مشكلة طفح المجاري في عدن (1-4).. أسبابها وانعكاساتها على الوضع البيئي.. عدن عرفت نظام شبكة الصرف الصحي منتصف القرن الماضي

> تحقيق/ فردوس العلمي

> تشكل مشكلة طفح مياه الصرف الصحي خطورة كبيرة على الوضع البيئي العام، نتيجة لما تنشره هذه البرك الطافحة من أمراض فتاكة لاحتوائها على أنواع مختلفة وقاتلة من البكتيريا والطفيليات والفيروسات، إلى جانب ما تنفثه من غازات ومواد سامة، تهدد صحة وسلامة الحياة العامة، وتنذر بكوارث بيئية خطيرة ضحيتها في المقام الأول الإنسان.
«الأيام» تتطرق إلى خطورة الأوضاع التي تتسبب بها مشكلة طفح مياه المجاري في العديد من الأحياء والمناطق الشعبية في عدن.
عرفت مدينة عدن نظام شبكة الصرف الصحي في العام 1954م، حيث تم إنشاء أول شبكة في هذا المجال، وكانت تديرها آنذاك بلدية عدن، وبخدمة محدودة على مديريات: كريتر، المُعلا، التواهي، والبريقة (عدن الصغرى)، بينما تم تشييد شبكات الصرف الصحي في كل من مديريات: خور مكسر، الشيخ عثمان، المنصورة في أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي.
وتعتمد شبكات الصرف الصحي القديمة في عدن على نظام قنوات مفتوحة لتجميع المياه العادمة من المنازل.
في عام 1970م بُنيت محطة "الشعب" لمعالجة مياه الصرف الصحي (WWTP) لخدمة مديريتي الشيخ عثمان المنصورة، وتتكون المحطة من بركة واحدة من البرك اللاهوائية، وبركتين ثانويتين متوازيتين، وبركة نضج واحدة.
الهوريش
الهوريش

في عام 1980م تم توسعة محطة المعالجة تلك ببناء بركة هوائية، وبالتوازي مع بركتين ثانويتين متوازيتين وبركة نضج واحده.
وبين عامي 1997 - 2002 م، وبعد ضم إدارة الصرف الصحي للمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي (NWSA) كان هناك تطورا ركز أولاً على توفير معدات الصيانة اللازمة وقطع غيار لوحدات الضخ، وتوظيف طاقم عمل لبرك المعالجة، وشراء معدات مختبرية للمياه والصرف الصحي، والبدء في دراسة جدوى مشروع مجاري عدن وإعداد التصاميم النهائية .
في عام 2002م تشكلت المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي بمحافظة عدن (LWSCA) وتولت مسؤولية تشغيل مرافقها.. وفي الآونة الأخيرة تم استبدال القنوات المفتوحة في مديريتي المعلا والتواهي بشبكة أنابيب صرف (فخارية) وأنابيب (بلاستيكية)، كما تم استبدال معظم محطات الضخ في المديريات الأربع (آنفة الذكر)، وتشييد محطة معالجة العريشWWTP، وبعد التنفيذ أصبحت المجاري اليوم تشكل هما للمواطنين.
ونتيجة لطفح المجاري وإغراق طرقات عدن في وحل من القاذورات والقمامة المتراكمة، والتي أضحت تشكل خطرا يهدد المواطنين لما تُسببه من أمراض وعدوى انتشارها بين أوساط المواطنين، قامت «الأيام» بفتح هذا الملف لمعرفة المزيد عن شبكات الصرف الصحي في مديريات محافظة عدن، وأين تكمن المشكلة؟ وماهي أسبابها؟ وكيفية معالجتها؟..
خاصة وأن المدينة تمتلك أقدم شبكة صرف صحي أُنشئت في عهد الاستعمار البريطاني، مقسمة إلى منطقتين اثنتين، المنطقة الأولى: وتضم أربع مديريات هي: كريتر، والمعلا، والتواهي، وخورمكسر، ويبلغ طول الشبكة حسب النوع بالمتر الطولي في مديريات هذه المنطقة كالآتي: كريتر(30782)، المعلا (28770)، التواهي (31224)، خورمكسر(47131).
ملابس تم اخراجها من إحدى قنوات الصرف الحصي
ملابس تم اخراجها من إحدى قنوات الصرف الحصي

وتضم المنطقة الثانية مديريات: المنصورة، الشيخ عثمان، دارسعد و البريقة، ويبلغ إجمالي طول الشبكة بالمتر الطولي حسب الأقطار في مديريات المنطقة الثانية كالآتي: المنصورة (126059.43)، الشيخ عثمان (46119.99)، دارسعد (38728.14)، والبريقة (52018.54).
*الدولة لم تقم بواجبها
وعبر كثير من المواطنين عن استيائهم من طفح المجاري في شوارع المدينة والمصحوبة بروائح كريهة تُزكم الأنوف.
واستغربت المواطنة سميرة نورالدين من عدم اضطلاع الدولة بواجبها بإصلاح شبكة المجاري، لقدمها وتجديدها بأخرى، الأمر الذي من شأنه أن يحل هذه المشكلة المتفاقمة والمنتشرة في كل الطرقات، وأمام المطاعم والكفتيريات والمحال التجارية والتي تعتبر المتسبب الرئيس في انتشار كثير من الأمراض بين المواطنين”.
وقال المواطن علوي عوض إن المسؤولين لا يتحركون لحل مشكلة طفح المجاري في عدن لأن هذه المشكلة لا توجد عندهم لعيشهم في أماكن وأحياء راقية، فلا يشاهدون هذه المناظر للمياه الآسنة ووبالتالي لا يستنشقون روائحها الكريهة، وهو ما جعل هذه المعضلة تأتي في آخر اهتماماتهم”.
*الأسباب كثيرة
بدوره أوضح المواطن طارق محمد عبد الله العزيبي لـ«الأيام» أن ما تشهده المدينة من تردٍّ في هذه الخدمة يعود لأسباب كثيرة منها: تهالك الشبكة لقدمها، والتزايد السكاني، والتضخم المعماري، وتهاون الجهات المختصة عن الصيانة الدورية للشبكة، وكذا انسداد فتحات الصرف الصحي بسبب أو بدون سبب، إلى جانب قلة الوعي والتثقيف الصحي من الجهات المختصة (الصحة و المدرسة) حول هذا الموضوع.
فيما حمّل المواطن أنيس عمر عمال الصرف الصحي جزءا من المشكلة، والذين كما قال “لا يقومون بتأدية واجباتهم مقابل ما يتقاضونه من مرتبات شهرية، ويعمدون إلى ابتزاز المواطنين بالحصول على مبلغ 500 ريال لفتح المجاري المسدودة، والذين يعملون بفتح الانسداد ولكن سرعان ما تعود إلى الانسداد مرة أخرى خلال أيام.. مطالبا إدارة المجاري بالقيام بواجبها على أكمل وجه، ووقف أعمال الابتزاز الممارس من قِبل العمال، مع ضرورة صرف زي موحد وبطائق تعريفية لكل عامل، ليستطيع المواطن التفرقة بين العامل الحقيقي التابع للإدارة من المدعي”.
*اتهامات متبادلة
واتهم مدير الصرف الصحي أصحاب محال الملاحم بأنهم السبب الرئيس في طفح المجاري نتيجة لرميهم مخلفات ذبائحهم في المجاري كالجلود وغيرها، لاسيما في مواسم الأعياد والتي بدورها تتسبب في الانسدادات”.
بحر من المجاري
بحر من المجاري

وهي التهمة التي نفاها بالجملة ملاك تلك المحال واصفينها بـ(التهمة الباطلة).
وأكد لـ«الأيام» عصام محمد، وهو صاحب (ملحمة أبين)، أن طفح المجاري الدائم بالقرب من محله سببه أصحاب العمارات.. مضيفا: “إننا متضايقون منها كثيراً والجهات المعنية لا تتجاوب معنا”.
وردًا عن الاتهام الموجه لهم قال محمد: “اتهام ليس له أساس من الصحة، فنحن لدينا أكثر من عشرة براميل مخصصة نضع بداخلها المخلفات، وبالنسبة إلى الجلود تُصفى وتُغسل وتُضحى بالشمس قبل أن يتم بيعها لصاحب الجلود”.
وتابع: “ونتمنى من تلك الجهات التي يتهموننا بأننا المتسببون في انسداد المجاري أن يوجهوا تهمهم إلى أصحاب المنازل والذين يرمون بحفاظات أطفالهم والأوساخ في المجاري”.
*تخريب متعمد
وشهدت منطقة الخساف بمدينة كريتر (عدن القديمة) مديرية صيرة، قبل أسبوعين انسدادات متعمدة في قنوات الصرف الصحي بعباءات وبطانيات وفرشان أسفنج وجواني معبأة بالحجارة وغيرها.
وأكد مدير عام المديرية خالد سيدو لـ«الأيام» بأن ما تشهده قنوات الصرف الصحي من أعمال تخريبية يهدف من ورائها إلى إظهار السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة بأنها عاجزة عن القيام بواجبها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.. موضحًا بأن “هذه الأعمال تتم في العادة بالتزامن في معظم الأحياء وفي وقت واحد في المساء في فترة انقطاع التيار الكهربائي”.
ملابس تم اخراجها من إحدى قنوات الصرف الحصي
ملابس تم اخراجها من إحدى قنوات الصرف الحصي

وأشار سيدو في السياق إلى أن هناك جهود تُبذل من قبلهم وفق الإمكانات المتاحة، منها استبدال بعض المقاطع التي تتسبب بالطفح الدائم من خلال توسعة أنابيب الصرف الصحي، “أيضاً يوجد لدينا مشروع استراتيجي غير أن إمكاناتنا الحالية لا تسعفنا إلى تنفيذه .. وهذا لا يعني أن نظل متفرجين ولكننا سنبذل جهودنا لمعالجة الأمور الطارئة”.
وتمنى سيدو من المواطنين التعاون مع الجهات المعنية بعدم الربط العشوائي، وكذا الإبلاغ عن المخالفين، حتى يتسنى للمختصين بالمؤسسة المساعدة بالربط السليم.
مدير المنطقة الأولى المهندس جمال قاسم ثابت أوضح لــ«الأيام» جانبا من أسباب مشكلة المجاري، ومنها التزايد المستمر في عدد السكان، وقدم الشبكة، وضعف الصيانة، وكذا عدم وجود دراسات جادة تتناسب مع زيادة عدد السكان لــ 30 سنة قادمة، تضمن التوسع العمراني وزيادة عدد السكان.
وقال: “هناك أيضاً معوقات وصعوبات تعيق أعمالنا كثيراً أبرزها عدم دفع فواتير المياه بالإضافة إلى البناء العشوائي، وتسوير المناهل الواقعة في الأحواش، والبناء على خطوط المجاري، وكذا سرقة الأغطية الخاصة بالمجاري الحديدية والتي تتجاوز قيمتها 50 ألف ريال، في حين يتم بيعها بألف أو 800 ريال فقط، كما أن الأغطية الخراسانية هي الأخرى لم تسلم من أعمال السرقة، فمثلاً قبل سبعة أشهر كان لدينا 600 كيس إسمنت لعمل أغطية ولم يتبق منها شيء، أيضاً تم البسط على الأحواض وحاليًا يتم الضخ للبحر”.
ويضيف ثابت “نعاني من عدم وجود ميزانية تشغيلية، وضعف الرواتب، وهو ما يجعلنا غير قادرين على إخراج العمال لمعالجة مشكلة طارئة في منتصف الليل، كما أن العمال بلا علاوات. أيضاً تواجهنا مشكلة البناء الجديد حيث يتم البناء على خطوط المجاري، في الوقت الذي يجب أن يتم البناء بعيداً عنها بمتر ونصف على الأقل، فضلاً عن غياب الوعي لديهم، فقبل عامين تم إصلاح وتنظيف الممرات الخلفية، وقد طلبنا حينها منهم عمل شبك لنوافذهم الخلفية، ولكن مع الأسف استمر المواطنون في رمي القمامة في الممرات، وهذا ناتج عن غياب الرقابة والتي من شأنها أن تفرض غرامات عليهم”.
وقال أيضا:“أيضاً نجد متاعب كثيرة من المطاعم، حيث يقوم مكتب الأشغال بمنح تراخيص مزاولة مهنة لأصحابها دون الرجوع إلينا، وهو ما يجعل ملاكها يقومون بالربط العشوائي للصرف الصحي، الأمر الذي يتسبب في زيادة المشكلة في ظل افتقارنا لمعدات ووسائل فتح قنوات سدادة المجاري منذ فترة ما قبل الحرب إلى قبل حوالي شهرين، فنصيب كل مديرية منها ( 100 جرائد فقط) وهي لا تكفي لثلاثة أشهر”.
وعن الاتهامات الموجهة لعمال المجاري بتعمدهم سد المجاري أجاب ثابت بالقول: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وليس من المنطق والعدل أن نتهم ما يزيد عن ستمائة عامل، فمنهم من لقي حتفه وهو يؤدي مهمته في المناهل وعددهم أربعة عمال، في خور مكسر بسبب غاز الميثان، كما أن العمال يعملون دون أن تتوفر لديهم أي من وسائل الوقاية لتحميهم، ومنذ توليي الإدارة فقدنا حوالي تسعة، ماتوا خنقاً”.
وهذا ما عززه مدير الصرف الصحي بمديريتي: صيرة وخور مكسر المهندس نبيل محمد عبده، والذي أوضح أنه منذ 2004م تحصلت إدارته على بعض معدات السلامة بعد تأسيس إدارة السلامة المهنية غير أنها محصورة ولا تفي بالغرض.. كما أن الدولة لم تُعد تدعم المؤسسة فتحولت من مؤسسة عامة إلى مؤسسة محلية ذات اعتماد ذاتي مستقل. ويضيف: “حالياً لدينا مشروع مدعوم من المديرية المؤسسة فيه طرف ثان بحوالي 1700 متر كمرحلة ثانية، بعد أن تم تنفيذ المرحلة الأولى منه، وهو المشروع الذي اعتبر بأنه لا توجد له دراسة شاملة من شأنها أن تستوعب الزيادة السكانية والتوسع العمراني، وما توفر فيه هو كمية الأطوال وزيادة بسيطة بالأقطار فقط”.
*الرواتب غير كافية
بدوره طالب نائب المدير صالح سعيد يحيى بضرورة رفع مرتبات العمال والتي لا تتجاوز الـ40 ألف ريال في الوقت الذي يفترض فيه بأن لا تقل عن الخمسين ألف، كونهم معرضين إلى كثير من الأمراض ويعملون دون أي وقاية لأجسادهم..
مطالباً في الوقت ذاته المواطنين “بضرورة دفع فواتير المياه المستهلكة والتي من شأنها تمكين الإدارة من ممارسة عملها وتحافظ على موظفيها”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى