في شأن المجلس الانتقالي

> عبدان دهيس

>
ربما أكون مخطئاً، وربما أكون قد أصبت، خاصة إذا أخذنا الأمور من منطق «العقلانية السياسية»، وهي فرع من فروع «كيمياء السياسة»، وقلت إنني لا أظن أن قيام «المجلس الانتقالي الجنوبي» قد تم بعيداً عن عِلم (الشرعية)، وبالذات الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي ما أن عزل عددا من محافظي محافظات الجنوب سرعان ما تم الإعلان عن «المجلس الانتقالي» بما عرف بـ(إعلان عدن التاريخي)، وكان على رأس قيادته هؤلاء (المحافظون المعزولون).. وتواصلت تشكيلاته على نسق منظم في كل المحافظات الجنوبية دون استثناء، بما فيها الإعلان عن (الجمعية الوطنية).. ولا أظن أيضاً أن المملكة العربية السعودية بالذات بمعزل أو عدم دراية بإعلان تشكيل هذا المجلس والهيئة التي أتى عليها على هذا النحو من التنظيم والترتيب والدقة والوضوح، وهو أقرب - أو شبيه - بما تم الإعلان عنه في أتون حرب 1994م من الإعلان عن تشكيل (مجلس رئاسة) و (جمعية وطنية) في الجنوب، الذي سمي حينها  بـ(جمهورية اليمن الديمقراطية) التي أعلنها الرئيس علي سالم البيض، في 21 مايو 1994، بـ(دعم سعودي) مباشر، لكن هذا الدعم لم يكن كافياً وموقفا سياسيا غير واضح، إلا أنه أطيح بهذه الجمهورية، وبالمجلس الرئاسي وبالجمعية الوطنية في 7 يوليو 1994م المشؤوم، حينما دخلت (قوات الشمال) إلى أراضي كل الجنوب باسم الدفاع عن الوحدة، وعودة الفرع إلى الأصل، وجرى ما جرى بعد ذلك من نهب ثروات الجنوب وتدمير بنيته التحتية، والعبث بمقدراته، وتسريح كوادره العسكرية والمدنية، والأتيان على البحر والجبل والشجر والتراب، وبقية القصة معروفة للجميع..!

لقد جرت الأمور في الجنوب، بعد غزوه من قبل الشمال، في منحنيات متعددة، وتصادمت السياسة بين (عقلية الحاكم) الغازي المحتل ما بعد 1994/7/7م وبين شعب مظلوم ومغلوب على أمره صودرت كل حقوقه من الوظيفة حتى لقمة العيش، لكن لم يستطيعوا سلب إرادته وقناعاته السياسية، فكان ميلاد (الحراك الجنوبي) من رحم هذه المعاناة في 2007م، والذي سبقته إرهاصات سياسية وشعبية كثيرة بعضها كانت (سرية) في البداية، وكان من اللازم أن تظهر إلى العلن، وبالفعل تم ذلك الظهور، فيما شهدت الساحة الجنوبية - في كل محافظات الجنوب - فعاليات شجاعة رغم أنف المحتل، ومنها ما سميت بـ (المليونيات) وصلت حد المصادمات مع (قوات الشمال) المحتلة للجنوب، سقط خلالها شهداء وجرحى ومعتقلين لا حصر لهم، وهكذا استمرت (القافلة الجنوبية) في المسير إلى الإمام.

الآن نحن أمام مكون (المجلس الانتقالي)، وهو امتداد نضالي سلمي لكل الارهاصات الجنوبية السياسية والشعبية المطالبة بالحرية والاستقلال، ومتجانس سياسياً في قيادته، لكن يجمعها هدف واحد هو (قضية الجنوب).. لذا فإن أمام المجلس في ظل الظروف الراهنة التي هي أصلاً معقدة وخطيرة أيضا مهمات وطنية كبيرة تجاه الجنوب واستحقاقات شعبه ومعاناة أهله التي تمتد إلى ما يزيد عن (ربع قرن) من الزمان، إذا ما أخذنا الأمر من يوم دخول الجنوب إلى (الوحدة المشؤومة) في 22 مايو 1990، فالمهمة كبيرة ومعقدة للغاية وليست سهلة بالطبع، وعليه أن ينفتح على كل المكونات السياسية في الساحة الجنوبية والشخصيات الاجتماعية والمنظمات المدنية والحقوقية وعلى الصحافة بمختلف توجهاتها، وأن يفتح معهم نوافذ للتلاقي والحوار والتوافق على النضال السلمي الجنوبي المشترك.

 وفي الجانب الآخر، على المجلس أن يبتعد عن الدخول في أية محطات سياسية مع أي طرف كان- حزبي أو غير حزبي- لأنه ليس من مصلحته ذلك، وهو لم يصل بعد إلى طموحاته السياسية في تحقيق النصر الكامل للقضية الجنوبية، وأن يحدد علاقاته بوضوح مع (الشرعية) ومع كل أطراف التحالف الذي تقوده السعودية بمشاركة فاعلة من دولة الإمارات في حربها ضد (الحوثيين) فيما يعرف بـ(عاصفة الحزم)، وهي عملية عسكرية وسياسية ضخمة وكبيرة ومعقدة، ينطلق جزء كبير منها من (أراضي الجنوب) لكسر شوكة الحوثيين، وبالتالي استعادة الدولة المنهوبة وعودة (الشرعية).

 كما ينبغي على (الانتقالي) أن يهذب ويعقلن خطابه السياسي بما يتوافق ونضاله السلمي وأهدافه وغاياته. كما أن أمامه مهمات أخرى في المرحلة الراهنة وهي صعبة ومعقدة وتتطلب فاعلية ديناميكية أبرزها حضوره الدولي، سياسياً ودبلوماسيا، وهذه مسألة غاية في الأهمية وينبغي أن يأخذها (الانتقالي) بجدية للوصول بالقضية الجنوبية إلى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كشواطئ أمان سياسية مهمة، وأن لا ينشغل كثيراً بقضايا لم يحن وقتها الآن.
ينبغي أن تكون قضية المجلس الانتقالي الأولى هي تحقيق (مصير الجنوب) والانفتاح السياسي على جميع المكونات السياسية في الساحة الجنوبية، بروح المسؤولية الوطنية بما يخدم قضية الجنوب وشعبه.. والله من وراء القصد..!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى