«الأيام» تواصل استعراض دراسة (الأمن في الجنــــوب.. الواقع والتحديات) للباحث مساعد وزير الدفاع اللواء الركن عبدالقادر العمودي: (2) ظهور مليشيات مسلحة موازية للوحدات الأمنية إلى جانب انتشار السلاح جعل المدينة مساحة للفوضى

> عدن «الأيام» خاص

> في الحلقة الثانية التي تستعرضها «الأيام» من بحث (الأمن في الجنوب.. الواقع والتحديات) لمساعد وزير الدفاع اللواء الركن عبدالقادر العمودي، الذي قدمه في حفل إشهار «مجلس محافظة عدن الطوعي» بتاريخ 29 نوفمبر 2017، والذي تخللته جلسة نقاشية حول الأمن في عدن، قدم الباحث دراسة وصفية للعمليات الإرهابية التي استهدفت مقرات أمنية ومدنية في العاصمة عدن العام 2016 حتى منتصف نوفمبر من العام 2017، معرجا على جوانب من الثغرات الأمنية التي استغلها الإرهابيون.
كما تطرقت الدراسة إلى الإنجازات الأمنية وضرب التنظيمات الإرهابية وأوكارها في عدن، واعتبر مديرية المنصورة أنموذجا لتلك الإنجازات.
*عمليات إرهابية
الباحث استعرض أبرز العمليات الإرهابية التي نفذت في عدن على النحو الآتي:
في 17 فبراير 2016م فجر انتحاري نفسه أمام بوابة معسكر رأس عباس بمديرية البريقة، راح ضحيته 14 شاباً وما لا يقل عن (50) جريحاً، وفي 23 مايو 2016 سقط 41 شهيداً وجرح ما لا يقل عن 70 جريحا حينما فجر انتحاري نفسه أمام بوابة منزل القائد العسكري عبدالله الصبيحي في خورمكسر.
وفي 6 يوليو 2016 صباح يوم عيد الفطر المبارك انفجرت سيارتان مفخختان أمام بوابة الصولبان سقط فيها أكثر من 20 قتيلا.
وكذلك في 29 أغسطس 2016م سقط (60) شهيدا وجرح (120) آخرون في تفجير سيارة مفخخة وسط تجمع شبابي لطالبي التجنيد في مدرسة (علي سالم بن رباع) في القاهرة (السنافر) بالشيخ عثمان، وفي 10 ديسمبر 2016 فجر انتحاري نفسه في تجمع للمجندين في معسكر الصولبان بخورمكسر وخلف (51) شهيداً و(50) جريحاً. و في 18 ديسمبر 2016 فجر انتحاري نفسه في تجمع للمجندين خلف معسكر الصولبان، مخلفا (52) شهيدا وما لا يقل عن 27 جريحا.
أما في 5 نوفمبر 2017 فوقع هجوم انتحاري استهدف إدارة الأمن والبحث الجنائي استخدمت فيه عدد من السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، واشترك فيه أربعون إرهابياً خلف (47) شهيدا و(46) جريحا، واستمرت سيطرة تنظيم داعش على مبنى إدارة البحث أكثر من 24 ساعة.
كما حدث تفجير بمركز عمليات الحزام الأمني في حي عبدالعزيز بتاريخ 2017/11/14 راح ضحيته (4) شهداء وعدد من الجرحى، وقد تبنى تنظيم داعش في اليمن التفجير الإرهابي.
*إنجازات أمنية
رغم تمكن التنظيمات الإرهابية من توظيف واستغلال أوضاع الحرب وظروفها والاستفادة منها، حتى أصبحت أكثر المستفيدين من الحرب في اليمن، بحسب شهادة وتأكيدات أخرى من منظمات دولية مهتمة بالشأن اليمني، إلا أن دول التحالف، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، والمقاومة الجنوبية والجيش ورجال الأمن حملت على عاتقها مهمة تطهير عدن من هذه العناصر والتنظيمات الإرهابية، وطهرت معظم مناطق عدن من الإرهاب وخاصة مديرية المنصورة التي شكلت وكرا مهما للعناصر الإرهابية والمشبوهة.
وتشير معلومات البحث إلى أن عملية تطهير المنصورة وعدن استمرت عاما ونصف، وراح ضحيتها 57 فرداً، وأسفرت عن قتل العشرات من القيادات والعناصر الإرهابية.
«كما استطاعت قوات مكافحة الإرهاب، بالتعاون مع الأشقاء في الإمارات، تقويض أنشطة الجماعات الإرهابية، وداهمت أوكارها وضبط أماكن تصنيع أدواتها الإجرامية (الأحزمة الناسفة - العبوات المفخخة) وغيرها، وعملت على شل قدرتها التنظيمية والإعلامية والدعائية، وفضح وكشف منابر بث أفكارها المتطرفة المدمرة للمجتمع.. وامتدت الحملة إلى لحج وأبين باعتبارهما العمق الجغرافي والاستراتيجي لعدن، اللتين بدون تطهيرهما ستبقى عدن سهلة الاستهداف والدخول من قبل عناصر التنظيمات الإرهابية».
*إرث خطير
واعتبرت الدراسة بقاء الفكر المتطرف إرثا خلفته العناصر الإرهابية ويتم مكافحته والتصدي له عبر المنظومات المكملة لمحاربته (الإعلامية- الإرشادية- الدينية - المجتمعية - التربوية).. ويمكن التأكيد على أن دول التحالف العربي، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، قد حققت حملاتها لتطهير عدن والمحافظات المجاورة وحضرموت من العناصرالإرهابية نجاحاً ملموساً، بالإضافة إلى ما حققته الضربات الدقيقة التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية بطائرات من دون طيار، وعمليات الانزال التي نفذت بالبيضاء «رداع» وأبين «جبال المراقشة موجان»، وشبوة «عزان»، ومأرب، واستطاعت القضاء على عدد من قيادات تنظيم القاعدة «قاعدة الجهاد في شبه جزيرة العرب»، وإضعاف القدرة الإدارية والتنظيمية للقاعدة في تلك المناطق.

وبقدر ما تشكل هذه النجاحات التي تحققت من مضمار محاربة تنظيم القاعدة وبقية التنظيمات الارهابية من تقدم نوعي، إلا أن مخلفات تلك التنظيمات وأفكارها المتطرفة التي ورثها الشباب منها خلال فترة ما قبل الحرب وما بعدها هي في طبيعة الحال والواقع أدوات تساعد إلى حد كبير في بقاء بؤر الإرهاب في عدن وبقية المناطق في ظل التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تساعدها في إعادة إنتاج أنشطتها بصورة متجددة رغم نجاح الحملات والقضاء على كثير من قياداتها وعناصرها.
وأشار الباحث العسكري إلى ان غياب المراكز المتخصصة كالمناصحة ومكافحة التطرف اوجد فراغا تستفيد منه التنظيمات الارهابية للحفاظ على بقاء فكرها المتطرف رغم خروجها من بعض المناطق.
*حمل السلاح
الباحث اللواء الركن عبدالقادر العمودي أكد أن ظاهرة حمل السلاح وانتشاره بشكل عشوائي بين العامة في المدن كان مساعدا رئيسيا لكثير من العمليات الإرهابية وتطرف الشباب لاسيما مع غياب الضوابط المنظمة.
وأوضح أن لانتشار السلاح بمختلف انواعه داخل العاصمة عدن تداعيات سلبية على واقع السلم والمدنية التي تتميز بها عدن، وقال: «على الرغم من انتشار السلاح في جميع مناطق اليمن الذي يوجد فيه اكثر من 60 مليون قطعة سلاح بحسب إحصائيات عام 2013م إلا ان مدينة عدن المعروفة بثقافة اهلها المسالمة حرصت بعد مغادرة بريطانيا لها عام 1967 التي كانت تفرض نظاما صارما، وتمنع دخول السلاح إلى المدينة بما في ذلك السلاح الابيض، حيث بدأت الفكرة تبرز حول وضع الضوابط من الفترة التي بدأت فيها الانتفاضات الفردية والجماعية من 1839 حتى 1846 وكانت الافكار بسبب وعد بلفور 1917 حيث بدأت بريطانيا بشكل جدي تفكر بوضع الضوابط للمستعمرة وبرز سن تلك القوانين عام 1955. وألزمت تلك الضوابط زوار مستعمرة عدن بتسليم اسلحتهم في نقاط مداخلها».
وقال الباحث: «لا أحد ينكر ان الاوضاع السياسية التي شهدتها عدن قبيل وبعد إعلان الوحدة اليمنية مروراً بأزمة 2011، وممارسة القمع الذي تعرضت له فصائل الحراك في فترة ما بعد 7/2007 قد دفع البعض إلى حيازة السلاح بشكل خفي، لكنه كان في مستوى لم يصل إلى درجة الظاهرة، إلى أن تفجرت الحرب في 2015، وتم نهب المعسكرات ومخازن الاسلحة في جبل حديد كدافع للمواطنين لحماية أنفسهم، حيث اضطر البعض لحيازة السلاح الخفيف للدفاع عن أنفسهم وحرمات منازلهم.
*خيبة أمل المجتمع
كان المجتمع في عدن يتطلع بعد إعلان تحرير المدينة في 17 يوليو 2015 إلى فرض هيبة الدولة واجهزتها الامنية والعسكرية، وإعادة تطبيع الاوضاع والشروع في معالجة آثار الحرب، ومن ضمنها وضع حد لتزايد ارتكاب الجرائم الجنائية والإرهابية، ومنع انتشار الأسلحة إلا بوجود ضوابط تنظم السماح بانتشارها أو خروجها من المعسكرات، كما كان معمولاً قبل الحرب.. لكن للأسف غياب استعادة دور المؤسسات والأجهزة الامنية وعدم تفعيل عملها إلى جانب عدد من العوامل الاخرى الناتجة عن الحرب أتاح انتشار لظاهرة حمل السلاح الانتقال إلى طور أكثر خطورة، حتى اصبح مشكلة تؤرق المجتمع وتثير مخاوف الخارج لما تتسبب به من نشر الفوضى والتشجيع على ارتكاب الجرائم وتدمير السلوك الاجتماعي، وإفساح الطريق امام تشكل سلوك هدام لقيم واخلاق المجتمع، حيث ظهر لأول مرة عقب انتهاء الحرب في عدن تجوال الشباب بالسلاح في شوارعها واسواقها حتى اعتبر بعض الشباب حمله كجزء من شخصيتهم وكأنه جزء مكمل لارتداء ملابسهم إلى درجة صار فيه الأطفال يتباهون بحمله في السيارات والمناسبات والأعراس، الأمر الذي تطور إلى التجوال به دون خوف أو تردد.

من الطبيعي أن غياب الضوابط في أجهزة الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها الوحدات العسكرية والامنية إلى جانب غياب الإجراءات الرادعة وعدم تفعيل دور القضاء وما أنتجتها الحرب من مبررات لدى المواطن لحمل السلاح قد أدت إلى وجود الفوضى المجتمعية وخروج المواطن عن الالتزام بالقوانين السابقة واللوائح المنظمة لحمل السلاح.
*آثار ومخاطر السلاح
كان للحرب في اليمن أثرها الكبير في انتشار السلاح في مختلف المدن اليمنية ومنها مدينة عدن، حيث ترتب على انتشار وحمل السلاح بالإضافة إلى عوامل اخرى خلفتها الحرب مخاطر متعددة مثل التسبب في زيادة ارتكاب الجريمة، والتسبب في الكثير من الضحايا نتيجة إطلاق النار في الاعراس لسوء الاستخدام او من خلال الرصاص (الراجع) الذي أدى إلى قتل كثير من المواطنين ممن كانوا في منازلهم آمنين.
لقد حولت الحرب في اليمن - بما خلفته من آثار خطرة في مختلف مناطق ومدن اليمن ومنها مدينة عدن هذه المدينة المعروفة بمدنيتها كمنبر للثقافة والعلم ومركز للتجارة والجذب السياحي - مدينة عدن إلى واقع مشجع لنشر الفوضى، نتيجة بروز مليشيات مسلحة موازية للوحدات العسكرية والأمنية النظامية، إلى جانب ظاهرة انتشار السلاح التي أنتجتها الحرب، بالإضافة إلى عوامل اخرى ورثتها عدن خلال الأزمة قبل الحرب مما جعل وضع (اللاحرب) الذي تعيشه عدن حالياً منذ تحريرها منتصف 2015 مصدراً لتبرير ظاهرة انتشار الأسلحة عند الكثيرين بدافع حماية أنفسهم وممتلكاتهم، وهذا أدى إلى بروز ووجود سوق بيعها وشرائها بمدينة الشيخ عثمان، بصورة علنية أمام الطريق الفاصل بين حي الهاشمي وحي عبدالعزيز السكني، ليمارس زواره بيع وشراء مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة بدءاً بالذخيرة وسلاح الكلاشنكوف والرشاشات والقنابل والنواظير الحربية (الليلية - النهارية).
إن استمرار نشاط سوق الهاشمي لبيع وشراء السلاح بصورة علنية أمام السلطات والمواطنين الذي أصبح مكانا معلوما للصغير والكبير هو أبرز التحديات الأمنية الخطيرة المدمرة للمجتمع والأطفال، وأحد الشواهد على ضعف وغياب الدولة، حيث يتضح لمن يزور أو يراقب المشتغلين به والوسطاء والباعة أنهم يمارسون كل مراحل البيع والشراء بكل علنية، بدءا بمعاينة نوع السلاح والموافقة على البيع والشراء، وانتهاء بتجربة إطلاق أعيرة نارية لإثبات صلاحية السلاح المباع، وهذا ما يؤكده سكان حي (عبدالعزيز عبدالوالي) الذي أصبح وجود السوق مصدر خطر مباشر على حياتهم.
وإن وجود هذا السوق بالإضافة إلى سوق أصغر منه أمام مسجد النور لبيع وشراء الأدوات العسكرية والمسدسات والملابس العسكرية وغيرها من توابع السلاح لممارسة نشاطهما بكل حرية يؤكد أن هناك أنشطة مشابهة لهما تمارس بصورة علنية، حسب ما يؤكده الكثيرون، عملية بيع وشراء الأسلحة عبر الوسطاء في المنصورة ودار سعد وأسواق القات، وفي السيارات وغيرها من الطرق التي يتم خلالها ممارسة هذا النشاط.
وجود سوق لبيع وشراء السلاح أمام مرأى ومسمع الجميع، دولة ومجتمعا، هو أمر يؤكد أن هناك أطرافاً جعلت من آثار الحرب وجود السلاح وثقافته المدمرة للمجتمع بهدف إحلال ثقافته محل ثقافة التحضر والمدنية والسلم الاجتماعي المتجذرة في المجتمع منذ القدم، وثقافة السلاح ظاهرة دخيلة على أبناء عدن وثقافة التعايش المتجذرة في سلوكهم، وأصبحت إرثا ثقافيا يتناقله المجتمع جيلا بعد جيل، والذي يبرهن أن عدن مدينة حضارية لا تؤمن بثقافة السلاح والعنف، وستقاوم محاولات فرضها بكل أشكال التعبير الرافضة لها.
*عدن ترفض السلاح
وتاكيداً على أن مدينة عدن بثقافتها ومدنيتها المعروفة بالتعايش ترفض هذه الظاهرة الدخيلة على أحيائها وأسواقها، فقد شهدت المدينة مؤخراً عددا من الأنشطة والوقفات الرافضة لانتشار السلاح ووجود أسواق بيعه في المدينة.
كما نُظِّمت عدد من الوقفات الاجتماعية حول تردي الوضع الأمني وانتشار ظاهرة السلاح وبروز الأسواق لبيعه في المدينة، إلى جانب تنظيم عدد من الحملات التوعوية الهادفة لمنع حمل السلاح والحد من انتشاره، نفذتها مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني من بينها مؤسسة رسيل لتنمية الإعلام الصحفية، التي نظمت ورشة عمل حول ظاهرة حمل السلاح وخطورته على المواطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى