فوضى بلا فن.. من الشارع إلى خشبة المسرح

> مختار مقطري

> لم أكن سعيدا في العيد، ولم أشعر بالفرح، ولم أذهب في نزهة إلى شاطئ أو حديقة، أو إلى منتدى ثقافي تعودت أن أذهب إليه، لأسمع شعرا أو أغنية جميلة أو قصة قصيرة، وألتقي بأصدقائي.
بقيت في بيتي طوال ايام العيد، رددت على رسائل قليلة في الفيس والواست، فأصدقائي مثلي، دون شك.

شعرت بما يشبه الاكتئاب، ليس في العيد فقط، بل ومنذ الاسبوع الاول في شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركات والغفران، فحولوه الى شهر للازدحام والتسوق والغش وغلاء فاحش للاسعار، وتجار تملكهم الجشع، بلا حسيب ولا رقيب، ومواطنون يشكون الفقر المدقع بلا رواتب، واطفال يلعبون (بالطماش) الى أذان الفجر، وانقطاع للكهرباء لاكثر من عشر ساعات يوميا، نهارا وانت صائم، ومساء وانت مكتئب، وباعة يفترشون الارض، وعلى البسطات في كل ركن وزاوية، فسدوا الشوارع، شتمني رجل مرور رأيته وسمعته يطالب بخمسين
ريالا من سائق باص اجرة، فقلت له ان ما يفعله عيب.
بعد المغرب، اذهب لسوق القات، وانا اتوقع ان اموت، بسبب الدراجات النارية التي انتشرت، كما ينتشر الدود على قطعة حلوى، وسرعتها  المجنونة في الاسواق والشوارع الرئيسية والخلفية، ولم يعد في المدينة شارع ( ممنوع الدخول)، بل تدخل الدراجات النارية اماكن لا تتوقع ان تجدها فيه، اوقفت سائق دراجة نارية شاب، يسوقها بسرعة مذهلة، في (البغدة) تحت مسجد (النور) في الشيخ عثمان، وقلت له ان (عمري ستون عاما، عشتها كلها في هذه المدينة، ولم ارَ في حياتي دراجة نارية في هذا المكان)، لكنه ضحك عليّ بسخرية.

كلم اسمع اغنية روحانية جديدة عن رمضان، ولا توشيحا دينيا جميلا، وغاب المسرح(الغائب اصلا)، ولم اسمع عن اقامة فعاليات قصصية او امسيات شعرية.
لجأت للتلفزيون، فلم اجد مسلسلا تاريخيا او اجتماعيا يشدني لمتابعته، كل المواضيع كئيبة وقديمة، واخراج شاحب وممل، وممثلون لا يشعرونك بالصدق في الأداء. ومسلسلات كوميدية ثحلية تشعر كأن الممثلين فيها يضحكون عليك.

وجاء العيد، وانا كئيب وحزين، مما عانيته طوال شهر رمضان، خفّت الحركة وخفّ صوت الطماش، ولذلك استعدت في اول ايام العيد، لمتابعة مسرحية عربية في التلفزيون، ولكن كانت كل المسرحيات العربية التي عرضت قديمة، بل قديمة جدا، والأدهي ان معظمها مسرحيات ليست لها اي قيمة فنية او ادبية، والسبب في شهرتها كمية الضحك المشحونة فيها، ما ليس له علاقة بالكوميديا الحقيقية، والأدهى والمحزن اكثر، انها مازالت تعلم شبابنا، بل واطفالنا الشبان، كيف يسخرون من آبائهم وامهاتهم والقضاة في المحاكم ومعلميهم في المدارس، مثل مسرحية مدرسة المشاغبين، العيال كبرت، شاهد ما شفش حاجة.

ومنذ اكثر من 25 عاما، هناك إصرار من عدد من القنوات التلفزيونية على عرض هذه المسرحيات الهزيلة، فنا وفكرا خلال ايام عيد الفطر وعيد الاضحى المباركين، وكأنها افضل ما قدمه المسرح العربي، مقارنة بمسرحيات فوأد المهندس ومحمد صبحي، والاخطر مسرحيات الفنان السوري دريد لحام.

وعن مسرحية مدرسة المشاغبين، فقد عرضت لاول مرة على خشبة المسرح بالقاهرة عام 1973، وكالت لطلاب الثانوية في مصر تهما اخلاقية واجتماعية وتربوية خطيرة، وهم ابرياء منها، ففي ذلك العقد من السبعينيات كانت لا تزال تصلنا في عدن، افضل وانجح المجلات المصرية(مثل روز اليوسف وصباح الخير والهلال) ولم نقرأ فيها ان طلاب الثانوية في مصر يشربون الكحول ويدخنون الشيشة في الفصل، وان طالبا قال لمعلمته( انت مسخرة)  وآخر قال لوالده(انت سارق)، ولم نقرأ كذلك ان معلمة مصرية تعرضت لتمزيق البلوزة وكشف صدرها من قبل طلابها في الفصل، اليس من الواجب وقف عرض هذه المسرحيات؟ لتأثيرها السلبي على ابنائنا وطلابنا في المدارس
وما حدث في عدن خلال شهر رمضان المنصرم، الذي بدأ يحدث منذ عدة سنوات، ولا حياة لمن تنادي، واقولها صراحة ان كثيرا من شبابنا لا يشعرون بالمسؤولية، مع غياب لتطبيق القوانين، ومع انفلات واسع لجشع التجار وغياب للحكومة.
ظللت مكتئبا طوال ايام العيد ولازلت!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى