«الأيام» تواصل استعراض دراسة عن (الأمن في الجنــــوب.. الواقع والتحديات) للباحث مساعد وزير الدفاع اللواء الركن عبدالقادر العمودي: (3) هناك خطة بين دول التحالف والرئيس هادي لإخراج الألوية العسكرية من عدن

> عدن «الأيام» خاص

> في هذا العدد تتناول «الأيام» واقع الأمن وتحدياته بمعطيات بحثية مهمة في ظل الواقع المعاش اليوم في العاصمة عدن خصوصا، حيث تمكن الباحث العسكري الاسترتيجي اللواء عبدالقادر العمودي من إثراء موضوع البحث الأمني بشواهد دامغة نراها مرارا في حياتنا اليومية، واجتهد ببحثه بخلاصة أفكار عسكرية وأمنية تعالج مظاهر الأمن السلبية، وتضع النقاط على الحروف في الحلقة (3) من واقع التحديات الأمنية.
لاشك في أن الواقع الأمني بكل ما يحمله من تناقصات وتخبط انعكس على مدينة عدن، حيث أصبح تعدد الأجهزه الأمنية هاجسا أمنيا يؤرق أمن عدن وسكانها، فتعدد مسميات الأجهزة الأمنية وتعدد تشكيلاتها وعدم وجود تنسيق بينهما أدى إلى سلسلة من الحوادث الأمنية في عدن، وصلت إلى حد المواجهة المسلحة بين القوات الأمنية والعسكرية، كما حدث في مطار عدن وفي ميناء المعلا وفي القطاع الشرقي للعاصمة عدن، وما حصل في ميناء الزيت بين بعض مجاميع تنتمي للحراسة الرئاسية والحزام الأمني عند تسليم المواقع للحزام الأمني.
إن الواقع الأمني أثناء وما بعد الحرب في اليمن وخصوصا عدن يؤكد عدم توحد المؤسسات الأمنية وتعدد مراكز القرار، بل وتنازع الصلاحيات فيما بينها وافتقارها للتنسيق العملياتي والمخابراتي، وهذا لاشك إنه أحد شواهد أو مظاهر انهيار المؤسسات الأمنية وتعدد القرار فيها، كما هو حاصل في عدن.
ويرى الباحث العسكري بأن توحيد الأداء الأمني مسألة هامة لابد من إيجادها عبر غرفة عمليات مشتركة، وتحكم في تنفيذ المهام المشتركة لكل هذه الأجهزة، وصولاً إلى توحيدها، لأن التعدد يخلق مزيدا من تنازع الصلاحيات وتوسع رقعة الخلافات على مواقع التمركز والانتشارالأمني، ويدفع إلى نشوب صراعات لا تحتملها العاصمة عدن في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها، حيث تتقاسم هذه الأجهزة الأمنية المتعددة في عدن السيطرة على مرافق ومؤسسات الدولة الحيوية وحمايتها بما يضمن استمرارها في تأدية مهامها ووظائفها، إضافة إلى تمركزها في الجولات والتقاطعات الرئيسية والهامة في مداخل العاصمة وفي التفرعات الداخلية وشوارعها الرئيسية.
إن الأمر في عدن بحاجة إلى المزيد من التعقل والحكمة في معالجة الحالة الأمنية وبسط نفوذ وهيبة السلطة بالوسائل والطرق السلمية وعدم التسرع والانجرار إلى استخدام القوة والمواجهة المسلحة، والبحث عن مزيد من الطرق والبدائل والأدوات الممكنة لحل هذه المعضلة التي خلفتها الحرب والمقاومة العفوية.

وقد شهدنا في الفترة الأخيرة، وبجهود كافة الأجهزه العسكرية والأمنية وقوات التحالف العربي، تحسناً في هذا الجانب، فأنشأت قيادة وزارة الدفاع والأركان العامة في عدن غرفة عمليات مشتركة، يتواجد فيها ممثلون من مختلف الأجهزه العسكرية والأمنية، تتحمل مسؤولية الإبلاغ والمتابعة لكافة التحركات العسكرية داخل نطاق المنطقة.
كما أن أجهزة وزارة الداخلية في عدن هي الأخرى قد قامت بإنشاء غرفة عمليات تصب فيها كافة المعلومات عن التحركات والبلاغات الأمنية وتنسيق العمل الأمني، وهذا حتماً سيقلص الكثير من الأعمال والأحداث التي كانت تقع دون تنسيق.
*انتشار المظاهر العسكرية بمبرر أننا لازلنا في حالة حرب
ويؤكد البحث بأن المظاهر العسكرية في المجتمع الجنوبي أو العدني خصوصا، هي شيء جديد أو عادة مقترنة بالحرب الأخيرة، بل بدأت هذه الظاهرة بالانتشار منذ الوحدة وازدادت انتشاراً بعد حرب 94م، حيث عرفت عدن منذ ذلك الوقت ظهور القيادات والمسئولين والمشايخ وغيرهم من الأفراد مع العديد من الحراسات والمرافقين، المحملين بالأسلحة المختلفة بدون رخص حمل السلاح.
ازدادت هذه الظاهرة انتشاراً خلال الحرب وبعدها وبشكل ملفت من خلال بعض ممن ينتمون لشباب المقاومة وبعض قياداتها ومن حسب عليها، وأصبح تجولهم بآليات المقاومة والسيارات (الأطقم) المستولى عليها من الجيش القديم وغنائم الحرب من أسلحة الوحدات العسكرية ظاهرة مقلقة للسكان المسالمين في مدينة عدن والمناطق المجاورة لها.

ويشير الباحث إلى أن معظم الشباب لم يكن لديهم ثقافة الاستخدام لهذه المعدات والأسلحة العسكرية بحكم أنهم استخدموها فقط من فترة وجيزة منذ الحرب، ولم يكن لهم معرفة بالنظم والقيم العسكرية التي تدرس وتعلم لمتخذي هذه الآليات والعتاد العسكري، ولم يكن لهؤلاء الشباب معرفة بالأسلحة واستخداماتها.
بعدت القيادات العسكرية القديمة عن التجانس مع الشباب الجدد في العمل العسكري وبالتالي كل منهم أصبح كأنه عدو للآخر فلا العسكري القديم تقرب من الشباب وقدم خبراته وتجاربه ولا العسكري الجديد استطاع الاستفادة من تجربة وخبرات القديم، وكذلك فقدان السيطرة من قبل القيادات الميدانية للمقاومة على مرؤسيهم، مما شجع المرؤسين على التمادي وعدم الاعتراف بالقيادات في بعض الحالات، أيضا التخوف الشديد من ضعف الحالة الأمنية وتواجد بؤر الإرهاب داخل المدن جعل الكثير من القادة يستخدمون العديد من الحراسات والمرافقين والأطقم كحراسة أمنية نظرا لتوقع مباغتات من قبل القوى المعادية للقيادات العسكرية وقيادات المقاومة.
*المعسكرات وانتشارها داخل المدن
من المعلوم أنه كان في عدن ثلاثة ألوية عسكرية فقط، هي اللواء 31 مدرع، واللواء 39 مدرع، ولواء 120 دفاع جوي، وعدد من الوحدات للتأمين الفني والإداري والطبي اللوجستية بشكل عام.
ثم أفرزت الحرب وحدات عسكرية جديدة تطلبتها الحاجة لاستيعاب شباب المقاومة في الوحدات العسكرية، إضافة إلى نزوح وعودة بعض العسكريين والوحدات العسكرية من المحافظات الشمالية إلى عدن.
وكان لزاماً على الجهات المختصة في وزارة الدفاع والأركان العامة في عدن استيعابهم وتكوين وحدات عسكرية جديدة، وبما أن الوضع الأمني خارج عدن لا زال هشاً بقيت هذه الوحدات في عدن حتى يتم إعداد معسكرت لاستيعابهم خارج عدن وفقاً لإعداد مسرح الانتشار العملياتي للقوات العسكرية بشكل عام.
وهناك خطة تم الاتفاق عليها بين دول التحالف العربي والرئيس عبدربه منصور هادي تقضي بإخراج الألوية العسكرية من عدن، وتمركزها خارج عدن وفي بقية المحافظات المجاورة ووفقاً لخطة الانتشار المتفق عليها، وقد نفذت وحدتان عسكريتان هذه الخطة والبقية سيأتي دورها.

وعلينا أن ندرك أن القيادة السياسية والعسكرية مهتمة بهذا الموضوع، ولكن الظروف الاقتصادية والأمنية قد تكون أحد العوامل التي لا تساعد على التسريع بهذا الموضوع، إلا أنه سيظل من أهم التحديات الماثلة أمامنا. عدن وسكانها تستحق أن تنعم بحياة آمنة خالية من العسكرة وتعود لحياتها الهادئة والجميلة.
*الخروقات الأمنية عابرة الحدود
ويفيد الباحث اللواء الركن عبدالقادر العمودي بأن أهم التحديات الأمنية الماثلة أمامنا اليوم، والتي يراها البعض من أخطر التحديات، أن البلد (اليمن) أصبحت معبراً وممراً لبعض الأعمال المخلة بالأمن العام فيها وفي المنطقة ككل مثل تهريب المخدرات وتدفق اللاجئين والتهريب للأسلحة والآثار والنفط والقرصنة، وأن سواحلنا وحدودنا أصبحت منفذاً للخروقات الأمنية العابرة للحدود.
وقد تم التنبة لهذه الأمور منذ زمن مبكر وتم العمل على تنفيذ مزيد من الإجراءات الكفيلة بالحد من هذه الخروقات الأمنية وتم تشكيل وحدات خفر السواحل وحرس الحدود، منذ أكثر من عشر سنوات والتي أوكلت لها مهام حماية سواحل البلاد وتأمين منافذها البحرية والبرية التي تشكل أكبر تهديد لتنفيذ هذه الخروقات الأمنية.
إن الموقع الجغرافي لليمن بشكل عام وللجنوب بشكل خاص وامتداد سواحله على شواطئ تمتد حوالي 2300 كيلومتر (من رأس ضربة علي على الحدود العمانية في البحر العربي حتى شمال ميدي على الحدود السعودية في البحر الأحمر) ومجاورة لحدود دول في القرن الأفريقي كالسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال، وهذا الموقع جعلها تتطلب إمكانيات اقتصادية ومالية كبيرة، فبناء قوات بحرية كبيرة وقوات خفر السواحل بالمستوى المطلوب مسألة في غاية الصعوبة في ظل إمكانيات وموارد اقتصادية ضعيفة في البلاد.

إن الأمن الداخلي للبلاد في هذا الجانب بالذات يرتبط بحدود برية مع دولتين من دول مجلس التعاون ويرتبط ارتباطاً وثيقاً، نظراً للحدود الجغرافية البرية التي تربط اليمن بهما، فهي لها حدود مع أكبر دولتين في المجلس مساحة وسكاناً، وهما المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وبالتالي فإن عامل الجغرافيا يلعب دوراً كبيراً في المجال الأمني لدول الجوار الجغرافي. كما أنها محاذية، من الناحية البحرية، إلى دول القرن الأفريقي الأربع السودان وجيبوتي وإريتريا والصومال.
فالأمن البحري يتطلب تعاوناً وثيقاً بين كل الدول المتجاورة للسيطرة على هذا النوع من أنواع الخروقات الأمنية العابرة للحدود كالإرهاب ومكافحة التهريب والتعاون المعلوماتي والتعاون في مجال تبادل المطلوبين ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والتهديدات الأخرى العابرة للحدود، مثل تهريب الأسلحة وتهريب النفط وتهريب المخدرات وتهريب الآثار والسرقة والقرصنة، وتسلل اللاجئين غير الشرعي، وغيرها، وكلها تهديدات مباشرة وخطيرة على أمن اليمن وعلى أمن الخليج وأمن دول القرن الأفريقي.
وإذا لم تؤخذ الخروقات الأمنية العابرة للحدود على محمل الجد وفي إطار ترتيبات أمنية بين دول مجلس التعاون ودول التحالف العربي ودول القرن الأفريقي باعتبارها تهديدات أمنية فإن تفاقمها قد يسبب أخطاراً بالأمن الداخلي والقومي للدول المعنية جميعاً وعلى السواء.
وهذا يتطلب تنسيقاً وتعاوناً مباشراً بين دول المنطقة والمشتركة في الحدود البرية والبحرية، وعلى كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية والجمركية أيضاً. ربما يتطلب ذلك إقامة مؤسسات أمنية مشتركة أو تنسيقية وابتكار أساليب وتدابير أمنية تعزز الأمن والاستقرار في هذا الجانب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى