«الصورة»

> محمود المداوي

>
رمقها بعينين باردتين، كانت بين يديه، فرت من عينيه الذابلتين غصبا عنه دمعات اشتياق.. أعاد صورتها إلى موضعها عرض الجدار، ثبتها على مسمارها، كفكف ماء عينيه، وهم منصرفا عنها.. وهنا شيء ما يستوقفه!!! رأها تحدق في وجهه بعينين بارقتين على غير عهده بها، اضطربت أحشاؤه.. اجتاحه ارتباك.. تراجع قليلا خطوة.. خطوتين.. تعثر وكاد أن يسقط، أعاد النظر إلى الصورة.. استوطنه خوف زجاجها صار يتهشم ويتناثر قطعا إربا وشظايا أمام ناظريه عادت صاحبة الصورة تبتسم.. ثغرها رسم له ابتسامة اشتهاء عميقة.. رأها تمد يدها الآن تتجاوز إطار الصورة الخشبي المذهب الذي ما زال مثبتا حول الصورة شبه الفاقد لوعيه بقي هو.. إنه يتمايل يترنح مسلوبا توازنه هو لا يدري كيف يتصرف؟! إنه لا يعلم ماذا يعمل؟!

استبد به ذهوله أغمض عينيه محاولا أن يسبر غور اللحظة التي هو فيها، أحلم هذا أم علم؟! حس بنفس يقترب منه فتح عينيه وعلى عجل وجد صاحبة الصورة أمامه.. لم تترك له خيارا إذ كانت يدها في يده، شبكت أصابع يدها الموشاة بنقش الخضاب من باطن كفها وما بان منه حتى أعلى مرفقها بأصابع يده المرتجفة رائحة خضاب يدها العطرة ما أنفكت بعبقها ونداوتها تنساب منداحة إلى تجويف أنفه ومقتحمة كل جوارحه.

تجاهل هو رائحتها أراد أن يخلص كفه من قبضتها حاول.. لم يقدر تململ تحتها وجدها قد سدت على جسمه كل منفذ للفكاك منها حس قواه تخور وتخور وتخور... يحلق في عينيها مندهشا تملكته رغبة أن يسألها: «من أنتِ؟!» لم ينبس ببنت شفة لم يقدر،عيناها تشعان بريقا طالما استثار لواعجه.. البريق في عينيها صارخ دعك جفنيه من حدة وهج إشعاع عينيها دعك وفرك وفرك ودعك..تهاوى.. سقط أرضا.. شدته إليها لم تستطع.. ارتطم جسدها البض على جسده وجدها فوقه طباقا حامت فوق جسديهما الملتحمين سحابة بلون صمت ليلة فاحت بشبق جدا مألوف له منها وامتزج عرقه المالح برائحة خضابها الفاحش وعرقها العطري الباذخ..  نفساهما يصعدان ويهبطان ويهبطان ويصعدان، باتا الآن نفسا واحدا تصعد ولا تهبط، ولما كانا في أسمى حالات الوجد والتوحد والخدر المهيمن عليهما وعلى المكان الذي يحتويهما، وعبر سحابة صمتهما الشبق تناهت إلى أذنيه دقات جرس بضجيج صاخب ودوي رجع صدى خاله أتٍ من مكان قصي وزمن مطوي، وراحت عيناها هي تتلصصان في توسل لحظة اعتذار تفصح عنها عيناه، عيناه وكل المودة البادية منهما ما برحت حتى اللحظة تخاتل وتخادع بمكر جلي لاريب فيه.. هالها ما رأته فيهما من عته وانحراف تمنت الفكاك من أسرهما وشذوذ صاحبهما الجرس برنينه وصخبه وطنين دقاته المتواترة مستمر يعبث بأذنيه ورأسه وكل كيانه شد نفسه نحوها بقوة تنحت برأسها قليلا وبحيل أشد نأت بصدرها عنه جذبها إليه قاومت حس بها ترتفع عنه بضع سنتيمترات.. رأت في إحدى عينيه صورتها وهي تبكي.. أحالت نظرة أخرى إلى عينه الأخرى، رأته وهو يلتف على جسد امراة غيرها سمعت أنينهما المسعور بوضوح رأتهما في حالة اشتباك عبثي بصقت في وجهه.. شدها إليه بعصبية حاول.. كادت هي أن تقع ثانية، حاول مرة ومرة تالية أخفق فلتت من يده كانت صاحبة الصورة تعود أدراجها مبتسمة في وجهه إلى موضعها داخل إطار الصورة الخشبي المذهب عرض الجدار زادت ابتسامتها من لمعانها وبرقت عيناها بزهو وكبرياء، وكما وضعتها هي بكل عناية في ليلة زفافهما من عقد ونيف من الآن، هو الآن يكفكف نزيف فؤاده، ويجفف نحيب عينيه حاول وحاول وحاول إلا أنه لم يقدر!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى