نازحو الحديدة بالعاصمة عـدن.. صور من مأساة لم تنته.. مرتباتنا انقطعت وأطفالنا بلا تعليم وغياب تام لدور المنظمات الدولية

> رصد/ وئـام نجيب - رعد الريمي

> في إطار الأوضاع المأساوية التي تعيشها عشرات الأسر النازحة من أتون الصراع والحرب الدائرة في محافظة الحديدة، والظروف المعيشية الصعبة التي أضحوا يعانون منها في مواقع نزوحهم في محافظة عدن.. قامت «الأيام» بزيارة ميدانية إلى تلك المواقع للتعرف عن كثب عن مدى المعاناة التي تتكبدها تلك الأسر، لتنقل الصور الحية المأساوية.. فكانت البداية مع أم محمد علي وعائلتها إحدى الأسر النازحة من محافظة الحديدة إلى مديرية البريقة بالعاصمة عدن، التي غادرت وأسرتها المدينة خوفاً من جحيم الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي وصالح هناك.. تاركة وزوجها وأفراد عائلتها المكونة من ثلاثة عشر فردا، بينهم ولد أعمى وابنة قعيدة، كل ما يملكون من مزارع وغيرها.
تنظر أم محمد لولديها المريضين وعيناها مغرورقة بالدمع، تقول في سرد جزء من قصتها المؤلمة لـ«الأيام»: "نزحت أنا وأفراد أسرتي بعد احتدام الصراع مع الانقلابيين في مدينة الحديدة بحثاً عن ملاذٍ آمن وطلبًا للعيش بعد أن دمر الحوثيون كل فرص العيش في قرانا ومدينتنا، غير أننا اصطدمنا بواقع أكثر بؤسًا وألمًا وضراوة.. إننا نُعاني هنا من تقطع السبل وقلة ذات اليد وتفاقم الالتزامات والتي يأتي في مقدمتها لقمة العيش والإيجار وحاجتي للمال لعلاج ولديّ المريضين، الابن فقد بصره والبنت الكبرى قعيدة”.

وتتابع: “في ظل هذه المعاناة ثمة انفراجة طفيفة خففت علينا بعضًا من السوء ومعاناة النزوح وهي عمل أحد أبنائي والمعيل الوحيد للأسرة لتوفير ما يقوى على توفيره من لقمة العيش، غير أن هذا البصيص لم يدم طويلاً فقد فقدناه، حيث كان ابني يعمل على دراجة نارية (موتور) خاصة به يقوم بنقل المواطنين بين المديريات، إلا أنه تعرض لحادث سير ما تسبب له بكسر في يده وأُقعِد عن العمل، وهو ما أفقدنا مصدر دخلنا الوحيد”.
محمد ثابت هو الآخر أحد نازحي بيت الفقيه من ذات المحافظة يقول: “بلغت مدة نزوحي العامين في ظل معاناة كبيرة، نتيجة لتوقف رواتبنا والتي كنا نأمل بأن تصرف لنا في عدن، غير أنه لم يتم ذلك، الأمر الذي اضطرنا إلى اللجوء للأعمال العضلية كأعمال البناء، والحمالة، ونقل مواطنين عبر مركبات خاصة (موتور)”.
ويضيف: “إننا بتنا نُعاني الأمرين فقدنا مصدر دخلنا في محافظة الحديدة، وعدم توفر فرص العيش والعمل في العاصمة عدن، فحالياً اعتمادنا الكلي قائم على ما نتلقاه من معونات تقدمها لنا المنظمات التي هي الأخرى تصلنا نادراً”.
وأردف ثابت: “لقد انقطعت مرتباتنا وفقدنا ممتلكاتنا من أراض زراعية التي كانت تدر علينا ربحًا رغيداً في محافظة الحديدة، وكل ذلك أزم من أوضاعنا كثيراً”.

فيما تقول الأم: “إننا نتألم بحرقة عندما نرى فلذات أكبادنا يتألمون بصمت جوعا وحرمانا أمام أعيننا دون أن نستطيع تقديم لهم أي شيء يخفف عنهم ما يكابدونه”.
وتضيف: “يقول لنا الأطباء إن ابنتي المقعدة بإمكانها أن تنهض، وستستعيد عافيتها متى ما توفرت الإمكانات المادية، وهذا ما لم نستطع توفيره إلا متى ما نظر إلى حالنا أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء، لعلاج أولادي وضمان مصدر رزق يومي لنا”.
*أطفال بلا تعليم
يقطن نازحو الحديدة إلى محافظة عدن في مناطق: الفارسي وبانافع وفقم بمديرية البريقة، ويبلغ عددهم 193 أسرة، بحسب إفادة علي عبدالله جابر، مندوب نازحي الحديدة بعدن، الذي تحدث إلى «الأيام» بالقول: “إن النزوح بحد ذاته معاناة تضاف إلى معاناة فقدان العمل وعدم قدرة الأولاد على مواصلة التعليم لعدم قدرة الآباء على تحمل مصاريف الدراسة، فضلاً عن فقدان الأوراق والوثائق الثبوتية من مخالق وبطائق وشهادات المراحل السابقة، التي أضحى - بسبب فقدانها - أغلب أطفال الأسر النازحة محرومين من الدراسة”.
أما عبده سعيد، وهو نازح من محافظة الحديدة من منطقة “الزرانيق” قرية “العباسي”، فيتحدث بالقول: “نزحت بكامل أفراد أسرتي وبينهم المعاق كأمي وابني، تاركاً خلفي مزرعة للموز كانت تجلب لي الخير الكثير”، مضيفاً: “كنت مطلوباً لدى المليشيات الانقلابية، ولعدم تمكنهم من القبض عليّ دمروا وأحرقوا مزرعتي عن بكرة أبيها وفجروا بيتي، وليتهم توقفوا عند هذا، بل إنهم ألقوا القبض على أحد أفراد أسرتي وضربوه بعد حبسه، بتهمة أنه كان يرسل لي بعض المبالغ لأعيل بها عائلتي، وذلك ليقفلوا عني هذا الباب الذي كان بالكاد يسد الجوع، ولكن لا نقول إلا ما أمرنا الله به، الحمد الله على كل حال”.
*شح مياه وبعوض
تعددت معاناة النازح عبده سعيد ما بين جوع ومرض وبحث عن مال لسداد إيجار مسكن كل ثلاثة أشهر، ونظراً لكبر أسرته لجأ إلى استئجار منزل كبير ليحويهم، فضلا عن معاناة انتشار البعوض ومياه الصرف الصحي، وشحة الدواء والعلاج، وهو ما لا يستطيع تحمله ألبتة.
مخلافات مياه الصرف الصحي
مخلافات مياه الصرف الصحي

يضيف سعيد: “إننا في هذه المنطقة نشهد تغيبا كليا لمختلف الجهات المعنية وذات العلاقة، إذ لم يزرنا مسؤول سواء من المحافظة التي نزحنا منها أو من المحافظة التي نزحنا إليها، حتى من المنظمات التي نطالع دعمها بين الفينة والأخرى على شاشات التلفاز، عدا مؤسسة (يداً بيد) التي قدمت ما استطاعت من الغذاء والإيواء، في ظل احتياجنا الكبير، ونستغرب من هذا النسيان الذي لا نقول تجاهه إلا حسبُنا الله ونعم الوكيل”.
*مشاكل متعددة
فيما يقول فتيني أحمد: “إن هناك ازدحام كبير جداً في المنازل، فينام نحو عشرة أفراد في غرفة واحدة، وهو ما حول الغرف إلى أشبه بعنابر السجون، يقابله ارتفاع مهول في أسعار الإيجارات”.. مشيرا إلى أن أغلب النازحين يواجهون مشاكل مختلفة كعدم توفر السكن، وانقطاع مصادر الدخل، والابتعاد عن مدارس الأولاد، مع عدم توفر البدائل لها. ووصف فتيني دور المنظمات الإنسانية في إغاثة المتضررين بـ “الطفيف” الذي لا يكاد يذكر، أمام الوضع المبكي الذي يعيشونه وخصوصاً أولئك الّذين يعانون من الأمراض المزمنة كالسكري، الربو، أمراض الكلى، وارتفاع ضغط الدم.. داعياً في ختام حديثه لـ«الأيام» المجتمع الدولي والجهات الرسمية والمنظمات والمؤسسات الإنسانية الخيرية المحلية إلى بذل مزيد من الجهد في مساعدة النازحين وانتشالهم من الوضع السيء الذي يمرون به، وأن تكون جهودها موازية لحجم الكارثة الإنسانية التي لحقت بهم.

رصد/ وئـام نجيب - رعد الريمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى