قَدّكَ الميّاس يا عُمري

> رُفيدة عبد الحفيظ

> في قلب المقهى نفسه وعلى ذات الطاولة التي أصبح النادل يحرص على أن يبقيها محجوزة كل خميس حتى نأتي.. اشتبكت أصابعنا الخجولة لأول مرة!
سألتني: ماذا تحبين أن تشربي؟
أجبتك -بغنج -: أشرب الذي ستشربه
فقلتَ مبتسماً: حسناً.

لتطلب من النادل أن يعدّ لنا فنجانيّ قهوة على الفور..
ثم عدْتَ مواصلاً الحديث نتبادل الأخبار ويأخذنا الجد لتحيد فجأة عن كل المواضيع التي ما فتئنا نخوض فيها، فتهمس لي -بلهجةٍ ساحرة- بعباراتكَ النزقة!
لتُذيبني بحلو الكلمات.. فيخفق قلبي.. يضطرب كلّي!
ويخيّل لي أن كل من على هذه الأرض ينظر إلينا..
فأسألك متملصة:
- كيف كان يومك؟
- جميل
- أها؟ أخبرني بالتفاصيل
- مُغرٍ، فتانٌ، فتّاك !
- من هو ؟
- فستانك مكشوف الكتفين الذي ترتدينه الآن!
فأحمرّ خجلاً، وأجرب حيلةً أخرى:
- أعني كيف كانت المقابلة اليوم؟
- رقيقة
- رقيقة؟!
- جداً.. وساحرة!
فأعيد ظهري للوراء، مكتفة ذراعيّ قائلة باستنكار:
- الفستان أيضاً!
لتقترب وتستند على الطاولة بكلتا ذراعيك قائلاً:
- بل الشامة!
فأبتسم وأغطي وجهي خجِلةً، وأطالعك بنظرة الـ«يا ويح قلبي منك، قل لي ماذا أفعل بك؟»
لتردها بهزةِ كتفين، ونظرةٍ مفادها «رغماً عني، لا تلوميني، لومي حسنك».
- مجنون!
- مجنونٌ بك، وهذا مدحٌ مالم أجنّ بغيرك!
أعلم أن شغبي دائماً ما يجعلكِ تقفين على حافةِ الخجل..

كما تعلمين أنني أفهم خططكِ المراوغة، حينما تغيرين مجرى الحديث بسؤال مفاجئ، فأصرّ على إعادتكِ للدوامة نفسها مجدداً، الأمر الذي يدفعكِ للعبث بشعرك بيدٍ مرتبكة، وقلبٍ خفّاقٍ مرتجفٍ، كما لو نسيَ كيف ينبض، فغدا من ذهوله يدقّ رأسه بحائطِ صدرك!
وحين أناديكِ من أسفلِ شرفتكم، داعياً إياكِ لمقهانا، فتتكئين على حافةِ الشرفة متمنّعةً - بدلال -..
فأسألك: ألن تنزلي؟
تجيبين محركةً رأسك: لا لا
فأقول: أها.. حسناً !
وأبدأ الغناء بصوتي الجبلي:
(قَدّكَ الميّاس يا عمري.. يا غصين البانِ كاليسرِ)
فتفتح جارتكم أم بشير نافذتها تطالعنا..
فتحرجين..

وأكمِلُ..
(أنت أحلى الناس في نظري.. جلّ من سواكَ يا قمري)
ليطبل أولاد الحارة على سيارة الأستاذ عبد التواب
ثم أعيد اجترار السؤال نفسه:
- ألن تنزلي؟
.........
- (قَدكَ الميـ....
- شششش يكفي أرجوك، سأنزل حالاً!
فأضحك منتصراً، في حين أنكِ تنزلين مُحرَجةً إزاء تصرفي هذا..
أعلم أنني نزِقٌ للغاية، كثير الاندفاع، وكثيراً ما تخجلك تصرفاتي غير اللائقة، ولا تدرين كيف تتصرفين..
فتنعتينني بالمجنون!
وأنا مجنونٌ فعلاً..
جنّ عقلي..
فقدتُ صوابي..
لأنه يحدث وأن أنساق خلف حُسنك إلى نقاطٍ غير راشدة بلا هوادة!
حُسنك اللامتناهي.. ساحِرُ اللبِّ..
وأنا المسحورُ الفَرِحُ بمسٍّ صرعَ عقلَه!
أستمعُ لحديثكَ هذا كله، وأبقى أكرر لفّ نفس خصلة شعري -المسكينة- حول سبابتي..
كما لو شارفَتْ على أن تُنتَزَع بيدي، من فرطِ الحرج!
إلى أن جهزَتْ القهوة
ووضع النادل الفنجانين على الطاولة
مانحاً إياي الفرصةَ لأستعيد توازني إثرَ كلامك المُسكِر!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى