طلاب الهندسة في جامعة تعز.. يدرسـون الوهم! طلاب يلتحقون بالجيش وبالجماعات المتطرفة وآخرون للاستقطاب الحزبي

> تقرير/ صلاح الجندي

>
عندما بدأ سالم دراسته في كلية الهندسة في جامعة تعز قبل عامين كان يعتقد أن عودة العملية التعليمية في الجامعة جاءت بعد ترتيبات الوضع بما يتعلق بتوفر الكادر التدريسي المتخصص، وتجهيز المعامل التطبيقية، لكن لم يجد سالم من ذلك شيئا.

ورغم أنه يدخل هذا العام المستوى الدراسي الثاني وهو مستوى لبداية دراسة تخصصه العلمي، إلا أنه يشعر بالقلق للوضع المتردي الذي تعيشه مرافق الكلية بسبب عدم وجود معامل تطبيقية حديثة تتناسب مع الحركة السريعة لنظم تقنية المعلومات.

بل إن المعامل المترهلة الحالية تعاني من نقص كبير جداً في مكوناتها ومع ذلك فهي مغلقة، فضلاً عن عدم وجود الكادر المتخصص بعدما انتقل معظمهم من تعز للعمل في أماكن أخرى وفي الجامعات الخاصة، نتيجة انقطاع رواتبهم أو نتيجة حسابات سياسية فرضتها الحرب القائمة.

يقول سالم السالمي لـ«الأيام»: “نحن خارج دائرة الاهتمام، ومنسيون ومتروكون من دون أي أمل في أن تنتهي هذه الحرب قريباً”.

يتحدث سالم عن وضعهم كطلاب بمرارة قائلاً: "من يصدق أننا هذا الأسبوع كنا نشغل أحد أجهزة المعمل ببطارية جوال كي نطبق فيه، فلا كهرباء ولا مولد يشتغل، وهذا من أبسط المعاناة التي نعاني منها كطلاب فيما يخص المعامل".

ولحق الدمار عددا من مباني جامعة تعز التي تم تحريرها من المليشيات الانقلابية قبل أكثر من عام، ومن بين من تعرض للدمار بفعل الحرب قاعات دراسية ومرافق بعض الكليات، بالإضافة إلى تعرض عدد من مرافق الكلية لعملية نهب لمحتوياتها من قبل الانقلابيين والجماعات المسلحة من المقاومة على حد سواء، كما استخدمت المليشيات الانقلابية مباني الجامعة أوكارا للقناصة التابعين لها.
*تجاهل حكومي
ويبدو أن الحكومة الشرعية تتجاهل وضع جامعة تعز، التي تعد من أكبر المؤسسات التعليمية في اليمن وفي تعز خاصة، وكان لجامعة تعز سبق العودة للعملية التعليمية بعد فترة قصيرة من تحريرها من الانقلابيين، إذ استطاعت رئاسة الجامعة بقيادة الدكتور محمد الشعيبي، إعادة تفعيل العملية التعليمية في الجامعة، رغم تعقيدات المشهد السياسي والأمني في المدينة.

وشكلت عودة الجامعة للعمل نقلة مهمة لجهة عودة الحياة للمدينة ما جعل المجتمع الدولي يشعر بنسبة من الاطمئنان تجاه محافظة تعز التي تعجز السلطة المحلية حتى اليوم من إعادة تفعيل معظم المؤسسات فيها رغم دعم الحكومة الشرعية لهذه التوجه، باستثناء جامعة تعز، الذي أصبح مسار عودة العملية التعليمية فيها خارج الاهتمام الفعلي للحكومة الشرعية.

واعتمدت الجامعة في عملية إعادة تفعيلها على الجهود الذاتية التي بذلتها قيادة الجامعة بإمكانيات محدودة، وباتت اليوم قيادة الجامعة تواجه عراقيل قد تعيق استمرار العملية التعليمية خصوصاً بالكليات العلمية، حيث وجدت نفسها أمام مطالب مشروعة للطلاب الدارسين في هذه الكليات التي يحتاج طلابها للجانب التطبيقي مثل كلية الهندسة.
*موجة احتجاجات
يقول أحد الموظفين في كلية الهندسة في حديثه لـ«الأيام»: “نحن نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على ديمومة العمل في الجامعة بأقصى حد ممكن، ونشعر بأن موجة احتجاجات قد تندلع في كلية الهندسة من قبل الطلاب، بسبب غياب المعامل والكادر المتخصص”.

ويضيف: “يفترض أن تتعامل الحكومة الشرعية مع الجامعة بسياسية مختلفة عن سياساتها المتبعة لإدارة البلاد”، ويتابع “إن جميع موظفي الخدمة المدنية في البلاد بينهم موظفو وكوادر وقيادة وأساتذة جامعة تعز رواتبهم متوقفة منذ عام”.
معامل خارج الخدمة
تهدد المشاكل المرتبطة بالرواتب إضافة إلى عدم توفير الموازنة التشغيلية للجامعة العملية التعليمة بالتوقف في ظل هواجس تصعيد من قبل طلاب كلية الهندسة من الذين يجدون أنفسهم بحاجة ماسة للتطبيق، لكن المعامل في الكلية شبه منعدمة، وهذا الحال يرفضه طلاب الهندسة الذين لم يتوقعوا أن تكون المعامل التطبيقية بكلية بحجم الهندسة بهذا السوء.

قالت هديل جميل طالبة في كلية الهندسة: “نضطر لتحمل تكاليف المواصلات في ضل الوضع المادي الصعب، نحو الجامعة بهدف الدراسة، لكن الكارثة أنه لا يوجد الكادر التدريسي المتخصص، فضلاً عن أن المعامل مغلقة، ولا أدري كيف تفكر عمادة الكلية بأن يدرس طالب هندسة بدون معامل تطبيقية”.

وقالت زميلتها فاطمة أمين: “هذا أمر مؤلم حقاً، لأننا نعاني من مشقة كبيرة وندفع الكثير من المال للوصول إلى فصل دراسي يغيب عنه الكادر التدريسي المتخصص، ومعمل مغلق تحت ذريعة الإمكانيات”.
ويقول أستاذ في كلية الهندسة: “نحن لا نريد الإضرار بتعليم الطلاب، لكن الكثير منا لا يستطيع دفع تكاليف النقل للوصول إلى الفصول الدراسية، فكيف سنتمكن من مواصلة العمل وتعليم الطلاب؟”.
مخالف للوائح الكلية
يقول الطلاب إن “أبرز المخالفات التي تقوم بها عمادة الكلية، هي قيامهم باستقدام طلاب بكالوريوس حديثي التخرج من أجل تغطية مواد تخصصية وأساسية وجانب نظري لسنوات رابع وخامس، معللين سبب ذلك في عدم توفر الإمكانيات”.


وحسب أكاديميين فإنه “وبالرغم من توفر الإمكانيات المالية للكلية من التعليم الموازي والنفقة، والتي يدفع الطالب الواحد ما يقارب 1200 دولار، إلا أن هذه المبالغ لم تشفع للطالب للحصول على تعليم أكاديمي يتناسب مع التخصص الذي دخل من أجل دراسته”.

ويعتبر أكاديميون قيام بعض المعيدين أو حديثي التخرج بتدريس مواد أساسية كمادة الرياضيات، والتي تعتبر من أهم المواد التي يحتاجها الطالب في الهندسة بأنها “مخالفات جسيمة للوائح الكلية”.
أكاديميون بلا راتب
يشكو دكاترة في كلية الهندسة من امتناع عمادة الكلية من تقديم سُلفة مادية لهم على ذمة رواتبهم، من أجل قيامهم بتغطية محاضرات هذا العام ، كونهم سبق وأن قاموا بتغطية الدراسة فيها لسنة كاملة، حد قولهم.

ويقول الدكاترة في حديثهم لـ«الأيام»: “إن النائب الأكاديمي للكلية بدلاً من أن يضع حلا لمعاناتهم من ميزانية الموازي والنقفة الخاصة، قام باستبدالهم بطلاب بكالوريوس خريجي هذا العام ليقوموا بتغطية محاضرات للطلاب بمخصصات شهرية، وكان الأجدر به أن يضع حلا للأكاديميين ليقوموا بدورهم في تدريس الطلبة”.

ويضيف أكاديميون: “إن لديهم مستحقات مالية سابقة امتنعت العمادة من تقديمها لهم بحجة عدم وجود السيولة”، متسائلين: “أين تذهب نفقات الموازي والنظام الخاص التي تصل إلى مبالغ كبيرة”.
وبسبب عدم تواجد عميد كلية الهندسة في الكلية، ولا يجيب عن تلفونه، لم نتمكن، رغم المحاولات الكثيرة، من أخذ تصريح منه للرد على شكاوى الطلاب والأكاديميين، وللحديث عن وضع الكلية.
برامج قديمة
يشير الطلاب في حديثهم لـ«الأيام» إلى أن "البرامج والخطط الموجودة لكل الأقسام كلها مازالت منذ نشأة الكلية لم يضع لها أي تحديث، حتى فيما يخص المقررات العلمية فقد أضحت قديمة جدا مع التطور الحاصل في المجال الهندسي”.
وأضافوا: “إن المعامل في كلية الهندسة منذ عام 2003، وحتى الآن، لم يجرِ لها أي صيانة، ولم تُحدَّث هذه المعامل التي معظمها خارج نطاق العمل، وحتى الورش فجميعها موقفة ولا نعرف كطلاب سبب توقيفها”.

معاناة الطلاب
يقول علي الرعيني، أحد طلاب الهندسة: “إن كليتهم لا يتوفر فيها أدنى متطلبات العملية التعليمية، كأقلام، ومساحات، وكهرباء، وأجهزة عرض، ناهيك عن إقفال الورش وتعطيل المعامل الخاصة بالتطبيق”.

يضيف الرعيني في حديثة لـ«الأيام»: “يضطر الطالب في كلية الهندسة إلى أخذ جهاز حاسوبه المحمول إلى الكلية، وهو مشحون بالكهرباء لغرض التطبيق، بسبب عدم فتح المعامل، والكارثة الأكبر هي أن هناك مهندسين خريجين ماسكين مواد دكاترة كبار، وهذا بحد ذاته كارثة”.
إحباط ولجوء للتطرف
في السياق تحدث شهاب المقطري، الذي يقود حركة (واجب) المهتمة بمساندة حقوق الطلاب: “إنه في ظل الوضع القائم بكلية الهندسة لا يمكن لأحد تخمين كيف سيواجه الطلاب المستقبل بعد التخرج”.

ويضيف المقطري : “إن طلاب الهندسة يشعرون بالإنهاك والتشتت بسبب المشاكل التي تواجه تحصيلهم العلمي، وقد يصاب الشخص بصدمة عندما يكتشف أن كلية الهندسة التي يتخرج منها مهندسو تقنية المعلومات ونظم الشبكات، وهي مازالت تتعامل مع بيانات الطلاب بالطرق التقليدية، فيما كليات أخرى أدخلت نظام التعامل الإلكتروني بوقت مبكر”.

وطالب الحكومة الشرعية بـ "البحث على جهات مانحة، والتنسيق معها، لدعم مراكز التطبيق العملي في الكلية العلمية الهندسة على وجه الخصوص".
من جهته قال برهان البريهي، منسق حركة (واجب الطلابية): "إن طلاب كلية الهندسة ينتابهم الإحباط مجرد وصولهم للمستوى الدراسي الثاني، وباتوا يتوقعون القليل أو لا شيء على الإطلاق بخصوص حصولهم على حياة أفضل بعد تخرجهم".

وأضاف البريهي: "هذا السبب الذي يؤدي للإحباط يصبح من السهل على معظم الطلاب التوقف عن الأمل بحياة أفضل بعد التعليم، فيلجأ بعضهم، بدلاً من مواصلة التعليم، إلى الالتحاق بقوات الجيش أو تنظيم القاعدة"، حد قوله.
وأشار برهان البريهي إلى "وجود حراك طلابي داخل الجامعة، والذي قد يحدث ثورة طلابية إذا لم تلبِ الحكومة الشرعية ورئاسة الجامعة مع عمداء الكليات مطالب هؤلاء الطلاب”.
استقطاب حزبي
بدلا من أن تكون الجامعة منارة للاستقطاب العلمي والثقافي وبيئة سليمة لتنوير الطالب بالعلم والمعرفة، أصبحت بيئة للاستقطاب الحزبي، التي تتجاهل قضايا الطلاب وانتشال الجامعة من التراجع الكبير في المخرجات العلمية والعملية.
أحد الطلاب في كلية الهندسة في حديثه لـ“الأيام” أشار إلى “قيام أحد الدكاترة بممارسة ضغوطات عليه كي يكون في حزبه، مقدماً عرضا من الميزات والدرجات في حال أصبح عضوا في حزبه”.
وقال الطالب، الذي فضل عدم ذكر اسمه: “منذ أيام وأحد الدكاترة المنتميين لحزب الإصلاح يعرض عليَّ ميزات من أجل الدخول في الحزب، وسيقدم لي ميزات في الدرجات ويشركني في الاتحاد الخاص بالطلاب”.
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى