ما هي عواقب المجلس الاقتصادي؟ وما هو مستقبل الريال؟

> تقرير/ علاء عادل حنش

>
أثار توجيه الرئيس عبدربه منصور هادي بتشكيل مجلس اقتصادي من الحكومة وتمثيل من اعضاء الغرف التجارية والصناعية علامات استغراب لدى كثير من الاقتصاديين والمحللين اليمنيين، ووضع علامات استفهام عدة.
ففي الوقت الذي يحتاج المواطن الى حلول جذرية لانهاء معاناته من تدهور الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، الذي أدى الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، وكل الاحتياجات اليومية، تجد أن الحكومة لا تخطو أي خطوة في سبيل تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتقدم على خطوات تزيد من معاناة المواطنين، فمثلما كان قرار تعويم الريال مؤثرا، سيكون توجيه تشكيل المجلس الاقتصادي مؤثرا أيضا، بحسب تحليلات اقتصاديين.

ومن أهم عواقب تشكيل المجلس الاقتصادي عدم استقرار العملة المحلية، حيث سجل الريال اليمني أمس ارتفاعا تاريخيا وغير مسبوق أمام العملات الأجنبية، ووصل سعر شراء الدولار إلى 525 ريالا، فيما بلغ بيعه 530، أما سعر السعودي فبلغ شراؤه 141، أما بيعه فوصل الى 142 حسب تداولات الصرافيين أمس.

وكان مجلس إدارة البنك المركزي اليمني أقر في 4 اغسطس 2017، تعويم سعر الريال، وهو القرار الذي مثل مفاجأة لكون البنك لم يمارس أي سياسات نقدية اسعافية حينها، بل اثبت فشله في ممارسة مهامه منذ قرار نقله من صنعاء الى عدن منتصف سبتمبر 2016.

واعتبر اقتصاديون أن تشكيل المجلس لن يفيد في ايقاف تدهور الريال، ووصفوه بـ»الحل الترقيعي».
وقالوا إن «تدهور الريال سيخلف أزمات عدة على المواطنين، وأن على الحكومة تسعير قيمة السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية».

وتعود أزمة الريال اليمني إلى بداية انقلاب الحوثيين على شرعية الرئيس هادي في سبتمبر 2014.
وأصبح السوق المصرفي في البلاد يعاني من شح الدولار الأمريكي بشكل حاد، حيث اختفى من المصارف وشركات ومحال الصرافة، واستمرار أزمة شح الدولار يعني استمرار تدهور الريال.

مستقبل الريال
الكاتب والصحافي المتخصص في الاقتصاد، محمد عبدالله مخشف قال عن تشكيل مجلس اقتصادي إن «وجوده وعدمه سيان، فالمشكلة أكبر من تشكيل مجلس، وهي تتعلق أساسا بالوضع الاقتصادي للبلاد برمته».
وأضاف لـ»الأيام» إن «البلد يفتقر كليا لأي موارد أو عوائد لصادراته النفطية وغير النفطية كالأسماك، وحتى العسل، وغيرها، إضافة الى خلو بنكه المركزي من أي احتياطي للنقد الاجنبي، لذا لا ينفع فيه أي مجلس أو ترقيع بقدر ما يتطلب من معالجة لأوجه القصور والنواقص في موارد الاقتصاد بدرجة أولى».

وأشار الى أن «أي مجلس كهذا يمكن له ان يفيد في حالة الاستقرار وثبات الاقتصاد وتوفر عائدات لتغذيته، إذ يقوم بالتنسيق بين مختلف القطاعات الاقتصادية الفاعلة».
وكان هادي وجه الأحد الماضي بتشكيل مجلس اقتصادي في الاجتماع الذي عقده في قصر معاشق بالعاصمة عدن للحد من تدهور العملة المحلية.

وعن مهام المجلس ودوره، قال مخشف إنهم «لم يعلنوا عنها بعد، ولن يستطيع المجلس عمل شيء لان البلد في حالة حرب وبلا موارد، فماذا بيده ان يفعل في حال كهذا؟».
وأضاف إن «سبب ارتفاع الدولار يعود الى ان تسعير السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية يقاس بحسب سعر الدولار في السوق لسبب منطقي وهو أن تغطية قيمة واردات البلاد بالعملة توفر من سوق الصرافة بشراء الدولار الذي يتحدد سعره وفق حاجة الطلب عليه، لان البنك المركزي أو بقية البنوك التجارية تخلت عن توفير النقد الأجنبي لتغطية عمليات الاستيراد لأنها لم تعد تملك هذا النقد في خزائنها وإنما لدى شركات ومحلات الصرافة التي تشتريه من السوق بالسعر المفروض في ذلك اليوم حسب قانون العرض والطلب».

وأكد الصحافي المتخصص في الاقتصاد محمد مخشف أن «الريال مرشح للتدهور طالما استمر الوضع على حاله، ففي الحروب تكون هذه النتيجة، فعلى سبيل المثال لبنان كانت الثلاثة ليرات إلا ربع تساوي دولارا، حتى ما بعد سنوات قليلة من انفجار الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما، من عام 75 الى عام 90م، وكانت نتائجها تدهور قيمة العملة الى 1500 ليرة للدولار الواحد، وهذا طبيعي في حالة الحروب، لاسيما مع تعطل النشاطات الاقتصادية».

تغيير الحكومة والعودة إلى حكومة الكفاءات
من جانبه، قال المحلل والكاتب هاني سالم مسهور إن «الحل ليس في تشكيل مجلس اقتصادي او لجنة لمراجعة الموقف المالي، فالحل يبدأ من التراجع عن الخطوات التي اسقطت حكومة الكفاءات الوطنية في ابريل 2016».
وأضاف لـ «الأيام» إن «الخلل الذي حدث في تركيبة الشرعية تأثرت به الحالة الاقتصادية بشكل مباشر نتيجة السياسات التي ارتكزت على المحاصصة الحزبية مما اتاح الفرص الواسعة للفاسدين لعب ادوار اغرقت اليمن في الفشل الاقتصادي».
وأكد أن «الحل الذي كان على هادي اتخاذه «تغيير الحكومة والعودة الى حكومة الكفاءات فمن المستحيل ان تنجح القوى التي تسببت في الكوارث الاقتصادية على مدار العقود الماضية من ان تكون جزءا من مستقبل الاقتصاد اليمني».
وفيما يخص مستقبل الريال أشار مسهور إلى أن «الريال سيبقى في حالة تذبذب مستمرة ما دامت الحرب مستمرة، خاصة وأن استمرارية الفوضى تلاءم الفاسدين المقربين من مراكز القوى التقليدية».

دور البنك منذ تعيين زمام
وعن تقييم دور البنك المركزي منذ تعيين د.محمد زمام محافظا للبنك المركزي اليمني منتصف فبراير 2018، قال المحلل هاني مسهور إن «محافظ البنك المركزي ركن من اركان الفساد، ولذلك لا يمكن اعتبار الفترة الماضية أو القادمة فترة شهدت نجاحا بل إن تدهور العملة برغم ضخ أموال من قبل العائدين من السعودية دليل يؤكد ان المشكلة في المنظومة كاملة التي يشكل محافظ البنك جزءا من اجزائها».
وكان هادي عين زمام محافظا للبنك المركزي منتصف فبراير 2018، خلفا للمُقال منصر القعيطي.

عواقب تشكيل المجلس
بدوره، قال المحاسب القانوني راؤول السروري إن «تشكيل مجلس اقتصادي لن يفيد أو يخدم وقف تدهور الريال في ظل تفاقم الامور بهذا الشكل المتسارع، بل سيزيد من تعطيل اي عملية إصلاحات تقدمها الجهات المختصة بالأمر، وبنظري قد يعمل على عدم تحميل هذه الجهات مسؤولية الهبوط المتزايد للعملة اليمنية».

وأضاف لـ«الأيام»: «أعتقد أن دور المجلس الاقتصادي سينحصر في تقديم النصح للمعنيين بالأمر وذلك إن صلح المجلس أو استطاع الخوض في جوهر المشكلة، كما أن قرار تشكيله سيزيد عبء الانفاق الحكومي الذي هو بالأصل سبب من أسباب التضخم المتزايد في أسعار الصرف».

وعن ماذا كان يجب على الرئيس هادي فعله بدلا من تشكيل المجلس، أشار السروري إلى أنه «كان يجب تفعيل دور المختصين وجهات الاختصاص وفق السياسات المالية المرسومة والمعلنة للحكومة ويحملها مسؤولية أي إخفاقات حاصلة، ولا يتهاون مع كل من لا يقوم بدوره في الوظائف العليا بشكل فعال، لأن القرار يأتي من الهرم وليس من المستويات الدنيا في الجهاز الإداري للدولة».

وعن مستقبل الريال، قال إن «مستقبل الريال يهرول للمجهول، وهنا قد نسمع من البعض أن في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد قد تحدث اضطرابات في أسعار العملات، ولكني أجزم أن الاصل في الشيء هي الارادة والعمل ونحن لم نلتمس ذلك على الاطلاق».

وأضاف «المشكلة الأساسية بدأت حين تدخلت الحكومة في دور البنك المركزي، وقامت بتحجيم دوره الأساسي والسيادي والدستوري، ولو لاحظنا خلال فترة الـ 3 الاشهر المنصرمة شبه ثبات لأسعار الصرف إلا أننا نؤكد أن البنك لا يمكن أن يرتبط بشخص محافظ البنك، بن زمام، وأي أعمال يقوم بها مشخصنة بنظري ما هي إلا ترحيل للمشكلة فقط وبكلفة مرتفعة، فالبنك المركزي اليمني هو ركن من أركان الدولة والسلطة مجتمعة ما هي إلا ركن آخر من أركان الدولة».

متطلبات للحد من تدهور الريال
مراقبون اقتصاديون يرون أن مسألة إيقاف تدهور الريال اليمني باتت ضرورية للحد من الكارثة الإنسانية التي تهدد 90% من اليمنيين.
وقالوا لـ»الأيام» إن «تثبيت سعر صرف الدولار أمام الريال مهم كونه سيقطع الطريق أمام المضاربة في سوق الصرف التي باتت السوق السوداء هي المُسيّر لسعر الصرف، مما يؤدي إلى مزيد من تدهور العملة، خاصة في ظل زيادة الطلب على الدولار لتغطية الواردات بما فيها المواد الغذائية الأساسية».

وأضافوا: «تغيب مصادر النقد الأجنبي عن البلاد بسبب تراجع الصادرات بشكل كبير يقابله توقف إنتاج النفط والغاز الذي يشكل النسبة الأكبر في توليد العملة الصعبة، إلى جانب مغادرة السفارات والشركات الأجنبية للبلاد، فضلاً عن عدم قدرة البلد على الحصول على المنح والمساعدات وتعهدات المانحين في ظل الحرب، الأمر الذي يجعلنا أمام مهمة البحث عن مصادر للنقد الأجنبي لتلبية احتياجات بلد مستورد بامتياز».

واشاروا إلى أنه «يجب إعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز، والبحث عن منح ومساعدات وودائع لدعم البنك المركزي بالعملات الصعبة، إلى جانب توحيد السياسة النقدية للبلد، وبدلا من أن يكون البنك المركزي في عدن وصنعاء يُحيد الاقتصاد عن الصراع وتوجيه كافة الإيرادات إلى مركزي عدن، سواء من المحافظات المحررة أو الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والعمل على حل إشكالية عجز إدارة البنك المركزي وفروعه للسياسة النقدية، وتوفير الايرادات وتوجيهها إلى مصبها الرئيسي المتمثل بالبنك المركزي بعدن».

وعن سبل معالجة تدهور الريال أمام العملات الأجنبية أكد المراقبون الاقتصاديون أنه «يتطلب جهودا مشتركة بين الحكومة الشرعية وشركائها الدوليين، حيث باتت المرحلة تتطلب زيادة عرض النقد الأجنبي عبر زيادة الصادرات، الأمر الذي يتطلب دعم الاحتياطيات الخارجية لضمان استقرار سعر الصرف عند القيمة المحددة وبما يوقف التدهور في قيمة العملة، كما أن البلد تحتاج إلى تحسين فرص التمويل المستدام لواردات السلع الغذائية الأساسية بسعر الصرف الرسمي، وتهدئة موجات التضخم».
ودعوا الحكومة وشركائها الدوليين إلى العمل على ضخ 200 مليون دولار كدفعة أولى لتهدئة السوق، وتحقيق التوازن، حسب تعبيرهم. (الدولار «بيع» 530 ريالا أمس).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى