قصص إنسانية تروى لأول مرة ترصدها «الأيام».. المليشيات تحول قرى في تعز إلى أطلال وتفخخ أخرى بالألغام

> استطلاع/ صلاح الجندي

> تتسع رقعة المعاناة والمأساة في تعز، وتزداد حالات القصص الإنسانية مع ازدياد الأوضاع سوءًا فيها، فيعلو صوت الوجع المنبثق من هموم الناس ومعاناتهم، تتفاقم فيها المعاناة يومًا بعد آخر مع ترد كبير في الأوضاع المعيشية وتأخر الحسم العسكري فيها.
أوضاع جعلت أهل المدينة ينامون في أحضان الجراح، وأسر لم تتمكن من العودة إلى منازلها المدمرة، وضحايا جدد تحصدهم أدوات القنص الأجرامية، ومهجرين لا يجدون إيجارا لسكنهم، إنه مشهد يلخص واقعا مرا ومؤلما للغاية.
«الأيام» رصدت بعض القصص الإنسانية في هذه المحافظة لنقل جزء مما يعانيه أهلها المنكوبين.
بعيدًا عن ضحايا المعارك في هذه المدينة، هناك ضحايا لا يعلم بهم أحد، ولم تصل لهم عدسات الكامرات ووسائل الإعلام أو تقارير الجمعيات والمنظمات المعنية.
منهم مرضى يقاسون الآلام في منازلهم دون أن يجدوا أبسط الخدمات العلاجية والطبية، وكذا أساسيات ومقومات الحياة الضرورية، ينامون على أمل أن يستيقظوا على وطن ينتصر لضعفهم، علهم يجدون العيش الكريم لا الشتات، لكنهم يستيقظون على واقع عكس ذلك تماما.
عبدالله محمد نعمان سلام أب لخمسة أطفال، أرهقته الحياة بثقلها وزادت معاناته تعرضه لكسور، نتيجة لما يعاني من مرض في هشاشة العظام جعلته شخصا مقعدًا، مع انقطاع راتبه منذ 11 شهر.
حالة مأساوية أضحى بموجبها سلام لا يجد ما يسد به رمقه وأطفاله، وغير قادر للذهاب إلى المشفى لإجراء بعض الفحوصات أو الأشعة أو شراء بعض الأدوية ليتمكن من النهوض والحركة للبحث عن عمل يساعده في توفير لقمة العيش لأطفاله المتضورين جوعا.
يحتاج عبدالله سلام إلى قلوب رحيمة تشعر بآلامه وتمسح عن قلبه غمامة الهم، فما من أب إلا ويحس بالقهر حين يرى بيته خاليا من مقومات الحياة.. ماذا يقول لأطفاله، ماذا يطعمهم وكيف يُخفف آلام ابنته الصغيرة التي نال منها المرض، بل كيف له أن يُعيد لهم البسمة وهو عاجر لا يقوى على الحراك؟!
أمله الوحيد أن يعود راتبه، أو أن يشفى لكي يستطيع البحث عن عمل يعيل به فلذات كبده.
المواطن عبدالله سلام
المواطن عبدالله سلام

يطلق سلام نداءه المصحوب بالألم عبر «الأيام» لعل هنالك من يسمع أنينه وصراخ أطفاله.. عل حكومته الشرعية ترفق بحاله وحال موظفي تعز، عل أيادٍ بيضاء تمتد لمساعدته، أو قلوب رحيمة تتحرك لإنقاذه وأطفاله من الموت المحتم جوعا.
يسكن عبدالله سلام في بيت إيجار في حي نادي الصقر بتعز، ولأكثر من سنة لم يتمكن من دفع إيجار صاحب المنزل الذي لا يتردد عن مطالبته بإيجاره، لا شيء يعينه على السداد، وكله أمل بعطاء أحدهم ليخفف عنه بعضاً مما يعانيه أو بصرف مرتباته من الحكومة الشرعية التي طال انتظارها.
*تهجير القسري
تقع منطقة غراب غربي مدينة تعز، حيث تسيطر المليشيات الانقلابية على أكبر مساحة منها، وتخوض قوات الجيش معارك عنيفة في محيطها ضد الانقلابين.
نزوح اهالي الحي
نزوح اهالي الحي

تعرض سكان هذه المنطقة لتهجير قسري في مطلع إبريل من العام2017، حيث نزحت عشرات الأسر بفعل القصف والحرب الدائرة فيها، نزحوا منها مجبرين غير قادرين على أخذ كثير من ممتلكاتهم، وهو ما جعلها عرضة للنهب وقصف القذائف من قِبل المليشيات.
شاهد عيان روى لــ«الأيام» بعضا من تجاوزات المليشيات في المنطقة حيث قال: "رأيت المليشيا وهي تقوم بزراعة الألغام في المنطقة بعد تهجير أبنائها قسرًا، وقد تسببت هذه الألغام بجروح بليغة بأفراد المقاومة عند أول هجمة لهم بعد زراعتها وعرقلتهم من التقدم، نتيجة لقلة الإمكانات الفنية في تفكيك الألغام.
*تركت ابنتي أشلاء
الحاج حسين عبر لـ«الأيام» عن معاناته بالقول: "أجبرتنا المليشيات الانقلابية بإخلاء منازلنا أو سيتم تفجيرها على رؤوسنا في حال رفضنا مغادرتها".
ويضيف: "حاولت الصمود كثيرًا حتى أصبح منزلي محاطاً بالألغام ماعدا طريقا واحدا بقي لي للمرور، حينها استسلمت للقضاء والقد"ر، وبمرارة يواصل: "أثناء مغادرتنا للمنزل هربت إحدى أغنامنا، ولحقت بها ابنتي متناسية الألغام فنفجر بها أحد الألغام، وبعد ذلك غادرتُ المنطقة تاركًا خلفي أشلاء ابنتي ومنزل عمري ولا أدري هل ستعيدنا الأيام إليها أم إن الحرب ستطول وستطول معها معاناتنا".
*القنص المستمر
تتعرض يوميًا الكثير من الأحياء السكنية في تعز للقنص المستمر من قِبل ميلشيا الحوثي وقوات صالح الانقلابية، راح ضحيتها مئات الضحايا من الأبرياء من الأطفال والنساء والمصورين، ومن أبرز هؤلاء المصورين.. الشيباني، الذي تعرض لقنص حوثي بينما كان يوثِّق جرائمهم المرتكبة بحق المدنيين.
ومن المناطق المعرضة للقنص المستمر منطقة (العنصوة) المحاذية لمعسكر الدفاع الجوي، و (تبة القارع) حيث يتمركز قناصة الحوثي، والذين حصدت رصاصاتهم عشرات المدنيين.
توضح أروى لـ«الأيام» وهي إحدى ضحايا المليشيات: "تعرضت قبل خمسة أشهر لرصاصة قنص أدت إلى إصابتي بجروح بالغة رقدت على إثرها في المستشفى لمدة شهر كامل"، مضيفة: "قد بلغ السيل الزُّبى، هكذا يقول أبنائي الستة الذين يتجرعون الخوف يومياً، حاولت التفكير بالنزوح لكن لا جدوى من ذلك فأنا أعيل أسرة بكاملها، حيث زوجي قعيد ومريض بالسكر يحتاج لدواء شهري ولا يمكن أن أستأجر منزلا، فأنا دون راتب منذ 10 أشهر، حتى الإغاثة الغذائية محرومون منها".
وتختم حديثها بالقول: "إلى الآن لم تقتلنا الرصاص المتربصة بنا، لكن قتلنا الجوع والخوف والمرض".
*الجحملية.. موت وأطلال
عندما تمر في شوارع الجحملية سيلفت نظرك الدمار المهول الذي تعرضت له المنازل والمحلات والمدارس والجوامع فيها بفعل الحرب الدائرة، حيث فُخخ حوالي 30% كما حل الدمار بما تبقى نتيجة الألغام المضادة للأفراد، والتي زرعت خلف أبواب المنازل من قِبل المليشيا، والذين أتخذ مسلحوها أغلب المنازل ثكنات عسكرية، في الوقت الذي كانت معقلاً لهم قبل تحريرها.

من جهته يروي المواطن أحمد الصبري قصته لـ«الأيام» قائلاً: "نزحت أنا وأسرتي إلى قريتي في صبر جراء الحرب، تاركاً خلفي كل ما أملك: منزلي، ومحل بيع قطع غيار السيارات، وعندما تم دحر المليشيا من المنطقة عدت إلى الجحملية ورأيت منزلي قد تحول إلى كومة من التراب والحجر"، مواصلا: "لقد أُحرق المحل بكل ما فيه، نتيجه سقوط قذيفة عليه، لم أكن أتوقع أن تصبح الجحميلة بهذا الدمار بعد أن كانت قبل الحرب تمثل تعايشاً ديموجرافيا يعيش فيها كل الناس وبمنتهى التعايش والاستقرار".
لم تكف المليشيا من بث الخوف وتوزيع الموت على أبناء الحي، بل هي مستمرة في غيها، فقبل أيام سقطت قذيفة على تجمع للأطفال في أحد شوارع الجحملية أدت إلى مقتل أربعة أطفال وإصابة آخرين، والأمر ذاته ينطبق على الأحياء المجاورة كحي شعب الدبا وحوض الأشرف الذي بات مكانا لسقوط قذائف الرعب التي تصدرها مليشيات الموت من أماكن سيطرتها.
*الدحي.. ملجأ للنازحين
عُرف عن الدحي بأنه معبر للموت أو هكذا أطلق عليه من عاشوا مرارة هذا الوجع والامتهان بهذا المعبر الذي خنقت المليشيات الانقلابية تعز من خلاله، وأصبح المنفذ الوحيد للمواطنين، إلى أن تم تحريره من قوات الجيش الوطني، فأصبح حي الدحي مأوى للنازحين ولبعض المواطنين الذين نزحوا من منازلهم قبل تحريره.
تسكن العشرات من الأسر النازحة في حي الدحي ممن أتوا من أماكن متفرقة بريف المدينة: كالكدحة، وقرية تبشعة، ومنطقة الوافي في مديرية جبل حبشي، جراء الحرب التي تشهدها تلك المناطق وسيطرت المليشيات على قرى المواطنين هناك، وهو ما اضطرهم للنزوح قسرا.
يقول أحد النازحين في الحي: "هربنا من وجع الحرب إلى وجع الإيجارات، أما عن المنظمات الإغاثية فلم تنظر لحالنا كنازحين إلا ببعض السلل النادرة".
ويضيف: "كنت أسكن مع أسرتي في منزلنا ومع ما رزقنا الله من مواشي، ومزارع، نأكل ونشرب من خيرات الأرض، وليس لنا أي دخل آخر، وبعد سيطرة المليشيات على قرانا نزحنا إلى هذه المنطقة، حيث استأجرنا منزلا بـ 30 ألف ريال، كنا نظن أن المنظمات الإغاثة ستوفر لنا السكن، لكن للأسف لم نتلقَ أي دعم من أية منظمة".
فيما يعتبر محمود الوافي الإيجار بأنه هماً يؤرقهم كنازحين أكبر من الحرب نفسها، كونه والكثير من أمثاله ليس لهم أي دخل بعد نزوحهم، غير بعض الحوالات التي يتكرم بها بعض الأقارب بإرسالها من الخارج.
وناشد الوافي عبر «الأيام» حكومة الشرعية والمنظمات الإنسانية بالنظر إلى وضعهم ومعاناتهم كنازحين، موضحًا بأن "هناك الكثير من النازحين يسكنون المدارس والعشش في الطرقات تحت حرارة الشمس لعدم مقدرتهم باستئجار منازل".
استطلاع/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى