شعب محروم.. وحاكم مأزوم

> جلال عبده محسن

>
جلال عبده محسن
جلال عبده محسن
يخبرنا التاريخ بأن الشعوب وما أن تنال حريتها وتقرير مصيرها، فإنها سرعان ما تحاول نسيان ماضيها الأليم وحياة البؤس التي كانت تعيشه لتبدأ جاهدة في رسم ملامح المستقبل من خلال تنمية الجهد البشري والاهتمام به وتحويله إلى قوى فاعلة لتحقيق التنمية الشاملة، والتي تكفل عملية التحول الاجتماعي والتقدم والرضا للفرد والمجتمع، وبالتالي البداية الحقيقية لمسار مستقبل الأجيال القادمة.
فاليابان، مثلا، خرج من تحت الرماد في الحرب العالمية الثانية كبلد محطم، دمر تدميرا كاملا بعد إلقاء القنبلتين الذريتين الأمريكيتين عليه، واستطاع خلال فترة ثلاثين عاما من إنهاء الحرب أن يتحول إلى بلد عملاق اقتصاديا وصناعيا، ومنافس لأكبر دول العالم الصناعي، بل ويفوق عليها من خلال العلم، وهكذا نهضت دول العالم المتقدمة الأخرى وبالعلم وحده، وما أن خرجت من الحرب وهم يبحثون عن النجاح وبشائر الأمل للنهوض بالإنسان أولا كقائد لعملية البناء والتعمير والتحول الاجتماعي.
أما دولنا العربية والإسلامية وما أصابها من نكوص وتخلف، فإن الأنظمة التي حكمتها بعد ثوراتها وتقرير مصيرها وما تلاها سواء كانت مدنية أو عسكرية، فإنها تعثرت من أول وهلة بسبب اختلاط الأولويات وعدم الاهتداء لخارطة الطريق الصحيحة، على الرغم من امتلاكها من التكامل والقدرات ما لا تمتلكه تلك الشعوب المتقدمة ومن ثروات وموارد طبيعية وبشرية هائلة، إلا أنها للأسف افتقرت إلى خاصية القدرة الديناميكية لتطوير مهاراتها الفاعلة لحل مشاكلها التنموية، وعجزت عن صياغة الالتزامات العملية لحل مشاكل شعوبها الاجتماعية والاقتصادية والتي تربط الموارد البشرية بالسياسات التي اعتمدتها الدول المتقدمة ومكنتها من النهوض، والتي مثلت لها التحدي الأكبر لحماية مواردها وترشيد استخداماتها ومعالجة التدهور الذي كان يعترض قدرتها نحو التقدم خلال عملية النهوض بمسيرتها التنموية، والسبب يعود إلى الاضطرابات السياسية والنخب الحاكمة التي ابتعدت عن العلم وحافظت على مصالحها الخاصة وقدمتها على مصالح الأمة، مما أفقرت شعوبها بفسادها وعبثها من خلال مكوثها في الحكم إلى مالا نهاية بل وتوريثها لأبنائها من بعدها، مما تسبب في إخفاقات كارثية حالت دون إدارة شؤون الحكم وفي إدارة شؤون المجتمع.
أما اليمن فمصيبتها أعظم ومنذ نيل حريتها واستقلالها وبعد أكثر من نصف قرن من عمر الثورة وهي في حلقات متواصلة من الصراعات والحروب السياسية التي لا تنتهي إلى يومنا هذا، فلا بالتشطير كان براحة ولا بالوحدة مستريح، بل ومن خلال تلك الوحدة "المغدورة" تم القضاء على كل أحلام وطموحات اليمنيين في التقدم والعيش الكريم، بل وعمقت الآم وجراح الماضي، وتم تقديم اليمن أمام الأصدقاء في دول العالم كهوية ممسوخة والتي لا يأتي ذكرها في الإعلام العالمي إلا مصحوبا بذكر الإرهاب والقاعدة، كما تم تقديمها أمام الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي مجرد موقع وعمق إستراتيجيتين على أهميتهما ومجرد عمالة عاطلة كوسيلة للابتزاز السياسي لطلب الدعم المادي كتعويض للنقص والإخفاق في إدارة أمور البلاد والعباد، بينما لدينا مقومات سياحية عديدة ومتنوعة بل ونادرة ومعالم حضارية عريقة غنية بآثارها ومزاراتها المتنوعة وغيرها من المزايا التي تشكل مناطق جذب سياحي بما فيها جمال الطبيعة وشواطئها ومياهها الدافئة ومناخها المعتدل، علاوة على مخزونها الهائل من الخيرات والثروات والمقدرات الطبيعية الأخرى كالغاز والنفط، إلا أن منظومة الحكم الفاسدة والتي ظلت جاثمة على البلاد قرابة 33 عاما، والتي تميزت بسوء وتردي أحوال مختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبسبب خططها وسياساتها الفاشلة، بل وحماقتها السياسية التي أداروا بها البلاد والعباد هي من أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم باسم الديمقراطية الزائفة، وفي نهاية المطاف أرادوها إلا كذلك حرب ضروس وخراب ودمار تزهق من خلالها الأرواح وتسفك الدماء وتقضي على مؤسسات وخدمات هي في الأصل منخورة ومهترئة، لترث الأجيال المزيد من الخسائر والخذلان ليظل الشعب محروما جار عليه حاكم مأزوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى