ماذا وراء قرار التعويم ؟

> د. علي عبدالكريم

>
د. علي عبدالكريم
د. علي عبدالكريم
حين يتمعن المرء في قراءة التوضيح الصادر عن البنك المركزي يجد لزاما عليه أن يعيد بعض الأمور الجوهرية إلى نصابها الصحيح.
يشير توضيح البنك المركزي إلى أن قرار التعويم الذي أصدره إنما هو امتداد لسياسات تعويم تم اتخاذها وفقا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي باشرته البلاد منذ التسعينات، لكنه لم يشر إلى أن تطبيق ذلك البرنامج بمرحلتيه وهما:
- المرحلة الأولى : التثبيت الاقتصادي:
وخلال هذه المرحلة يطلب صندوق النقد الدولي - وفي أجل قصير - ضرورة المرور بما يسمى معالجة مظاهر العجز المالي الكلي وضرورة معالجة ما يسمي أيضا تشوهات الأسعار ويترافق معهما وضع ميزانيات تقشفية.
- المرحلة الثانية: الإصلاح الهيكلي:
وتبدأ بمقولة تحرير التجارة استيرادا وتصديرا تتداخل معها وبصورة مباشرة سياسات الخصخصة، مرورا بإعادة القراءة الكلية للسياسات الضريبية مع تحول كلي نحو إطلاق حريات النظام المصرفي، وفي إطار أوضاع هشة تتسم بعدم استقرار الأوضاع الأمنية ودور ومكانة الدولة كمنظم للتآكل لتنشأ على ظلالها هياكل تنتسب لمرحلة ما قبل الدولة حتى وإن كانت ضعيفة وما يترتب على ذلك من انتاج دورات للعنف والفساد والحروب وسيادة مظلة للافساد المالي والسياسي ولذا لم تكن ثمرات مرحلتي الإصلاح إلا المزيد من التدمير للقدرات الوطنية المتاحة والى تتالي ممرحل لتدمير العمله الوطنيه المنهكه أصلا لأنها لم ترتكز على رؤيه ثابته مستقره مدروسه تسهم في خلق مناخ إنتاجي خدماتي مالي يتسم بالمرونه والحركيه التي تمكنه بتوسيع قاعده انتاجيه بدلا من فتح أبواب وأسواق الاستيراد ذلك بالطبع يتطلب وجودا فاعلا للبنك المركزي ليلعب دورا أبعد من اقتصاره على تدوير سياسته النقديه / تحريك سعر الفائده / للأسف أصبح البنك المركزي فاقدا لهكذا دور لأنه بات شريكا مع الحكومه التي وقعت برامج الإصلاح مع كل من صندوق النقد الدولي / البنك الدولي اللذين حيث يصبحان للأسف شريكين ولاعبين أساسيين بل أنهما يسعيان لتحقيق ما يسمى باستقلال دور البنك المركزي ناهيك عن أنهما يهتمان بالدرجه الأساس باستعادة ما يقدمانه من قروض ويضمنان استعادة فوائدها ويصران أيما إصرار على إجراء تخفيضات متتاليه في بنود الميزانيات الموجهه للخدمات الاجتماعيه حتى يتحقق ما يسمى بتقليص عجز الموازنه وسياستهما تذهب وباصرار صوب تخفيض الإنفاق على أبواب الميزانيه المرتبطه بالخدمات الاجتماعيه وما يحدثه مثل هذا التوجه من تآكل للقيمه الحقيقيه للدخول والأجور لكن هاتين المؤسستين لا تباليان بما قد ينجم عن ذلك من مظاهر البطاله وتعاظم التأثيرات السيئه الناجمه عن سياسات تخفيض سعر العمله الوطنيه التي تعني مباشرة الاقتطاع المباشر لنسب متزايده من دخول ثابته في ظل أوضاع دولره تجعل من السوق الوطنيه الضعيفه تتعامل وفق معدلات أسعار دوليه لم تأخذ مطلقا في اعتبارها مدى تباين مستويات الدخول بين بلدان الاستيراد وبلد منهك ضعيف دخول مواطنيه ثابته وشديدة الضعف تلك مساله لا تعيرها المؤسسات الدوليه والبنوك المركزيه أي اهتمام ضاربه عرض الحائط بشرط مراعاة الجانب الاجتماعي لأنها فقط تبحث عن التوازنات الماليه بالميزانيات الجاريه وميزان المدفوعات والميزان التجاري نتيجة وجود خلل هيكلي مزمن لن تحله حسب التجارب عمليات الإصلاح غير المرشده حتى ضمن مقاييس الحوكمه التي كثر الحديث عنها.
ما نود قوله في هذه الأوضاع الأكثر خطوره التي يمر بها اقتصاد البلاد المفكك المتهالك سيحدث من الكوارث ما نحن في غنى عنه لأن التعويم وإطلاق أظافره في أسواق ماليه مشوهه يتلاعب بها السماسره والمضاربون ستلحق أضرارا بالغة الخطورة بأصحاب الرواتب والدخول الثابته من كافة الموظفين والمتقاعدين كما سيلحق لاشك ضررا بالغا بأصحاب الودائع من صغار القوم الذين يعتاشون على فوائد ودايعهم وينبغي التأكيد على أن الذين سيستفيدون من كارثة كهذه فقط أولئك الذين يحتفظون بارصده من النقد الأجنبي أو يتقاضون رواتبهم وحوافزهم بالنقد الأجنبي أما الذين يتعاملون بالريال الذي ستتهالك قيمته بما يعنيه ذلك من ضرر بالغ بمستوى معيشتهم الضعيف أصلا.
من جانب آخر هناك تأثيرات لا أدري إلى أي مدى جرى تدارسها وما اتخذ من سياسات مع ما تبقى من قطاع دوله وقطاع خاص وبما يضمن وجود رؤيه تسهم في وضع حلول ومعالجات تسهم في مواجهه أي ضرر سيجدون أنفسهم أمام ضروره البحث عن سبل للتعويض وحتى لا يجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبه إما نقل أنشطتهم خارج البلاد أو خارج القنوات الرسميه المفقوده أو الهجره أو انهم سيعملون على عكس الزيادات على أسعار ما يقدمونه من سلع وخدمات في ظل أوضاع باتت تتسم بعدم المرونه والاستقرار لأن مستويات التضخم / زيادة الأسعار / قد بلغت عنان السماء.
الأمر في منتهى الخطوره وأقول للقائمين على أمور الناس والبلاد وفي ظل أجواء الحرب والتناحر السياسي ليس من سبيل آخر غير الإسراع بعقد مؤتمر اقتصادي سريع تحضره الحكومه والبنك المركزي وممثلي القطاع الخاص وعناصر من الخبرات الاقتصاديه الوطنيه على أن يحدد سقف زمني للمؤتمر وجدول أعمال محدد يناقش ما يلزم من إجراءات وخطط لتدارس كيفية مواجهه ما قد ينجم من آثار على الوطن شعبا واقتصادا.
اخيرا لم تكن سياسات التعويم ولن تكون بديله عن شرط استعادة الدوله المصادره والمختطفه لتسهم بدورها المنشود كمظله تحمي المصالح وتساعد على تهيئة المناخات ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد الكلي على فقه البنك الدولي الذي يضر أول ما يضر القطاع الإنتاجي وتؤدي سياسات مرحلة التثبيت التي أشرنا إليها إلى تدمير العمله الوطنيه مع ما يرافق ذلك من أضرار فادحه بأصحاب الدخول الثابته.
لنا أمل أن نسهم جميعا للخروج من هذا النفق المظلم الجديد إذ نحن لا نزال داخل النفق الطويل الذي حبستنا فيه كل القوى التي لا تريد للبلاد استقرارا ولا حياه كريمه للشعب اليمني.
* الأمين العام المساعد الأسبق لجامعة الدول العربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى