الحديدة.. كفاح من أجل البقاء.. شبح الموت جوعا دفع بكثير من النساء لاقتحام سوق العمل

> تقرير/ خاص

> دفعت الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، التي تعيشها البلاد جراء الحرب التي دخلت عامها الرابع، بالكثير من النساء بالخروج للعمل في الشارع بأعمال متعددة لعلهن يوفرن قليلاً من متطلبات الحياة الضرورية.
فمنذ أن أشعلت مليشيات الحوثي حربها في اليمن بات المواطن يتخبط ويتجرع الوان من المعاناة، ويعيش اقسى أيامه ولا يجد في كثير منها قطعة من الخبز وقليلاً من الشاي ليسكت بها جوع أطفاله.
خلال الأعوام الماضية كان الرجال هم من يُكافحون لمواجهة ظروف الحياة بمفردهم، وتحمل أعبائها بمرارة ليضمنوا لأفراد أسرهم أبسط سبل الحياة الكريمة.

محافظة الحديدة (غرب اليمن) هي أكثر المحافظات التي يعاني سكانها ظروفا معيشية صعبة نتيجة للحرب المستعرة في البلاد منذ العام 2015، والتي ألجأت الكثير من نسائها للخروج بحثا عن عمل لمساندة رب الأسرة لمواجهة الوضع الإنساني الصعب الذي أفرزته الحرب الطاحنة، لضمان توفير لقمة العيش والقوت الضروري لأفراد الأسرة، للبقاء على قيد الحياة، لاسيما بعد ارتفاع الأسعار الجنوني في المواد الغذائية والاستهلاكية ومن قبلها توقف الرواتب وتدهور الخدمات وانعدام المشتقات النفطية، في محافظة تحتل المرتبة الأولى في قائمة المدن اليمنية الأشد فقرا.
*كفاح مستمر
أم عمار (34 عاما) قررت العمل في صندوق النظافة والتحسين، مع عدد كبير من الرجال في تنظيف وتحسين شوارع المدينة.
لقد أجبرتها حاجة أطفالها الخمسة للقمة العيش على مواجهة الوضع الاقتصادي بمفردها بعد أن مات زوجها.
تقول أم عمار: «خرجت أعمل لأوفر لقمة العيش لعيالي، لا أحد معنا غير الله، ولو جلست في البيت وخفت من كلام الناس سنموت جوعا».
وتسكن أم عمار في حي من أكثر الأحياء فقرا، وفي منزل شعبي يفتقر لأبسط متطلبات المعيشة، وما زاد من أمرها تعقيداً وسوءاً توقف راتبها كغيرها من موظفي الدولة، ولم يعد لديها في الوقت الحالي أي مصدر للدخل غير تلك المساعدات التي تتحصل عليها من سكان الأحياء التي تعمل على نظافتها، كما قالت.
كثير من السكان يشجعون أم عمار على كفاحها لتوفير مستلزمات أطفالها الأساسية.. يقول أحد جيرانها في حديثه لــ«الأيام»: «أم عمار أفضل امرأة مثالية تُكافح من أجل أطفالها، تعمل حتى لا يحتاج فلذات أكبادها لأحد.. لقد فضلت أن تعمل في نظافة الشوارع على أن تموت وأبناؤها جوعًا ومرضا».

*أعمل لمساعدة زوجي
الخالة البشتاكة هي وجه آخر لكفاح المرأة وتحديها للوضع المعيشي الذي يعصف بكثير من الأسر في ظل الحرب، فهي أم بالغة من العمر (55 عاما) يعمل زوجها في بيع الخضار، فيما تعمل هي في الخياطة على ماكينة اشترتها بعد بيع ذهبها الذي كانت محتفظة به، لتتمكن من تحسين دخل أسرتها.
ساعدها تميزها في خياطة نوع من الثياب النسائية المسماة (الدروع) من بيع الكثير من بضاعتها، في داخل المدينة وخارجها، نتيجة لشهرتها بخياطة هذا الصنف من الثياب.
تقول الخالة بشتاكة في حديثها لـ«الأيام»: «بمساعدتي لزوجي في العمل تمكنا من بناء منزل صغير يأوينا وأطفالنا.. فقد كنا سابقاً نسكن في بيت من الصفيح، وتمكنا أيضاً من ادخال أطفالنا إلى المدارس ليتعلموا، والحمدلله بدأت حالتنا بالتحسن بعد أن شرعت في العمل وبمساعدة زوجي بتوفير لقمة العيش، فكما يُقال (الحياة كفاح) ولابد من خروج المرأة للعمل لمحاربة الفقر ومجاراة الغلاء الذي فرض علينا».
*أعمل لأعيش
فاطمة هي الأخرى تقف على رصيف إحدى الجولات لبيع الماء البارد مع طفلتها أمينة البالغة من العمر عشرة أعوام.

تقعد لأوقات طويلة وهي متعممة بطاقيتها الخزفية التي تقيها جزءًا من لهيب الشمس في ظهيرة الصيف القائض.
تواجه فاطمة بتحدٍّ شبح الفقر هي وطفلتها بعد أن ضاع زوجها الذي كان يُعاني من اكتئاب مُزمن كما تقول.
تقول فاطمة في حديثها لـ«الأيام»: «لقد وجدت في بيع الماء البارد وسيلة لتوفير لقمة عيش تعطيني وطفلتي الأمان من جبروت عادات وتقاليد مجتمع يحرم وقوف المرأة في زحمة الرجال وبين الباعة والمارة، لكنه الجوع والخوف من الضياع قد يجبر المرأة على ذلك شرط أن تكون قوية وتحافظ على نفسها، فنحن في مجتمع لن يتقبل تواجد المرأة في أسواق العمل بسهولة».
حتى لا يموتون جوعا
ولا يختلف الحال على أم هنادي التي أجبرتها ظروف الحياة الصعبة هي الأخرى على العمل فتجدها تفترش جولة الربصة المزدحمة (إحدى الجولات في مدينة الحديدة)، أمام سوق شعبي كبير في بسطة لبيع البطيخ والمانجو، تتوسط بسطتها الكثير من أصحاب بسطات الرجال تناضل هي الأخرى حتى لا تموت جوعا.

خروج أم عمار وغيرها للعمل لذات السبب الذي دفع الكثير من النساء في الحديدة للخروج والبحث عن فرصة عمل أصبح ظاهرة ملفتة يعكسها تواجد المرأة في شوارع المدينة، تعمل بكفاح من أجل تحسين وضع أسرتها المعيشي، فظروف المعيشة الصعبة دفعت بهن لاقتحام أغلب المهن التي كانت حكراً على الرجال وبنسبة متفاوتة، حيث تجد المرأة تعمل في السوق وفي الشارع وكذا في المؤسسات وفي صناعة الحرف والخياطة بل حتى في بيع المشتقات النفطية على أرصفة الشوارع.
عمل المرأة في الحديدة جعلها تقف بشجاعة في وجه الحرب وما خلفتها من مأساة فصعوبة المعيشة أجبرت كثيرا من أرباب الأسر على تشجيع النساء للالتحاق بسوق العمل، وباتت الأسواق تكتظ بالنساء اللاتي يعملن لتوفير لقمة العيش ومساندة أزواجهن في تحمل مشقات حياة قاسية أنهكها الزمن، وفتكت الحرب على ما تبقى منها.
إن شبح الموت جوعًا هو الذي دفع بالمرأة التهامية لأن تُقرر الخروج للعمل إلى جانب شقيقها الرجل في تحسين دخل الأسرة والكفاح لمواصلة العيش ولو بجزء من الكرامة.
تقرير/ خاص

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى