير أسعار الصرف للعملات، والتي من شأنها إحداث إصلاحات اقتصادية واجتماعية مهمة متى ما كان الهدف منها تحقيق ذلك؟
في اعتقادي أن الإجابة عن هكذا سؤال كان من المفترض أن يتبع ذلك القرار الذي تم الإعلان عنه وأن لا يترك المجال مفتوحا أمام الآخرين ليشككوا في صواب مثل هكذا سياسات أو قرارات تتخذ، وأن يخلقوا منها فرصة جيدة لتحقيق مكاسب سياسية تخدم الأطراف الأخرى المساهمة في الصراع السياسي الدائر اليوم أو أن تخلق حالة من الجدل المجتمعي بين أوساط العامة من الشعب.
فقد آن الأوان أن يخرج وزير المالية أو من ينوبه أو محافظ البنك المركزي ليوضحوا للناس الآلية المتبعة لتنفيذ هذه القرارات والأهداف المرجوة منها، وكذلك الآثار المتوقعة على المدى المتوسط والبعيد، وفي المقابل الإجراءات والسياسات التي ستتبع للتخفيف منها ومن أعباء تلك الضغوط المحتملة، وذلك حتى يتم إغلاق الباب أمام الآخرين من التشكيك في قدرتها على إدارة المرحلة أو يتهمها البعض بالفشل كالتصريح الأخير الذي قرأته لوزير المالية السابق سيف العسلي والذي- باعتقادي- الهدف منه سياسي أكثر من كونه اقتصاديا أو وطنيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى