كيف وصف المواطنون والخبراء والتجار قرار تعويم العملة (3) خبير مصرفي: مؤسسات حكومية تودع إيراداتها في بنوك تجارية بدلا من إيداعها في خزانة الدولة

> تحقيق/ فردوس العلمي

> تواصل «الأيام» في هذا العدد إجراء الحوارات المباشرة مع عدد من الخبراء والمعنيين الاقتصاديين، لمعرفة أبعاد وتداعيات قرار التعويم، ومدى نجاحه أو فشله في الحالة اليمنية، وما يحدثه من تأثيرات اقتصادية كبيرة، وانعكاسات سلبية وخيمة على أوضاع المواطنين المعيشية والحياتية.
في سياق هذا العدد يؤكد الخبير المصرفي والمستشار الاقتصادي الدولي الدكتور علي محمد البيتي قائلاً: "إن العملة اليمنية كانت تحت التعويم المدار منذ عقدين تقريباً، بما يسمح أيضاً للبنك المركزي بالتدخل بين الحين والآخر للحفاظ على مستوى محدد لصرف الريال اليمني، وكان ذلك في ظل وجود دولة وأمن واستقرار وقضاء وإن كان غير فاعل بالشكل المطلوب، إضافة إلى وجود ما يعزز الاقتصاد اليمني، ورفده بالعملات الصعبة من خلال صادرات النفط والغاز وتزايد حوالات المغتربين، وانتعاش حركة السياحة والصناعة والتجارة في البلاد، ما ساهم في رفد خزانة الدولة من العملات الأجنبية بسبب تزايد هذه الصادرات، إضافة إلى استقطاب المساعدات والقروض الخارجية والاستثمارات الخارجية مع وجود احتياطي من النقد الأجنبي والمحلي، وودائع من دول الجوار للحفاظ على سعر صرف الريال اليمني.
ويضيف: "منذ بداية عام 2015م تلاشى كل هذا وأصبح اليمن يشكو انهيارا اقتصاديا بشكل كامل بسبب الأزمة السياسية التي أفضت إلى حرب مدمرة وكارثة إنسانية واقتصادية".
وأردف: "فإن هذا التصريح الرسمي لتعويم العملة سوف يفتح دون ريب المجال للمضاربين لينشطوا في المضاربة على الدولار دون حسيب أو رقيب، ما سوف يرفع سعر الدولار ويخفض سعر الريال اليمني"، مضيفاً: "بأن قرار تعويم العملة عادة ما يتخذ في ظروف طبيعية للبلاد، وبعد دراسة شاملة للسياسة النقدية والمالية والاقتصادية بهدف تحقيق بعض الإيجابيات، ولكن نتيجة ظروف الحرب الراهنة والانهيار الاقتصادي لم يعد ذلك ممكناً تحقيق أي من الإيجابيات ونبقى في مواجهة السلبيات التي لا مفر منها".
ويوضح: "من سلبيات اتباع سياسة التعويم الحر للعملة المحلية، مع إعلان البنك المركزي رسميا بتعويم الريال اليمني تعويما حرا وعدم تدخله في تحديد صرف العملة المحلية سوف يكون له أثره السلبي على المواطن اليمني، حيث وصل سعر الريال اليمني في 15 أغسطس 2015م إلى 372 ريالا مقابل الدولار في السوق، ومن المتوقع أن يشهد سعر الريال اليمني انخفاضا كبيرا في السوق السوداء بسبب الحرب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتهافت الناس على شراء الدولار والتخلص من الريالات اليمنية حفاظا على مدخراتهم من التدهور".
*إرادات لا تورد للخزينة العامة
يستمر البيتي في حديثه: "كان لاستمرار الحرب وتوقف معظم مرافق الدولة والقطاع الخاص عن الإنتاج والتصدير، ووقف أعمال الحركة السياحية والتجارية والصناعية، بما في ذلك حركة الطيران والملاحة في كافة أرجاء اليمن، وهروب الاستثمارات وتبديد احتياطيات البنك المركزي اليمني والنقد الأجنبي، وتوقف المساعدات والقروض المالية، وانخفاض تحويلات المغتربين تسبب بانعكاسات وانتكاسات كارثية جعلت البنك المركزي اليمني في عدن في حالة يرثى له، ولم يستطع القيام بعمله بالشكل المطلوب في ظل الوضع الراهن والانفلات الأمني، كما أصبح غير قادر على منع تدهور سعر صرف الريال اليمني إلى 330 ريال للدولار قبل التعويم الحر، متجاوزا الصرف الرسمي المحدد من قبل بـ 250 ريالا يمنيا للدولار".
يستطرد: "لم يستطع البنك المركزي اليمني رغم جهوده القيام بأعمال الرقابة على البنوك، وأقتصر عمله على طباعة العملة الجديدة لصرف رواتب العاملين في القطاع العام والمتقاعدين، ما زاد الطين بلة قيام الوزارات والمؤسسات الحكومية الإيرادية بالتعامل مع البنوك التجارية مباشرة، وإبداع إيراداتها لديها بدلا من إيداع كل هذه الموارد كما يجب في خزانة البنك المركزي اليمني في عدن، بما في ذلك إيرادات المحافظات النفطية مثل محافظة مأرب التي ظلت تحتفظ بكل إيرادات النفط بدلاً من إيداعها لدى البنك المركزي اليمني في عدن".
*كارثة بحق الكثير من المواطنين
يلخص البيتي عددا من السلبيات المتعلقة بقرار التعويم، منها ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، وجمارك السلع الاستهلاكية الرئيسية، والوقود وإسطوانات غاز المنازل، وأسعار الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب اعتماد شركة الأدوية اليمنية على استيراد مكوناتها، إضافة إلى زيادة أسعار الأدوية المنتجة خارجياً والموردة إلى اليمن، وكذا ارتفاع قيمة الدين الداخلي والخارجي على الدولة، ما يجعل المؤسسات الحكومية والعامة والشركات الخاصة تزيد من تكلفة منتجاتها، خاصة أن اليمن تستورد حوالي 90% من المواد الغذائية والاستهلاكية، وهو ما ساعد على رفع أسعار المنتجات الوطنية إلى جانب زيادة الأعباء المعيشية".
ويكمل: "حيث أن 85% من القوى العاملة في اليمن من أصحاب الدخل الثابت، ومداخيلهم لا تتواكب مع زيادة الأسعار التي طرأت على مختلف السلع والتموينات الغذائية والاستهلاكية، ومن هنا ستكون وطأة موجة التضخم القادمة قاسية على الأسر اليمنية متوسطة الدخل التي لا تجد زيادة في مرتباتها مقابل ارتفاع أسعار مختلف الاحتياجات، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية قد تفتك بمصير الكثيرين من المواطنين إلى درجة تصلهم إلى مستوى الفقر المدقع".
*تآكل احتياطات النقد
يواصل البيتي حديثه: "هذه التداعيات الحتمية لا مفر منها، ويجب الاعتراف بها والتعامل معها كواقع فرضته ظروف الحرب والبلاد، حيث أن القرار ليس إلا خطوة أراد بها البنك المركزي اليمني أن يخلي مسؤوليته رسمياً في الدفاع عن سعر الصرف، وهو تعبير عن عجز حقيقي للبنك نتيجة تآكل احتياطيات النقد الأجنبي، وعدم تأمين موارد خارجية لتعزيز هذه الاحتياطيات"، قائلاً: "الحقيقة إن تآكل احتياطيات النقد، وعدم تأمين الموارد الخارجية لتعزيز تلك الاحتياطيات لن تمثل حلا للحفاظ على سعر الصرف، فهناك انهيار كامل في المنظومة الاقتصادية العامة للبلاد، وما البنك المركزي اليمني إلا عمود واحد من أعمدة الاقتصاد الوطنية المتعددة، وبالتالي لا يوجد أمام البنك المركزي اليمني إلا الاعتراف بحجم الكارثة، وهو لا يستطيع وحده القيام بأي إصلاحات اقتصادية أو نقدية، فالمشكلة أكبر من قدرة أي محافظ بنك مركزي في مثل هكذا ظروف، بل والمشكلة أضحت فوق قدرة الحكومة الشرعية بكامل أعضائها، ولن تستقيم الأمور وتوضع الخطط والإصلاحات الاقتصادية إلا بعد إنهاء حالة الحرب، وتشكيل حكومة تكنوقراط بوزراء أكفاء بمنأى عن الحزبية والمناطقية والمحسوبية لتتولى بدفع برامج أكثر فعالية وصرامة لمكافحة الفساد والفاسدين، إذ أنه لا يمكن لأية دولة أن تنمو وتتطور وهي جاثمة في بركة من الفساد".
*إيجابيات وسلبيات القرار
رجال الأعمال فهمي قشاش يقول في هذا الصدد: "إن تعويم الريال اليمني يعد بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير"، مضيفاً: "كان لا بد من البنك المركزي قبل أن يتخذ قرار كهذا أن ينظر إلى البدائل، فهناك بدائل كثيرة كان يمكن للبنك المركزي اليمني الأخذ بها بدل تعويم سعر صرف الريال اليمني، وكان بإمكانه الاستفادة مثلاً من المساعدات التي قدمتها دول الخليج في تقوية الاحتياطي النقدي، وتوريد كل موارد الدولة إلى البنك المركزي للحد من العجز الحاصل في السيولة، وإحداث حالة استتباب سياسي حقيقي يحافظ على استقرار سعر الصرف".
ويتطرق قشاش إلى مزايا التعويم قائلاً: "عندما يكون للدولة اقتصاد قوي وصادرات، فإن التعويم يدعم الصادرات للخارج ويزيد من معدلات تنافسها مع المنتجات الأجنبية، ومعدلات الطلب عليها في الأسواق الخارجية، إثر خفض قيمة العملة المحلية ما يؤدي إلى رفع أرصدة العملة الصعبة داخل البنوك، ومساواة سعر العملة الأجنبية في البنوك وفي السوق السوداء، ما يساعد على جذب الاستثمار الأجنبي، وإتاحة العملة الأجنبية أمام الشركات والمصانع دون مشكلات تؤثر على النشاط الصناعي والاستثماري".
كما لفت قشاش إلى سلبيات تعويم الريال اليمني قائلاً: "كان لقرار البنك المركزي بتعويم الريال أثره السلبي على المواطن، حيث وصل سعر الريال إلى 380 في السوق الرسمي، ومن المتوقع أن يشهد انخفاضا أكبر في الأيام القادمة، إلى جانب أثره السلبي على الواردات نظراً لانخفاض قيمة العملة المحلية".
ويؤكد على أن "خطورة التعويم في البلاد النامية يتمكن في عدم التأثير على السوق النقدي، وحجم التجارة الخارجية، بمعنى كلما زادت الواردات زاد الطلب على العملة الأجنبية لاستيراد السلع، وتبقى قيمة العملة الوطنية للدولة ضعيفة أمام العملات الأجنبية".
ويأمل القشاش بأن يتم إعادة النظر في مسالة تعويم الريال، وإيجاد بدائل لا تؤثر على مستويات الدخل المحدود للمواطن اليمني الفقير، وتحافظ على هيبة العملة المحلية أمام بقية العملات الأجنبية قبل السقوط والانهيار الكارثي في تداولات العملة المحلية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى