تداعيات وأسباب الانهيار الجديد للعملة المحلية.. الريال اليمني في عداد الموتى.. فمن المسئول؟

> تقرير/ علاء عادل حنش

> تتواصل النكبات والأزمات على الشعب اليمني، وما يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى.. ورغم أن أزمة انهيار العملة المحلية قديمة إلا أن الانهيار الجديد للريال اليمني عقد الأمور أكثر فأكثر.
الريال اليمني سجل أمس الأول انهيارا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، في ظل صمت حكومي مطبق.

ويرى كثير من المحللين الاقتصاديين أن «على الرئيس عبدربه منصور هادي أن يتحرك حيال الانخفاض التاريخي للعملة المحلية، التي ستلقي بظلالها الداكنة على المواطن والوطن ككل»، حسب زعمهم.
وأمس الأول واصل الريال اليمني انهياره إلى أدنى مستوى له في تاريخه، ووصل سعر الدولار الواحد في عدن  508 إلى 510 ريالات، فيما بلغت قيمة الريال السعودي 135 ريالا يمنيا، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق.
مصرفيون قالوا إن «سعر العملة المحلية انهار بشكل غير مسبوق خلال اليومين الماضيين وارتفع سعر الدولار في عدن 7 ريالات مطلع الأسبوع الجاري».

وتُعد هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها سعر الدولار إلى هذا السعر القياسي في تاريخه، بعد 6 أشهر من الارتفاع السابق الذي وصل فيه الريال إلى 500 مطلع العام الجاري.
وكان الرئيس هادي حصل على وديعة نقدية مقدرة بـ»ملياري دولار» من السعودية، بعد ان تعهد بها محمد بن سلمان ولي عهد المملكة منتصف نوفمبر من العام الماضي؛ بهدف تحقيق استقرار للعملة آنذاك، غير أن الوديعة السعودية ذهبت أدراج الرياح.
وأعلنت شركة عدن للصرافة أمس الأول عن إضراب بدأ أمس في كافة فروعها إثر ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية.

وقالت الشركة في بيان لها «نظرا للارتفاع المستمر في أسعار الصرف وتدهور الريال، ولما لهذا الارتفاع من تأثير مباشر على أسعار المواد الغذائية وغيرها التي يعاني الكثير من المواطنين من صعوبة الحصول عليها حتى قبل الارتفاع، فإننا نعلن الإضراب عن العمل في كافة فروعنا خلال الفترة الصباحية».
وبدت محلات الصرافة بعدن أمس مغلقةً عدا قلة فتحت أبوابها.

اسباب الانهيار في نظر الاقتصاديين
الخبير الاقتصادي د.يوسف سعيد قال إن «الأزمة السياسية بأبشع صورها الخشنة هي أحد الأسباب في تدهور الريال».
وأضاف: «هذه المرة تأتي في جوهرها كاشفة على نحو متزايد لممارسات غير مرضية في سلوك الأطراف السياسية بدون استثناء التي جعلت من النقود ممثلة بـ»الريال اليمني»، التي تقوم بوظيفتها كوسيط في التبادل، وسيلة للدفع، ومخزن للقيمة.. هذه العملة جعلوها هدفا من أهداف الحرب وجهوا إليها قذائفهم، واستخدموها كأداة في الصراع السياسي، وهذا أهم عامل من العوامل التي ألحقت ضربة قوية بالريال اليمني».

وأكد أن «من بين أهم العوامل التي اضعفت قيمة الريال مبادلته مع الدولار الأمريكي والتي خلقت حالة من الشكوك والمخاوف بين أوساط المتعاملين في السوق وبين عامة الناس بشأن مدى الموثوقية بالعملة».
وأشار إلى أن «الاطراف السياسية الرافعة لشعار الكرامة لم تستوعب انها بسلوكها هذا اضرت بكرامة الريال الذي بقي صامدا كعنوان عريض معبرا عن كرامة اليمن وسيادتها خلال سنوات الحرب التي تشارف عامها الرابع».

وعن كيفية حدوث ذلك قال الخبير الاقتصادي د.يوسف انهُ «بدأ عندما مُنع بالقوة تداول الطبعة الجديدة في صنعاء من فئة الـ1000 ريال والـ500 ريال الصادرة عن البنك المركزي بعدن بحجة ان هذه الطبعة الجديدة صادرة عن «العدوان»، ولا يجوز تداولها»، مضيفا أن «هؤلاء أنفسهم يبحثون عن الدولار عملة الولايات المتحدة الأمريكية التي يصرخون بسقوطها ليل نهار»، قاصدا بذلك الحوثيين.

وأوضح أن «ذلك حدث عندما أُجبر، بصورة غير قانوني، مبادلة الريال اليمني من الطبعة القديمة الصادرة عن البنك بصنعاء بالطبعة الجديدة الصادرة عن البنك بعدن، حيث بيعت فئة الـ1000 ريال (الطبعة القديمة) بسعر 1300 ريال أو اقل أو اكثر».
وتابع «ومن الاسباب اعلان محافظ مأرب عدم بيع الغاز المنزلي للمناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين إلا بالعملة من الطبعة الجديدة الصادرة من عدن ولن تقبل الطبعات القديمة، إضافة إلى حجب السيولة على البنوك ومنع التعامل بالشيكات ومنع المدخرين والبنوك من استخدام مدخراتهم».

وعن تدهور القوة الشرائية للريال قال إن «المضاربين يعلمون أن كل الاساسيات الاقتصادية تدفع قيمة الريال نحو التدهور، وأن عدم وضوح اتجاهات السياسات والاولويات وتضاربها يجعلهم في وضع مريح وبعيدين من اي اجراءات قانونية يمكن ان تتخذ بحقهم خاصة في ظل غياب المعلومة الدقيقة بشأن اتجاهات تطور الاحداث الاقتصادية والسياسية».

وتساءل: هل يجب على البنك المركزي ترك قيمة الريال تنخفض؟ وعن اي مدى يعبر هذا المستوى عن سعر الصرف التوازني؟
لكنه سرعان ما قال إنه «وحتى لا اظلم القائمين على البنك المركزي في مثل هذا الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها بلادنا فليس بمقدور احد الاجابة على مثل هذه الاسئلة».

أما مدير مركز الاعلام الاقتصادي محمد اسماعيل فيرجح إن «اعتماد البنك المركزي سعر صرف 470 ريالا للدولار الواحد باعتمادات شراء السلع الاساسية خلق جولة جديدة من المضاربة بالدولار في السوق السوداء لتتجاوز سقف 500 ريال».
وقال لـ«الأيام»: «اذا استمر البنك في اتباع منهج التعويم الكلي الحر سيظل دائما يتبع ما تمليه عليه السوق السوداء ما قد يؤدي الى استمرار تدهور العملة».

وأضاف «بكل تأكيد ينعكس استمرار تدهور قيمة الريال سلبا على المواطن البسيط الذي يتجرع مرارة ارتفاع الأسعار في ظل عدم الانتظام في صرف المرتبات وهذه تعتبر إحدى التبعات المباشرة».

تداعيات الانهيار
الكاتب والصحافي منصور صالح، قال إن «تداعيات انهيار العملة كارثية وستكون آثارها سلبية بشكل كبير على جميع المواطنين حينما ينعكس ذلك في ارتفاع الاسعار او انعدامها ما يضاعف المعاناة الى مستويات لا تطاق ولا يستطيع المواطنون تحملها، واذا لم يتحرك الناس لرفض هذا العبث ويتحرك الرئيس لاجراء اصلاحات حقيقية والحد من الفساد في مؤسسات الشرعية المختلفة فإن الجميع سيكون في مواجهة مخاطر حقيقية قد تذهب بالبلد الى الانهيار الشامل».

وأضاف لـ«الأيام» إن «اسباب انهيار العملة مرده الرئيس الفساد وسوء الادارة ونهب المال العام والطباعة المستمرة للعملة المحلية دون غطاء مع عجز وفشل الحكومة في تحريك عجلة التنمية وانعاش مؤسسات الدولة وتحسين مصادر الايرادات وهي اسباب يبدو انها ستستمر في ظل هشاشة القيادة وعدم قدرتها على ادارة الدولة لا سيما في ظل التحديات الحالية».

ورجح صالح أن «الامور مرشحة لما هو أسوأ، فالبدايات تشير الى النتائج ولا توجد مؤشرات للإصلاح أو محاربة الفساد بل على العكس يتم تمكين قوى الفساد وحماية الفاسدين والاستمرار في السياسات الخاطئة التي تصب نتائجها في الحاق الضرر بالبلد بشكل عام».

من جانبه، يرى الكاتب أمين اليافعي أن «أبرز تداعيات انهيار العملة المحلية هي الارتفاع الجنوني في الأسعار، فالاعتماد بات كليا على البضائع المستوردة من الخارج في فترة حربٍ طويلة تدمر خلالها الجزء الأكبر من القطاعات الإنتاجية وما تبقى منها لم يستطع مواصلة الإنتاج بفعل تردي الخدمات والأوضاع بشكل عام».

وأضاف لـ»الأيام» إن «ارتفاع سعر العملة سيؤدي بالضرورة إلى اتساع معدلات الفقر بشكل كبير خصوصا وأن الرواتب تُدفع بالعملة المحلية، وقد شاهدنا طيلة الفترة الماضية كيف كان تأثير انخفاض العملة على الوضع المعيشي للمواطن البسيط، فالموظف الذي كان يستلم راتبا يُعادل 400 دولار أمريكي، بات هذا الراتب لا يُعادل اليوم سوى أقل من 200 دولار، وإذا استمر انهيار العملة فربما يُصبح راتبه لا يُساوي 100 دولار أو أقل».

وكانت تقارير صادرة عن الامم المتحدة وبعض المنظمات الانسانية والمراكز الاقتصادية أكدت أن «نسبة الفقر ارتفعت في اليمن إلى 85 % من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 27.4 مليون نسمة بينما يعاني 17 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي، و20.7 مليون نسمة بحاجة الى مساعدات انسانية، فيما 9.8 مليون نسمة مهددين بخطر المجاعة والموت جوعا».

ويواصل اليافعي حديثه بالقول إن «على أساس هذه المتواليات المتفاقمة سوءاً وتدهوراً يمكن للمرء أن يتوقع التداعيات والتبعات الكارثية، وبكل تأكيد ستتضاعف معها حدة الأزمات وتصبح وطأة الظروف أكثر قساوة ومأساوية، في ظل مؤشرات دولية تتحدث بأن ثلث السكان باتوا يُعانون من خطر المجاعة، بينما أكثر من 18 مليون شخص يفتقرون إلى الأمن الغذائي».

وعن أسباب انهيار العملة أكد أن «أبرزها توقف الصادرات اليمنية إلى الخارج والتي كانت تدر العملة الصعبة على خزينة الدولة، وتراجع كبير في تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج بعد الإجراءات المشددة التي فرضتها السعودية على العمالة المغتربين، وتحويلات العمالة كانت من أهم مصادر العملة الأجنبية للبلد حيث تُساهم بمبلغ يصل إلى 3,5 مليار دولار، وفي فترة الحرب باتت هي المصدر الأول للعملة الصعبة، فضلا عن سعي التجار إلى استبدال أرصدتهم من العملة المحلية بعملات أجنبية بغرض تحويلها إلى الخارج خوفاً من ازدياد الأوضاع سوءاً».

وأشار إلى أن «قبل 4 أشهر من الآن قالت صحيفة «ذي إيكونومست» البريطانية، بأن الحرب في اليمن ستستمر حتى العام 2022، ومع استمرار هذه الحرب توقعت الصحيفة أن الأوضاع ستصبح أكثر سوءاً ومأساوية على كافة المستويات، وسيتراجع الإنتاج المحلي كثيراً، وسينكمش الاقتصاد، وسترتفع معدلات البطالة بشكل كبيرة، وسيؤدي العجز والنقص المتزايد في العملات الأجنبية إلى استمرار انهيار العملة المحلية ليصل الدولار في العام 2022 إلى نحو 650 ريالا يمنيا مقابل الدولار الواحد».

نقل البنك
وكان هادي اقال رئيس مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في صنعاء ونقل البنك الى عدن منتصف سبتمبر 2017، كورقة ضغط ضد الحوثيين، وفي خطوة لمحاربتهم اقتصاديا، غير أن الدعم الإيراني لم يتوقف عن الحوثيين، ما جعل نقل البنك إلى عدن غير مؤثر عليهم، حسب مراقبين.

في حين أكد محللون سياسيون أن «نقل البنك إلى عدن أثر بشكل كبيرا على الحوثيين، الذين أصبحوا لا يستطيعون دفع مرتبات الموظفين، ويولون جهدهم نحو كيفية توفير مرتبات المقاتلين في جبهات القتال فقط».
وأضافوا لــ«الأيام» إن «الرئيس هادي وحكومته لم يستغلا هذه الفرصة خير استغلال فانعكست ضدهما».

وكان عبدالله العليمي، مدير مكتب الرئيس هادي، طمأن الشارع اليمني بداية العام الجاري، وتحديدا منتصف يناير 2018، عبر حسابه في أشهر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأن الحال الاقتصادي سيتحسن، وأن هادي لن يدخر أي جهد لمواجهة حالة الوضع الاقتصادي، حد تعبيره، غير أن ما نراه في الواقع هو عكس ما قاله العليمي تماما.

وكتب العليمي حينها في حسابه «الرئيس لن يدخر أي جهد لمواجهة حالة الوضع الاقتصادي، سواء على مستوى التواصل المكثف مع الدول الصديقة والشقيقة أو في الترتيبات الداخلية».
وأضاف «فخامة الرئيس يطمئن الشعب في كل ربوع الوطن، بأنه سيقوم باتخاذ كافة التدابير والقرارات لمواجهة هذا التحدي».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى