استنطاقُ الجماليات كقيم تحاورية ولا تزال مثْقلة بالتحاور في نص «شوق»

> إعداد/ منصور أصبحي

>
حين تفاجئونا أكثر المدن الملحمية بكل جبروتها بأسوارها المعتادة على الأرق والأرق وحده تصطنع للأعذار براويزاً من ورق التوت وورق البنكنوت وورق المقوّى وورق الخريف المتساقطة وورق الطاولات الحمراء والرمادية وورق ثمّة صوفيّ يحشرها بين أبطٓيّْ كل مرثيّات النوع الآخر من الجنون العاصفة.

ومن بين كل منمنمات «الأركيولوجيا» لن تفقد الهوية البائدة خارطة طريقٍ آبدةٍ إلى منتصف نهار يحتفل بحرف صار لجمهوره صداءاتها الإيقاعية كالمزامير الداوديّة التي نسجت ترنيماتها هذه القلميّة السّاخرة من خياراتها محدودة القسمات بتهويماتها القمرية المعنونة بالشوق كاسم تجسيدي لافت بامتياز لا يخضع لأيٍّ من ضرائب المزاج الحاد.

إن جاز لي أن أبدأ حديثي عن الساردة «صابرين الحسني» سيجاز لي قطعاً الحديث عن تعويذتها الساحرة المكونة من ثلاثة أحرف «شوق»، وهي عنوانها التجسيدي الشاغر دون تحفظات آهلةٍ بسقوط شجرة سنديان بإحدى غابات الأخر لأن للقلم المتحضّر «صابرين» لن يسمح بذلك، ولا مداده الكزيمبياليتي السخي بامتداده في أعماقها السخية بمنحه عموم جداريّاتها الارستقراطية هي الأخيرة، وهي الأولى استنتاجية لمعنى فارهاً متفارهاً عشقاً في أعماق امتدادها الميتافيزيقي الحرف الشوق، الحضور، الغياب، العشق، والمداد آنف الذكر والذاكرة والمذاكرة كحالة لتخاطر تليباثي سارد شارد متسامٍ بأبديتهما الممبثقة من «شوق» كعنوان أو تغريبة أو مسافة وجدٍ أو خلاصة أرقٍ أو قصّة شجنيّة لانشطارية المنفى والمنفي إليه منه أو بواسطته..
اختزلت «صابرين» حكاياتها النكرومانسية لمخاطبة روحٍ لها واحدة هناك تأبى كل أفكار العودة وبدون أي حصاراتها المختزلة حباً في قمقم علاء الدين، فهي حركةٌ وسياقٌ للنّظم النّص والنّاظم النّاص والتهويميّة كمسئولية قلميّة لا تنفكّ عنها بأي حال.

استثارت «صابرين» تداعياتها وادّعاءاتها ودعواتها الوجدانية كجزء من دعاواها الفضائية للتقاضي فوراً، فالفضاء بوحدته فضاءً متّسعاً للغاية وللغاية في ذهنية «صابرين» امتيازية لا تعترف بعبور المضيق دون توأمٍ لها ما لم فالمضيق لا يمثّلها ولا عبوره.

فالنص احتفل بطريقته الحوارية بكل مرايا الأخر كطرفها العاشق بأسلوبية موغلة بالحنين، الصبر، التأثير، الألق، القلق، التضمين، وحتى الاقتباس كون التحاور هنا منتلئاً بهما حدّ الكفاءة، فهو من اختزلته «الشوق» في سياقها التواجدي العاصف للشاعرية والهوى بصفته ليس لقباً بل قلباً وقٓالباً وأكثر لاحتلاله مسيطراً مُحْكِماً على مجريات الخيال بفلسفة العاشق، والجمال ككل، أليس هو أيقونته الجمالية في مخيال العميقة تخيّلاً «صابرين الحسني»؟
من خلال النص استجرّت كل مشاعرها لتطلق آخر رصاصات الرحمة في جسد غياباتهما المجزوءة عمقاً وتعمّقاً وحالة التقاء آدمي لأدمي أو افتراقهما ليس لأنها أرادت أن تسرد بكل الأدوات نصاً «شوق» بل لحاجتها بكل «شّوق» لإحداث ثورتها القلميّة الأنثى وثورتها الإنجازية كهدفٍ لا سايكوبوتيّ حتى إشعالها بـ «شوقٍ» أخرى ثورةً وثورةً أخرى ثم غيرهما وغيرهنّ.. إلخ.
*وننشر تاليا نص الكاتبة صابرين الحسني المعنون بـ «شوق»:
             ( 1)
مَا زِلتُ حِينَ أتَطلّعُ لِلنجُومِ أرَاها تَنشَقُ مِنكَ!
تُراوِدني حاجاتٌ مِلحَةٌ أوّلُها وآخرُها.
كيفَ يُمكِنُ أن أُشفى مِن هذهِ الْغُربةِ بَعيداً عَنكَ؟!
لا تَعلمُ ..كمْ مرّةٍ أعدُ فِيها الخِراف؟
لأنامَ وَلا أنشِغلُ باللعنةِ الخَرساءِ، التي بَتَرَتْ ذَلِكَ اللسانِ عَنَ الْشكوَى لِحَياةٍ لا تَنفذُ إلِيها.
             ( 2)
كمْ كانتَ الْبِدايةُ رَائعةً؟!
حِينَ أبَْحَرتُ مَعكْ، إلى ذَلِكَ الْمُحيطِ الذَّهبِي عَلى زَوْرقٍ مِنْ وَرِقٍ، تُطُويها أمواجُكَ كُلّ لَيلةٍ.
أينَ أنتَ الآن؟؟؟؟ ....
          ( 3)
أهْرُبُ مِنْ نَفسِي فِي امتحانٍ مُحتَّمَ الزَّمنِ، أهْلكَهُ الانْتِظارُ بلا مَوعِد.
تَزْحَفُ أشْواقِي، كُلّمَا أَسْفَرتُ فِي حُلمِ اللقاءِ، لَعلّ صُدفةٌ تَأتي بِكَ إلي بلا انتِظار. فَلا أجملُ مِن صُدفةٍ، لمْ تَشِخ بَيْنَ عَقاربِ الْوَجعِ.
فَلا صُدفةٌ تَأتي وَلا انتِظارٌ يَلد. فقط وَحدِي الآن، فِي ذَلِكَ الزّورقِ الْوَرقِي...
          ( 4)            
لمْ تَعُد سَواعِدُنا المُتشَابِكةُ تَجدِفُ ضِد التيار.
كَلَّ مَتنِي مِنَ الْإبحارِ، فَلا سَبيلٌ إلاّ الغَرَقُ أو...
لا؛ لَيسَ هُناكَ خياراتٌ فأنا أغرقُ..
لابُدّ مِنْ غَفوةٍ فَلا أجرُؤ عَلى مُواجهةٍ لِلسُقوط...            
          ( 5)
وبَينَ تَلاطمِ الأمواجِ رَسوتُ فِي شاطئٍ لا يُهمُ المكانُ أو كمْ مِنَ الْوقتِ بقيت؟
 لمْ أكُنْ فِي بطنِ الحُوتِ، ولكنِّي أعلمُ أنّها رَحمةٌ إلهية.
          ( 6)
أحياناً.. يَجبُ عَلينا إخضاع الخيالِ لذلكَ الواقعِ الجديد.
ويَكُونُ النسيانُ أولَ دَواءٍ مُرٍّ  أتجرّعهُ بدُونِكَ.
          ( 7)
أشقّ طَريقِي الآن صُعوداً، حَياةٌ تُشْبَهُ رِحلةَ «روبنسون كروزو» حَيثُ الْهَوى قَضيّةٌ دَفعتُ ثَمنَها غُربةً بلا جواز للعودةِ.     
أيها الشَوق..
شُفيتُ مِنهُ بِجُرعاتٍ مِنَ الْنسيانِ، أخذتُ لِقاحاً أحتمَيتُ بِمعطَفي كالأطفالِ مِنْ بردٍ ، لا يَضعنِي بِمحرابِ ذلِكَ المُقدّسِ مِن جَديد،
وَلا يُركِّبُ ليْ أجنحةً تَنكسرُ مَعَ أولِ مُحاولةٍ لِلطّيران.
           ( 9)
أيها الشَوق...
أرفقْ بقلوبٍ لا تَجدُ مَرسى لِمُحيطِكَ الذّهبي ذلِكَ الإبريز المسجور، فِي فَضاءاتِ النعيم.
         (10)  
أيها الشَوق...
أخبِرهُ بألا يَأتي، فَقد كانتْ قِصتنا تُناقُضات ...
أقتربُ .. يَبتعدُ
أبتعدُ ... يَشتاقُ
أعُودُ ... يَتمنّعُ
أرتابُ... يَصمتُ
يَرحلُ ... أتألّمُ
أخبِرهُ بأن تِلكَ الجُرعاتِ جَعلتنِي أقسَى مِن حُبّهِ الهَش.
أيها الشَوق ...
شُفيتُ مِنهُ !!!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى