كيف وصف المواطنون والخبراء والتجار قرار تعويم العملة ؟ (2) خبراء اقتصاديون: قرار التعويم تسبب بخفض نسبة الأجور إلى 50 % ورفع نسبة الأسعار إلى 100%

> استطلاع/ فردوس العلمي

> في هذه الحلقة نوضح مفهوم تعويم العملة حسب خبراء الاقتصاد والمال، والمفهوم العام هو جعل سعر صرف هذه العملة محررا بشكل كامل، دون أي تدخل من الدولة ممثلة بالبنك المركزي، وترك الأمر للتجار لإفراز هذا الأمر تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
يوضح البروفسور الاقتصادي في كلية العلوم الإدارية علي السقاف الأثر الاقتصادي الناجم عن قرار التعويم "انخفضت الأجور الحقيقية بواقع 50% مقارنة بالصرف قبل التعويم وبعد التعويم، حيث كانت صرف عملة الدولار الواحد بـ 215 ريالا، ليصبح الدولار الواحد بـ 375 ريالا".
ويضرب مثالا بالقول: "الموظف الذي كان راتبه 100 ألف ريال، كان يستلم 466 دولارا قبل التعويم، واليوم أصبح يستلم 266 دولارا، أي تخفيض في أجوره الحقيقية بواقع 50%".
ويضيف: "ومن النتائج أيضاً ازدياد أسعار السلع والخدمات بواقع 100% و200% فإن سعر كيلو اللحم ارتفع من 2500 إلى 4000 ريال، وهذا عكس نفسه على بقية السلع الغذائية والاستهلاكية، ما أربك ميزانية الاسرة، كما أن معظم المحلات التجارية أصبحت تبيع السلع بالدولار، كالثلاجات والغسالات، وبقية السلع الأخرى".
ويتحدث السقاف عن إشكاليات أخرى تتعلق بمعاناة المستأجرين بأن "من كان يدفع قيمة الإيجار600 دولار، ما يعني 130 ألف ريال، فإنه أصبح اليوم مطلوب منه أن يدفع 260 ألف ريال، وهذا يساوي 600 دولار، فالبنوك الوسيطة لا تقبل إلا بالدولار".
وعن قرار اتخاذ البنك المركز لقرار التعويم قال مؤكداً بأنه "قرار خاطئ 100% لأن مهمة البنك التدخل السريع لضبط اختلالات العملة، وبهكذا قرار فإن البنك المركزي - الدولة يتخلى نهائيا عن مسؤوليته، وللعلم فإن العملة كانت معومة ولكن بصورة جزئية، وكان البنك يتدخل في الوقت المناسب ويفرض سعر الصرف، والآن سلمت المهمة للبنوك التجارية والمصارف الخاصة، وهذا النوع من التعويم يسمى بالتعويم الكلي بنسبة 100% ".
*التعويم لا يجدي في الحالة اليمنية
يقول الدكتور عبدالله الشعيبي (دكتوراه في الأزمة المالية): "الحديث عن التعويم ليس بالأمر السهل، فهناك أنظمة عربية استسهلت منهج الخصخصة ذات المنبع البريطاني، وهللوا لها من باب المثل القائل (جاءنا الفرج من حيث لا ندري)، ولم يكن حينها العرب يجرون أي مقارنة بين اقتصاديات دولهم وبريطانيا، ولا من حيث طبيعة النظام المتبع في بلدانهم وبريطانيا، فقاموا بتطبيق الخصخصة على طريقة تخفيف الحمولة عن كاهلهم، فباعوا مؤسسات ومصانع استراتيجية لم يكونوا يفهموا شيئا عن مستقبل البلد من دون هذه الشركات والمصانع"، مردفاً: "إن أقوى الدول المتقدمة لازالت تمتلك قطاعات تعتبرها جزءا من أمنها القومي الاستراتيجي".
خلال ندوة سابقة حول التعويم و أبرز محاورها2
خلال ندوة سابقة حول التعويم و أبرز محاورها2

ويتحدث الشعيبي عن أشكال التعويم قائلاً: "هناك شكلين لتعويم العملة هما الموجه الذي يعطي الحق للبنك المركزي في التدخل بحركة التعويم من خلال قيامه بتغطية السوق من العملات الأجنبية، وهذا يصلح فقط للدول ذات الاحتياطيات النقدية الوفيرة من العملات الأجنبية، لتلبية احتياجات النقد الأجنبي لحاجات الاستيراد سواء للقطاع العام أو للقطاع الخاص، والشكل الآخر هو التعويم الحر الذي ليس للبنك المركزي أية سلطة في سعر الصرف".
وعند ما سألنا الدكتور، هل تعويم العملة ينفع لوضع اليمن؟ أجاب :"بكل شفافية لا ينفع لا لليمن ولا لأية دولة عربية، مهما بلغت درجة ثرائها بسبب ضعف وهشاشة اقتصاديات تلك البلدان، وعدم قدرة التصدير لمعظم منتجاتها واعتمادها فقط على تصدير مادة واحدة كالنفط والغاز، كما هو حال الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، لهذا التعويم لا يجدي إلا في الاقتصادات المتقدمة ذات القدرة على تلبية أسواقها المحلية والتصدير".
ويؤكد على أن "التعويم لا ينفع في الحالة اليمنية بسبب ضعف قاعدتها الاقتصادية، وتغلغل مافيا الفساد واعتمادها على المساعدات الخارجية والقروض، لأن لوبي الفساد الرسمي لا يحسن استغلال تلك المساعدات والقروض استغلالا جيداً وللأهداف التي خصصت لها، وهناك سبب آخر لازال اليمن الرسمي يتهرب من إيجاده وهو عدم تأسيس دولة النظام والقانون".

ويضيف: "لا نستطيع القول إن التعويم له إيجابيات بالنسبة للحالة اليمنية، في ظل الوضع الحالي لليمن، ما لم تكون هناك مؤسسات دولة نظام وقانون واقتصاد قوي يلبي احتياجات السوق المحلي، وينوع من مصادر الأوعية المالية، وبالنسبة لبعض الدول العربية الأخرى فيمكن أن يحقق لها بعض الإيجابيات مثل زيادة الحركة السياحية، وتدفق بعض الاستثمارات التي تبحث عن الأمن والقضاء العادل".
ويتحدث الشعبي عن سلبيات التعويم قائلاً:"السلبيات تمس بشكل مباشر المواطن البسيط الذي يجدها في الارتفاعات المتصاعدة بأسعار المواد الغذائية، وغيرها، وأيضاً بروز قوى اقتصادية ذات إمكانيات مالية ضخمة قادرة على التحكم المباشر وغير المباشر في الأسواق النقدية، والتلاعب في سعر الصرف كما هو حاصل الآن في اليمن، التي لعبت تلك القوى دوراً بارزاً في إضعاف سعر صرف العملة المحلية وعدم توفرها، وصولاً إلى الحد من دورانها الطبيعي".
ويتطرق إلى ما تعرضت له العملة المحلية في اليمن: "تعرضت العملة المحلية إلى موجات كثيرة في تغير سعرها مقابل العملات الأجنبية، وكل هذا يعود إلى ضعف الاقتصاد والتغيرات السياسية الحادة، والحروب المحلية، وتغلغل مافيا الفساد، وتضخم جهاز السلطة، وضعف سلطة القضاء والقانون"، مواصلاً: "يمكننا ملاحظة ذلك خلال العقد الأخير الذي شهدت العملة المحلية انهيارات توقعنا حدوثها وفقا لمؤشرات المؤسسات النقدية الدولية، ووصول سعر الريال إلى ٣٢٠ ريالا مقابل الدولار، لاسيما بعد أحداث الربيع العربي، ولكن تأخر ذلك بفعل مساعدة بعض دول الجوار والأصدقاء أثناء الحرب الأخيرة، بدأ سعر صرف الريال في السقوط المرعب، ووصل إلى ٣٧٠ ريالا مقابل الدولار، وتفاجأ الناس بقرار البنك المركزي اليمني بتعويم الريال من دون دراسات مسبقة ولا مراعاة لواقع البلاد والحرب والنقص الرهيب لاحتياطي البنك من العملة المحلية والعملات الأجنبية، فزاد الوضع تعقيداً".
*مؤشرات كارثية لسعر العملة
يتوقع الخبراء والمراقبون المهتمون باحتمالية الانهيار الكارثي لسعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية فمثلاً خلال العام أو العامين سيصل صرف عملة الدولار الواحد إلى 500 أو 1000 ريال يمني، بحسب توقعات خبراء اقتصاديون.
يقول رئيس مركز القادة للتدريب والاستشارات شوقي السقاف: "تعويم العملة يعني أن سعر الصرف سيكون محررا وسيتحكم فيه السوق، وليس للبنك أي تدخل فيه"، مضيفا: "السؤال الذي يطرح نفسه هل الوقت الآن مناسب لإصدار قرار تعويم الريال اليمني، مع أن صدوره جاء لإعطاء صبغة وصفة قانونية، لأن الريال معوم فعلياً من قبل سوق الصرافة والمتعاملين مع سوق الصرافة، حيث كان يفترض من البنك المركزي التدخل لوقف انهيار العملة المحلية، وفرض الرقابة الفعلية على سوق الصرافة والبنوك الخاصة، وخاصة بعد نقل البنك المركزي إلى عدن، لأنه أصبح تحت سيطرة ومسؤولية الحكومة الشرعية".
وعن الأضرار والآثار المترتبة من تعويم الريال اليمني يقول السقاف: "المتضرر الرئيس هو المواطن في ظل استمرار الحرب، وعدم توفر الرواتب، وارتفاع الأسعار، وتوقف بعض شركات النفط عن العمل، وكذا عدم وجود صادرات وطنية، وانهيار البنية التحتية وتفشي الأمراض وازدياد حالات الفقر والعوز، كل هذا يثقل كاهل المواطن اليمني"، مؤكداً أن "المستفيد الوحيد من تعويم الريال الصرافون والبنوك التجارية، وسينتعش اقتصاد الدول المجاورة، حيث ستلعب صادرات هذه الدول بحكم قربها في تغطية متطلبات السوق المحلية، كما ستستفيد الدول التي ستقيم مشاريعها في اليمن من خفض التكلفة في إنشاء مشاريعها التجارية".
ويتابع:"زيادة نسبة الضرائب والجمارك سينعكس على المواطن بارتفاع الأسعار ما قد يجعله يعزف عن شراء بعض الأشياء و يتخلى عنها"، مطالباً الحكومة بـ"التوقف عن طباعة الكثير من العملة، وأن يقوم البنك المركزي في ممارسة عملية الرقابة على النقد وسوق الصرافة، وأن يقوم بتغيير شكل العملة الحالية، واستبدالها بعملة جديدة، وبشكل آخر".
ويضيف بأنه "لا بد أن يتم استبدال العملة القديمة بالجديدة بما يوازي سعر الصرف بـ 250 ريالا مقابل الدولار الواحد، وأن يتم الاستبدال للصرافين والبنوك الخاصة بما نسبته 50% من العملة المحلية التي يريد تغييرها إلى الجديدة بالدولار، وتخفيض الجمارك من 30 إلى 50% من الرسوم الجمركية للمواد الغذائية والأدوية، علاوة على أن يتم دفع المرتبات بالدولار بسعر 250 ريالا للدولار الواحد".
وواصل: "إلى جانب تشجيع إقامة معامل صغيرة للشباب، وإعفاء ملاكها من ضرائب الدخل، وكذا إنشاء شركات اكتتاب بأسهم يحدد بنسبة 50 % اكتتاب للمواطنين بحيث يكون سعر السهم الواحد في متناول المواطن، إضافة إلى تشجيع السياحة في المحافظات المحررة، والعمل على إنشاء بنك المغتربين، وإنشاء شركات مقاولات وبناء، والسماح لأبناء وأسر الشهداء بالاشتراك فيها كمساهمين، حيث ان المرحلة القادمة، هي مرحلة إعمار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى