العام الدراسي الجديد في تعز.. المدراس الخاصة تنتعش على أنقاض التعليم الحكومي.. الصراع المسلح تسبب بإغلاق 468 مدرسة منها ما تحول إلى سجون تتبع فصائل المقاومة

> صلاح الجندي «الأيام»

> عام دراسي جديد تم تدشينه في 17 سبتمبر الجاري، في المحافظات المحررة، فيما تعيش مدارس محافظة تعز تعقيدات متداخلة ومتعددة، كالعادة دون جديد، إذ تواجه العملية التعليمية في هذه المحافظة المحاصرة منذ أكثر من عامين الكثير من التحديات التي تهدد بتوقف الدراسة وحرمان آلاف الطلاب من التعليم.
عمدت المليشيات الانقلابية إلى تحويل بعض المدارس الواقعة تحت سيطرتها أو التي كانت تحت سيطرتها إلى ثكنات عسكرية وسجون خاصة ومراكز للتدريب، وعندما تم تحرير مناطق المدينة ودحر الانقلابيين إلى أطرافها استبشر الطلاب خيراً معتقدين أن مدارس المدينة قد تحررت وسيعودون لتلقي العلم والمعرفة، إلا أن الوضع لم يكن كذلك، فقوات الشرعية وفصائل المقاومة المختلفة حررت المدينة ومدارسها من المليشيات الانقلابية وحلت هي بديلة عنها.
كما أن الصراع المسلح في تعز تسبب بإغلاق 468 مدرسة، وتبلغ نسبة المدارس المغلقة في المدينة نحو 80 في المائة، وفي الأرياف 30 في المائة.
*مدارس تحت السيطرة
في قلب شارع جمال عبد الناصر تشد انتباهك مدرسة الشهيدة نعمة رسام، أكبر مدارس تعز الخاصة بالبنات، والتي كانت تفيض بعدد الطالبات، لكنها لم تعد كذلك بعد أن تحولت إلى ثكنة عسكرية تابعة لقيادة محور تعز. وهذا الحال ينطبق على عدد من المدارس، بينها أبرز مدارس تعز وأكبرها، وهي الشعب، وثانوية تعز الكبرى، وسبأ، والنهضة، ومجمع السعيد هايل، كما تحول مكتب التربية والتعليم في المحافظة إلى مخزن للسلاح، لقيادة محور تعز وأصبح محاطاً بالمتاريس وأغلقت كافة الشوارع التي تؤدي إليه، كما تحولت بعض المدارس إلى سجون خاصة تابعة لفصائل المقاومة التي أصبحت ضمن ألوية تعز العسكرية.
*تعقيدات متداخلة
ومن أبرز التحديات إلى جانب سيطرة الجماعات المسلحة المقاومة على معظم المدارس هي مشكلة الراتب، فالمدارس التي على استعداد لاستقبال الطلاب بات عدم صرف مرتبات المعلمين يشكل عائقاً في أداء رسالتها التعليمية، وهذا ما يشكل عائقاً كبيراً أمام عودة التعليم برمته في تعز، إذ يرى 92% من معلمي القطاع التربوي، بأنه لا يمكن العودة إلى المدرسة والبدء بعام دراسي جديد مالم يتم تسليم رواتبهم فيما يرى 8% بأن المسؤولية الأخلاقية تحتم عليهم مواصلة عملهم، وفقاً للاستطلاع الذي أجراه مركز الإعلام التربوي مع نخبة من التربوين عبر لقاءت مباشرة وغير مباشرة، في ثلاث محافظات يمنية هي: تعز والحديدة وصنعاء.

وفي هذا السياق تقول أشواق الشميري، والتي تعمل وكيلة في مدرسة 7 يوليو للبنات: "إن مدرستها التي تقع قريب شارع الأربعين شمالي غرب المدينة هي قريبة من خط المواجهات، ورغم ذلك فتحت أبوابها لعامين دراسين في زمن الحرب وسط صعوبات ومخاوف كبيرة لكن هذا العام هناك مشكلة تواجه كل المدارس الحكومية تتمثل بعدم صرف رواتب المعلمين".
*المواطن متضرر
المواطن يونس الراجحي، أحد أوليا الأمور في حديث لـ«الأيام» قال: "إنه في الوقت الذي تم تحويل المدرسة الحكومية إلى ثكنة عسكرية تم استحداث مدارس أهلية خاصة تابعة من قبل نفس الأطراف التي تحتل مدارس الدولة، لغرض الكسب المادي"، محملا الحكومة الشرعية "مسؤولية ما تقوم به الجماعات المسلحة في تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية وسجون خاصة".
*المدارس الأهلية تتزايد
المواطنة هناء سعيد قالت في حديثها مع «الأيام»: "إنها وجدت نفسها مضطره لتسجيل ابنها محمد وشقيقته يمام في إحدى المدارس الأهلية وتدفع مبلغ (180,000) ريال مقابل رسوم دراسية، فيما قرب منزلها من المدرسة وفر عنها دفع ما يسمى رسوم الباص البالغة أكثر من (70000) ريال"، وتتابع حديثها: "بأن ابناءها كانوا يدرسون في مدارس حكومية إلا أن مدرسة محمد تحولت إلى مركز تدريبي لأفراد فصيل من فصائل المقاومة التابعة للتجمع اليمني للإصلاح، بينما مدرسة يمام تعرضت للتدمير بقصف للمليشيات الانقلابية".
وبصوت مبحوح تقول هناء: "أشعر بغصة كبيرة بسبب هذه الحرب التي حرمت الأطفال التعليم، فالكثير من أبناء الحي الذي تقطنه غرب تعز لا يذهبون للمدارس، والقادرين مادياً منهم التحقوا بمدارس التعليم التجاري"، مضيفة: "أكثر من 15 مدارس أهلية جديدة فتحت في الحي الذي تعيش فيه ومحيطه، معظمها عبارة عن شقق سكنية".
وتنتشر في شوارع مدينة تعز العشرات من اللافتات الإعلانية التي تروج للمدارس الأهلية ومعظم هذه المدارس تم افتتاحها هذا العام مستغلة توقف المدارس الحكومية عن التعليم، في أحياء تعز ظهرت أعداد كبيرة من المدارس الخاصة خلال أعوام الحرب الثلاثة بطريقة ملفتة للنظر، وبحسب سكان محليون لـ«الأيام»: فإن معظم هذه المدارس تتبع فصيل سياسي معين محترف في الاستثمار في هذا المجال، كما يقول الناشط فهد العميري.
*شقق المدارس الأهلية
يقول التربوي عدنان الأثوري: "إن المدارس الأهلية أصبحت مجالا استثماريا مربحا للتجار الحروب وصناع الأزمات الذين يرون في الحرب فرصة تجارية يجب استغلالها، فقاموا بوضع لافتات ملونة على المنازل والعمارات والشقق السكنية وأطلقوا عليها مدارس أهلية دون توفر المعايير العلمية لذلك وهدفهم جمع الملايين".

ويرى الأثوري أن "تزايد المدارس الخاصة جاء استغلالاً للمشاكل التي تواجها المدارس الحكومية، وكذا مشكلة توقف المعلمين المعتصمين في شارع جمال المطالبين برواتبهم المتوقفة لأكثر من عشرة أشهر".
*مدارس لا متارس
بدورها قالت سمية ناصر، معلمة: "نحن أمام ظاهرة تعليمية خطيرة يجب التصدي لها والحد منها، تتمثل في احتلال مدارس حكومية وافتتاح مدارس أهلية من قبل تجار الحروب، الذين يستغلون انقطاع رواتبنا كموظفين"، مطالبة في الوقت نفسه بـ "تفريغ المدارس من كل المظاهر المسلحة، لتبقى صرحا للتدريس واكتساب العلم"، معتبرة تفخيخ المدارس بالمتارس والمسلحين "جريمة تستهدف التعليم".
*تصريحات رسمية
مدير مكتب التربية عبدالواسع شداد قال في تصريح خاص لـ«الأيام»: "إن العملية التعليمية في تعز تتطلب جهودا كثيرة من قبل السلطة المحلية والحكومة الشرعية"، متابعا: "إن تعز تمر بحالة اقتصادية مزرية جراء الحرب المدمرة والتي طالت المدارس التي بتدمير".
وقال شداد: "إن سيطرة الجماعات المسلحة على بعض المدارس يشكل جزءا من تعقيدات العملية التعليمية في تعز، إضافة إلى النقص في المناهج الدراسية"، موضحا أن "عدد المدارس التي أصيبت بالدمار داخل المناطق المحررة داخل المدينة هي 41 مدرسة، 7 مدارس بحاجة إلى إعادة إعمار، و34 تحتاج إلى ترميمات مختلفة".
وأضاف: "حلصنا على دعم بسيط من جهة مانحة ( لم يسمها) بغرض ترميم الـ 34 المدرسة، وهي بصدد استكمال الترميم"، موكدا على أن "قيادة محور تعز تسطير على المكتب الرئيسي للتربية والتعليم، ويعمل طاقم المكتب في المبنى المخصص لإدارة الامتحانات، ويمارسون مهامهم من داخلة على الرغم من الصعوبة التي يواجهونها نظرا لضيق المكان".
فيما تسيطر الجماعات المسلحة داخل المدينة على 12 مدرسة وفقا لمدير مكتب التربية، الذي أشار إلى أن المكتب وجه مذكرة قبل مايقارب 20 يوما إلى قيادة المحور لإخلاء هذه المدارس لتكون جاهزة للتدريس، ورحب قائد المحور بذلك ونحن في انتظر تنفيذ إجراءات عملية، وذكر أن هناك مدرستين في إطار إخلائها، وإذا تم ذلك سيشكل انفراج للطلاب.
وبحسب مدير مكتب التربية فإن الطالب في تعز بسبب وضع المدارس الحكومية أصبح أمام خيارات صعبة إما الذهاب إلى الشارع، أو إلى منظمات وجماعات إرهابية تحتضنه، وتضر بالمجتمع أكثر مما تنفعه، مشددا على إيجاد أساسيات لفتح المدارس، بحيث يساعد المجتمع في هذا الشيء، حد قوله.
وفيما يخص المدارس الأهليه قال شداد : "إن المدارس الأهلية كان الأجدر بها أن تكون جزءا من الحل، لكنها تستغل حاجة المعلم وخريجي الجامعات بمرتبات زهيدة لا تتجاوز 15 ألف ريال، وهذا يعيق سير العملية التعليمية".
وأكد مدير مكتب التربية أن هناك أطرافا تغذي إغلاق المدارس الحكومية وفتح المدارس الأهلية، وذكر أن جماعة مسلحة اعترضت إعادة فتح مدرسة الثورة الحكومية وطالبت المديرة بالإغلاق، لافتاً إلى أن مكتب التربية سيقف أمام كل من يحاول توقف سير العملية التعليمية.
وقال مدير مكتب التربية: "إن عدم صرف رواتب المعلمين تمثل أبرز التحديات التي تواجة العام الجديد الدرسي في تعز، بالإضافة إلى الإمكانيات ونقص في المناهج الدراسية، وأيضا إشكاليات المدارس التي تسيطر عليها المجاميع المسلحة، إذا فتحت فهي تحتاج إلى أدنى المقومات لتستطيع بالقيام بدورها كمدارس صالحة للتعليم".
*غسيل الأموال
واعتبر المستشار عبدالرحمن شمسان، عضو المجلس العسكري بتعز في تصريح خاص لـ«الأيام» أن "المدارس الخاصة التي تكاثرت بشكل كبير هي عبارة عن غسيل أموال لاستثمارات داخل تعز عن طريق المدارس الخاصة، ومحلات الصرافة، نتيجة المال المتواجد لدى بعض القيادات داخل تعز".
وأوضح المستشار شمسان أن في حارة الضربة ما يقارب ثمان مدارس خاصة، مستغربا من تزايد أعددها في الوقت الذي لا يلاقي فيه المواطنون قيمة قطمة دقيق، حد قوله.
وأضاف شمسان: "إن معظم المدارس الحكومية أعطيت للجماعات العسكرية من قبل فصائل المقاومة، ومن الصعب إخراج هذه الجماعات بعد استيطانها للمدارس الحكومية لأكثر من سنتين".
صلاح الجندي «الأيام»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى