لاءات مشتعلة في نصوص (من زجاج) لسعاد مبارك

> كتبه/ رعد الريمي

> لطالما مثلت الفلسفة الوجدانية بحرا ينهل منه عدد من الأدباء، مكونين بذلك أنهرا جارية لعبق نصوصهم الزهرية، راسمين لوحات فنتازية تأخذ تطوراً لا متناهي في الجمال، معيدين في تصورهم موضوعات تقف بالقرب من واقعنا وحياتنا.
وحول هذا الواقع المتلاطم لم تحد سعاد مبارك في كتابها «من زجاج»  الواقع في (105) صفحات، بطبعته الثانية، المطبوع بحجم متوسط عبر مؤسسة فكر للنشر والإعلام.

حيث بدأت شروخ زجاج كلمها في أحرف أضاءت ظلمة الوجدان وعالجت رقة غشاء شرنقتها ببعض نصوص شفافة انداحت من جنة أحرفها، مفتتحة كتابها بقولها: «هناك أشياء بداخلنا لا يعلمها سوانا وخلقت أجسادنا لتخفيها عن الناس فماذا لو كنا مخلوقين من زجاج».

 كتاب «من زجاج» للكاتبة العدنية سعاد بن مبارك بطبعته الثانية تعمدت خلاله الكاتبة بكتاباتها الأمشاج المترنحة بين صنوف الطرح متخذة من زهو الخواطر وطرب النثر وكبرياء الحكايات القصيرة، مالئة بأمشاجها فراغات تشرئب إليها أعين المطالعين بحكايات وسجع وخيال طفولي، وهي بهذا التنوع غير مغفلة مصارحات مجتمعية وجداريات صادمة رمت من خلال التواءاتها تحريك ركود أبحر ساكنة بتقارب شفيف بين العيب والمحرم.

نسجت سعاد في كتابها عقدا زهريا أسمت عناوين حبات لوله «إلهام، وكان حلم، والثبات، والكبرياء، ومصارحة»، مولين في ضوء طرحنا على نصوص ثلاثة، لأبحر في بعض لاءات الكاتبة:
لاءها الأولى:
فلاءها الأولى «الهام» كونت بها أرضية لطرحها القزحي منتقلةً من ذلك إلى فكرة لطالما تكرر وقوعها، غير أن تناولها للفكرة المتنقلة بأحرفها من واقع ملموس إلى واقع معكوس خلقت من المحنة منحة بفقرة مليئة بالطرح الصريح، مكونة بذلك حركة هادئة من خلالها سقي اللامحدود من بساتين الكلم المنتهية بشرنقات حرفها الأنثوي، حيث تعاملت مع الفكرة كضيف مبجل لا يقبل الحضور إلا حينما ينسجم لحيثيات الضيافة، فقالت:

«ومن باب التجهز للفرصة وحتى وإن لم تأتِ بدلاً من أن تأتي وأنت لستَ جاهزا، قررت سعاد أن تتجهز للكتابة، علَ الفكرة تحضر إن رأت منها جدية، وهي غارقة في حماسها وضعت الكأس على طرف السرير لتمسك بالقلم ولم يزد حماسها إلا سوط الكأس وانكساره الذي أهداها الفكرة؛ حين رأت الزجاج المتناثر تذكرت الأشياء المكسورة- وما أكثرها- فقررت أن تكسر الحروف لتبين للعالم أن كل شيء يمكن كسره حتى الكتابة».

لاءها الثانية:
أما لاءها الثانية فقد أماطت اللثام عن واقع موارب بستار الصمت بعد أن طرقت ذلك الباب المغلق حصوات قل أن يفتح، مستخدمة بذلك مبضع الجراح فتناولت الزواج من الناحية التي أخرست فيها أبواق الحقيقة وأوجدت وهي تحكي عن الزواج كثافة ضوء على منطقة رمادية عالجت فيها جانب الغلبة من مظاهر الصمت والرفض المتحولة إلى واقع مغلوط، حيث مضت هذه الترهات تشكل حواضن لطعام يؤكل باشمئزاز ورمت من خلف ذلك تصوير طرق ذلك الواقع السيئ والمؤلم فقالت:
«بملء إرادتي المكسورة سأتزوج
وسأسمح للقيد أن يلتف على يدي كالإسورة
سأصادق الملل
وصديقتي المرآة سأكرهها فيما بعد
سأتزوج لأصبح أما تطبخ
زوجة تغسل.. امرأة تمسح
سأتزوج لكي لا يقولون:
 مسكينة لا يريدها أحد
سأتزوج كي لا تخاف الحمقاء على زوجها مني
سأتزوج كي لا تقلق عائلتي من كبر سني
سأتزوج كي أكذب عليهن كما كن يكذبن عليَ
 سأقول أعطاني وروداً حمراء وقبَل يدي...».

لاءها الثالثة:
لاءها الثالثة لم تنكأ بها جرح المواطن في عدن الذي خرج من ويلات الحرب والذي بالمناسبة بحسب إسرار الكاتبة لي أنها كتبته وعلى وقع أهازيج القذائف والرصاص والعداء العبثي، التي دارت رحاها في عدن، حيث قالت:
«أنا كلاجئ أبحث عن وطني وأنا على أرض يُقال إنها وطني ولكني لم ألتق بها بعد.. فلم أدر!
فتراب المريخ ليس وطناً لأحد
هل يقصدون الهواء وطن؟».
إلى أن تقول:
«وطنيتي مزقت فلم أعد يوماً وطنية حتى لنفسي».
مختتمة كتابها بعد طوفة ماتعة في صنوف عدة وشتلات مختلفة وزهور متنوعة، بالقول:
«في عالم الكتابة يكون القلم لسانا والأوراق هي التي تتحدث
والكاتب الماهر هو الكاتب الخياط
الذي يفصل الكلمات كيف يريدها القارئ
ولا يقحم تجاربه في تأصيل الرواية
فليس لدى الناس وقت ليقرأوا ترهاته
فلو أحببت أن أكتب عني لما كتبت ما بين يديك الآن
ولكني كتبت ما أنت تقرأه​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى