المدارس الأهلية في عدن.. تجاوزات متعددة واستغلال لطاقات المعلمين

> تقرير/ وئام نجيب

>  اشتهرت مدينة عدن والجنوب عامة فيما مضى بميزات كثيرة مكّنتها من تبوّء مراكز الريادة في أكثر من مجال، ليس في الوطن وحسب بل على مستوى دول الجوار أيضا.
ففي عام 1985م أعلنت منظمة اليونسكو تبوّء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المرتبة الأولى في دول شبه الجزيرة العربية من حيث التعليم، وبنسبة أمية تساوي 2 %  فقط من عدد السكان فيها.

وهو النجاح الذي لم تستطع عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى الحِفاظ عليه بعد أن تعمد نظام صنعاء القضاء عليه بُعيد تحقيق الوحدة بين نظامي الشعبين في مايو تسعين، وفق القاعدة العامة “إن أردت تجهيل شعب استهدف التعليم فيه”، حيث ساد الغش ومُكِّن منه الجيل بكافة مستوياته وبرعاية ومباركة من الجهات المسؤولة، حتى أصبح بعد مرور عقدين ونصف من الوحدة وكأنه حق قانوني للطالب.

وفي المقابل وفرت سياسة التجهيل المتبعة والاضعاف المتعمّد للتعليم الحكومي من انتشار المدارس الأهلية التي تجاوز عددها في الوقت الحاضر الـ100 مدرسة في العاصمة عدن وحدها، والتي هي الأخرى تفتقر للمعايير والشروط اللازمة بقدر ما هي مؤسسات تجارية بدرجة أساسية.

ليصبح أبناء المدينة مُضيّعين ما بين تردي وضعف التعليم الحكومي وبين التعليم الأهلي التجاري.
وعلى الرغم من أن جهات مسؤولة تُبرّر بأن انتشار المدارس الأهلية ساعد من التخفيف الضغط على المدارس الحكومية وخلق فرص كبيرة لخريجي الجامعات، إلا أن الواقع يُكذّب ذلك تمامًا.

استغلال
وشكا لـ«الأيام» عدد من الموظفين في هذه المدارس من الاستغلال والتجاوزات غير المبررة من قِبل مديري تلك المدارس فضلاً عن ضعف مرتباتها التي لا تتجاوز في معظمها 27 ألف ريال فقط.
تقول إحدى المعلمات، وهي خريجة بكلاريوس لغة إنجليزي: “عملت فور تخرجي على تقييد اسمي في وزارة العمل، في الوقت الذي توجهت فيه للبحث في سوق العمل، وتمكنت في البدء بالعمل في مدرسة خاصة بخور مكسر براتب 20 ألف ريال، وفي الأخير تركتها حينما أقدم ولي أمر بتهديد إدارة المدرسة بإخراج ثلاثة من أولاده بسبب إعطائي لهم درجاتهم المستحقة، فضلاً عن غياب التقدير وتسيد المجاملات فيها، وبعد طول بحث استطعت العمل بمدرسة خاصة أخرى في مديرية المعلا بمساعدة زميلة لي، وفيها لم أجد أي اختلاف من ناحية المعاناة، وبراتب لا يتعدى 27 ألف ريال يذهب معظمه في الخصميات”.

وأضافت لـ “الأيام”: “قبل أن أبدأ بالتدريس في قسم روضة أطفال (KG)، وقعت على عقد سنوي، وهذا العقد ما هو إلا تقييد لنا ولمصلحة إدارة المدرسة، ولأكثر من مرة قررت الخروج ولكن صعوبة الحصول على وظيفة أخرى جعلني أتردد كثيرًا وأتقبل ذلك الاستغلال”.

معلمة أخرى في العقد الرابع من عمرها تعمل في التعليم الخاص منذ 15 عاما منذ تخرجها من كلية التربية ولم تحصل على وظيفة حكومية بعد في تخصصها “جغرافيا”.
وتضيف: “نتيجة للظروف المعيشية الصعبة أعمل في مدرسة خاصة بمديرية خور مكسر لفترة تزيد عن العقد والنصف برتب 25 ألف ريال فقط، وعلى الرغم من كل هذه السنوات وقيامي بمهمتين فيها إلا أن إدارة المدرسة لم تمنحنِ أي تمييز أو تقدير، أو تحسن براتبي، وما أجبرني على الاستمرار هو إعالة أطفالي الثلاثة الذين أصبحت مُعيلهم الوحيد بعد استشهاد والدهم في حرب 2015م على عدن، والذي هو الآخر لم يكن لديه وظيفة حكومية، قبل أن يسجل ضمن الشهداء ولكن راتبه من هذا كما هو معروف لا يأتي بانتظام، وأبنائي بحاجة لمصاريف مستمرة”.

استدعاء بالإجازات
فيما تقول أخرى: “أُدرس مادة اللغة العربية لأكثر من خمسة فصول دراسية للمرحلة الابتدائية بإحدى المدارس الأهلية في مديرية المعلا وبراتب 27 ألف ريال، ومع هذا تتعامل معنا إدارة المدرسة بشيء من التقييد وغير الانصاف، بل يصل الأمر إلى استدعائنا في الإجازات والفصل في حال الغياب لثلاث أيام متتالية دون تبرير مسبق”.

وتضيف: “أتحمل كل هذه المعناة في سبيل أطفالي الذين أعيلهم لوحدي، كون زوجي ليس لديه أي مصدر دخل”.
وقالت لـ«الأيام» معلمة للغلة الإنجليزية: “عملت كثيراً في المدارس الخاصة ولكن هناك أسباب متعددة دفعتني للعزوف عن التعليم فيها، أبرزها الاستغلال الكبير لقدرات وطاقات الشباب بمقابل رواتب ضئيلة جداً لا تتساوى مع ما يقدمونه، وكثافة العمل وتسلط مدرائها، وتمييز للمعلمين عن المعلمات”، مطالبة في ختام حديثها من مكتب التربية في العاصمة بـ “إيجاد حلول ومعالجات من شأنها أن تضمن للمعلمين في القطاعين الخاص والعام تحسين أوضاعهم المادية”.

معلمة في عقدها الخامس قضت عمرها في التعليم، وحتى اليوم لم تحصل على وظيفة حكومية، والسبب كما تقول لـ«الأيام»: “إنها من حملة الشهادة الثانوية”.
وتضيف: “عملت في السابق مُربية أطفال (دادة) بإحدى رياض الأطفال الخاصة وبراتب ضئيل لا يتجاوز 5 ألف، لكوني لا أحمل شهادة جامعية، كما تم استغلالي من قِبل الإدارة المدرسة الأخرى التي أعمل حالياً فيها براتب 30 ألف ريال، حيث أُسند لي فيها الإشراف على المادة الفنية، وهي مادة غير مهمة من وجهة نظر الإدارة، وعلى الرغم من تميزي في عملي ومحافظتي المستمرة على الدوام منذ خمس سنوات إلا أنني لم احظَ على أي تقدير أو امتيازات، بل على العكس مزيد من الاستغلال والتربص والسبب أنني لست جامعية”.

قِبلة للفاشلين
وأكد عامر علي بأن “المدارس الأهلية أضحت قبلة للطلاب الذين تم طرهم من المدارس الحكومية نتيجة لضعف مستواهم التعليمي وسوء أخلاقهم، وهو ما افقدها هيبة التعليم بعد أن فقدتها الحكومية”.
فيما أشارت رؤى محمد إلى أن “من مساوئ التعليم في بعض المدارس الأهلية هو التأييد المطلق للطلاب المنتسبين إليها وحتى إن كانت الصادرة منهم غير مقبولة، فضلاً عن منح علامات غير مستحقة وبشكل عشوائي للبعض على حساب المتفوقين منهم.. وفي المقابل هناك أيضاً مساوئ في تعليم القطاع الحكومي، منها غياب التعليم للغة الانجليزية في المراحل الأولى، والمعاملة السيئة من بعض أولياء الأمور مع المعلمين والتي أصبحت تندرج تحت مسمى البلطجة، هو أمر عائد إلى الوضع الراهن، وغياب القوانين الضبطية التي من شأنها أن تكفل حقوق المعلمين”.

وقال المواطن طارق سمير: “نُعاني كثيرًا من المدارس الحكومية وإدارتها، وتنعدم فيها أبسط الأساسيات كالعجز في توفير الكتب المدرسية، وهو ما يضطر بموجبه أولياء الأمور لشرائها من الأسواق فضلاً عن الازدحام داخل الفصول الدراسية”.
هذه الأسباب الأخيرة وغيرها التي باتت منتشرة في المدارس الحكومية خلقت صورة ذهنية إيجابية لدى بعض أولياء الأمور نحو المدارس الأهلية.

وأكد مواطنون لـ«الأيام» ممّن تتوفر لديهم الإمكانات المالية، أنهم اضطروا بسبب تردي التعليم في المدارس الحكومية إلى تدريس أبنائهم في بعض المدارس الأهلية.
وقالت أم أحمد: “رداءة التعليم الرسمي وعدم تعاون بعض معلميها مع أولياء الأمور أجبرنا على تحمل أعباء الرسوم الباهظة ورسوم الكتب والباصات والزي المدرس”.

تجاوزات متعددة
وأوضح أمين عام اتحاد ملاك المدارس الأهلية في عدن نبيل علي النقيب أن “البداية الأولى للمدارس الأهلية في عدن يعود إلى عام 96/ 97م حيث صُرح فيه بإنشاء أول مدرسة أهلية باسم “المعهد الإسلامي” في كريتر (معهد البيحاني) حالياً، قبل أن ُيغلق في عام 2000 أو 2001م بموجب قرار أصدره المحافظ آنذاك طه غانم”.

وتجاوزت المدارس الأهلية مؤخراً في عدن الــ100 مدرسة، أغلقت بعضها أبوابها بعد مرور عام أو عامين من افتتاحها، بحسب النقيب، مؤكدًا في السياق أن “التجارة في التعليم ليس عيباً أو محظوراً مادام أنه يقدم خدمة ويأخذ عليها مقابل”.
وفي رده عمَّ إذا كان هناك مُحددات للرسوم التي تفرضها المدارس الخاصة على منسبيها من الطلاب؟ أجاب: “الرسوم يعتمد على نوعية الخدمة التي يقدمها مالك المدرسة من مُعدات وتجهيزات وغيرها، ولكن لابد من توجه رسمي لتحديد سقف للرسوم يمنع تجاوزه، وبرأيي أتمنى بألا يتجاوز الرسوم 200 ألف في المدارس التي تقدم خدمات عصرية، ومع الأسف هناك من قد بلغ الرسوم فيها ألف دولار وهذا يُعد جُرما”.

وعن مدى التزام إدارات هذه المدارس بالشروط واللوائح قال: “ليس من مهام مالكي المدارس الأهلية أن يكونوا مستوفين للشروط، بقدر ما هي مسئولية الجهة المانحة للتصريح، والتي لابد لها من التأكد إن كانت استوفت الحد الأدنى منها، وبحسب هذا يمكن تقسيم المدارس في عدن على النحو الآتي: مدارس في الحد الأدنى، وبعضها متوسط، وأخرى خارج الحدود المقبولة، ومع ذلك يحصلون على تراخيص، كما أن هناك مدارس لا تتوفر فيها مساحة مناسبة، وأخرى موقعها غير ملائم، بل إن إحداها تتواجد بجانب عمود للاتصالات على رغم ممّا تُشكله الاشعاعات الصادر منه من خطورة على الطلاب، فضلاً عن كثير التجاوزات الأخرى منها والمؤسف أنها تستمر دون رادع”، مؤكداً “عدم وجود مدرسة أهلية وصلت للمواصفات المنصوص عليها في القانون واللوائح”.

وأضاف: “حالياً توجد مشكلة وهي أن مكتب وزارة التربية والتعليم يريد أن يكون هو الجهة المسؤولة عن صرف التصريح، وهذا ليس قانونيًا، كون القانوني هو إجراء يبدأ من مكتب التربية والتعليم في المديرية والمحافظة، فيما تقتصر مهام الوزارة على صرف دفتر التصريح المتضمن للبيانات والشروط، وفي المقابل تنص اللائحة الخاصة بالتعليم الأهلي على أن المحافظ يصرف التصريح، وهو الإجراء الذي لم يُطبق في عدن، ولهذا يفترض على من يرغب بفتح مدرسة أن يقدم طلبا إلى مدير عام مكتب التربية والتعليم ومن ثم يوجه إلى المحافظة من خلال التقرير النهائي الذي اجراه مكتب التربية حول صلاحية مبنى المدرسة والتجهيزات ليصدر له القرار، ومن الخطأ أيضًا أن يتم فتح مدارس في كل موقع”.
وشدد النقيب على ضرورة وجود خارطة مدرسية في المديرية، والتي قال: “إن بسبب تجاوز القرار الخاص بها وجدت ثلاث مدارس في الممدارة وبتصريح من مكتب وزارة التربية والتعليم وليس مكتب التربية”.

أداء مقبول
من جهته أوضح رئيس شعبة التعليم العام بمكتب التربية والتعليم بعدن حسين عبدالله بافخسوس أن “المدارس الأهلية اُنشئت وفقاً لقانون التعليم الأهلي بهدف مساعدة التعليم العام والتخفيف على المدارس الحكومية”.
وقال في رده على سؤال توجهت به «الأيام» عمّ إذا كانت هذه المدارس تنطبق عليها المعايير والشروط؟ أجاب: “تنطبق عليها المعايير وتستوفي إجراءات التربية والتعليم الى حدٍ ما وأداؤها مقبول، والكمال لله، كما توجد رقابة على التوجيه التربوي وإدارته في هذه المدارس وهناك نزول إليها، ولا نخفي بأن هناك تجاوزات تقوم بها بعض من هذه المدارس، لكن كما يُقال لا يوجد عمل مكتمل، ونحن نتعامل تجاهها من خلال النظام القانوني الخاص، وفي حال حدوث أي مخالفة فهناك جزاءات موضحة لكل مخالفة.

وفيما يتعلق بالمباني فنؤكد بأننا لن نجد مدارس مبنية بالمواصفات المناسبة سواء في عدن أو غيرها من المدن إلا فيما ندر، وهذا عائد لعدم وجود مساحات من شأنها أن تُمكن المواطنين أن يقيموا فيها مدارس، ونشير بهذا الصدد إلى أن لدينا شعبة المشاريع الهندسية مهمتها عمل تقرير على المدرسة الأهلية من ناحية صلاحيتها وقوة المبنى وسلامته.

أما فيما يخص موقع بعض المدارس بالقرب من النقاط الأمنية والتي قد تشهد اشتباكات مفاجئة نتيجة للوضع الذي تمر به البلاد فنؤكد أن هذه المدارس وجدت في هذه الأماكن قبل تردي الأوضاع والتي لن تدوم بإذن الله”.
وأوضح حسين عبدالله با فخسوس في تصريحه لـ«الأيام» أن “المدارس الأهلية تخضع بشكل كلي إلى وزارة التربية والتعليم من ناحية المناهج التعليمية، والجوانب الإدارية، والارشادات، وتخضع لامتحاناتها سواء أكانت النقل الداخلي أو الامتحانات العامة”.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى